ليس صعبا ان نسمّي المؤلف، اندرو لويد ويبر، ابرز مؤلف موسيقي غربي معاصر، مثلما هو ليس صعبا الحصول على اسطوانة له في بغداد، لاسيما انها للتو خرجت من مشوار حرب طويل، تضم اعماله لواحدة من اشهر المسرحيات الغربية في بريطانيا واميركا، "شبح الاوبرا".
1 اغرمت بالاسطوانة واغنياتها والحانها، بفضل يعود الى فسحة النغم الغربي الجميل " بغداد أف أم"، وتحديدا عبر لمسة مقدّم ومعدّ عدد من البرامج في الاذاعة العجيبة تلك، الصديق د مهيمن نوري جميل الذي كان يفضل من الاسطوانة، "Theme Song "، حد انني علقت بوستر الاوبرا الذي كان نشر على امتداد صفحة في مجلة "بيلبورد" الموسيقية الاميركية الشهيرة، خلف مكتبي ببيت استأجرته ببغداد وانا خارج للتو من تجربة الحرب الرهيبة التي اخذت من عمري عقدا كاملا( 1979-1989).
في العام الاخير من تلك التجربة العاصفة، وبعد انتهاء "خدمتي العسكرية" امكنني المشاركة في اخر دورة لمهرجان "المربد" الشعري، وقد تكون واحدة من افضلها ( على الاقل في عقد الثمانينات) لجهة نوعية الضيوف المشاركين ومستوى خبراتهم ومكانتهم الشعرية والثقافية بعامة، وكان من بينهم الشاعر اللبناني القادم من استراليا، حيث كان يقيم حينها، جاد الحاج الذي كنت اعرف الكثير عنه، شاعرا وروائيا لاحقا وناقدا فنيا راقيا، عبر مقالات له وعنه كانت تصلنا في غير مطبوع عربي، ومن بين ابرزها، مجلة "اليوم السابع" التي كنت مراسلها الثقافي في بغداد(1987-1990). وعلى جاري عادتي دعوت عددا من الاصدقاء العراقيين والعرب الى بيتي، وكان بينهم جاد الحاج، الذي ما ان دخل الصالة حتى توقفت نظراته عند بوستر "شبح الاوبرا" ليسألني مبتهجا: وتعرف اخر المسرحيات الغنائية الشهيرة في برودواي؟ قلت له: يبدو هكذا، وانا على معرفة بمؤلف الحانها واغنياتها.. اندرو لويد ويبر.
2* اليوم استعيد ذلك المشهد الحميم، وانا اتلمس بمحبة مفرطة، اسطوانة في مكتبتي، بعنوانGold للمؤلف الموسيقي الشهير الذي ارتبطت اسمه بابرز المسرحيات الغنائية في الربع الاخير من القرن الغائت، ومنها "ايفيتا"، "كاتس"، "فانتوم اوف ذي اوبرا" وغيرها. وموسيقاه التي صاغت هذه العروض وكونت اطارها الروحي الذي جعلها نصب اهتمام عشرات الالاف من الناس الذين واكبوا حفلاتها على امتداد سنوات .
وظل اسم ويبر مرتبطا بما يمكن تسميته بـ"الكلاسيكية" الموسيقية الغربية الجديدة، وهو لم يطبع المسرحيات الموسيقية بطابعها التأليفي الرصين، وانما حتى الاغنيات التي صارت "اغنيات شعبية"، ولكنها ظلت ذات طابع لحني عميق البناء، خذ مثلا اغنية Memory التي غنتها، ألين بيج، وكيف صارت وهي الاغنية العميقة التأثير و "الكلاسيكية" البناء، واحدة من الاغنيات الشعبية الاكثر رواجا في ثمانينات القرن الفائت. والحال ذاتها تكررت مع عمل غنائي اخر غنته سارة براتيمان وستيف هارلي، وهو "الثيمة" الغنائية في مسرحية "شبح الاوبرا"، او "فانتوم اوف ذي اوبرا"، وعلى الرغم من المزج بين اكثر من طابع لحني الا ان الاغنية ظلت "كلاسيكية" الطابع حتى مع شهرتها العريضة بين قطاعات من جمهور الاغنيات الشاب قبل نحو 17 عاما . في الاسطوانة التي يمكن الاستمتاع باغنياتها ومقطوعاتها الموسيقية، قدرة مبهرة للمؤلف ويبر في صوغ الحان "غير عادية" لاصوات من الغناء الشعبي في بريطانيا والولايات المتحدة، لطالما انها "عادية" كما الحال مع اصوات المغنية الاميركية مادونا، وصوت المغني الاسترالي جاسون دونوفان، وتينا ارينا، والفريق الغنائي البريطاني "بوي زون". واذا كانت الحانه "شعبية" نوعا ما مع هذه الاصوات فانها ليست كذلك كمات في صوغه لحنا براقا بالجمال العميق والاصيل، غنته ساره براتيمان مع مغني الاوبرا الاسباني الشهير خوزية كاريراس . او لحنه للمغنية الاميركية باربرا سترايسند . اندرو لويد ويبر مزج الكلاسيكية في التاليف الموسيقي الغربي مع روح معاصرة لم يجعلها استعراضية فارغة بل جاءت انطلاقا من المسرح الغنائي وفي مكانية العتيدين :"برودواي" في نيويورك و "وست اند" في لندن . وتوجهه الى التأليف الموسيقي للمسرح، بدأ مبكرا بعد ولادته العام 1948 لبروفيسور وعازفة بيانو في المدرسة الملكية للموسيقى في بريطانيا. وفي سن مبكرة وتحديدا العام 1956 بدأ ويبر تاليف الموسيقى للمسرحيات المدرسية، وفي العام 1962 انضم الى زمالة دراسية في اوكسفورد، وبعد ثلاث سنوات التقى الكاتب تيم رايس، ليكونا ثنائيا سيطبع المسرح الغنائي الغربي المعاصر بملامح لاتنسى . اولى المسرحيات كانت "ذي لايكس اوف اص" التي فشلت ولكن دون ان تحد النتيجة من تطلع ويبر الى عوالم ابداع حقيقية في المسرح الغنائي، لتبدأ النجاحات مع "جيساس كرايست سوبر ستار"، اوائل السبعينات وتتكرس جمالا روحيا وفخامة تعبيرية مع "ايفيتا" العام 1975، وتتوالى الاعمال المبهرة كما في "كورس لاين" التي صارت فيلما جميلا في الثمانينات لمخرج فيلم "غاندي" ريتشارد ايتنبوروه، ومسرحية "كاتس" او "قطط".
3
وتظل "شبح الاوبرا" علامة على براعة اندرو لويد ويبر، وعنها فاز بالعديد من الجوائز الموسيقية الكبيرة مثل "جائزة غرامي"، و"جائزة الاوسكار" عن افضل موسيقى مكتوبة لفيلم والعديد من جوائز النقاد. وكانت لعمله ذلك "جائزة من نوع خاص"، اذ انه ساهم بتوطيد محبة وصداقة مع الشاعر جاد الحاج***، الذي لم يتوقع انه سيجد في بيت شاعر عراقي، عملا موسيقيا كان لافتا وحديثا جدا حينها مثل "شبح الاوبرا"، وكيف صار خلفية موسيقية لجلسة انيسة، ليس من السهل استعادة نبضها الجميل اليوم.
*جزء من عمل كتابي بعنوان "تاريخ مختلف لبغداد"
|