الراحل قاسم عبد الامير عجام 2002
لا احد ينسى مشروع الشهيد الراحل حول اعادة بناء الثقافة العراقية الذي نشره على صفحات "المدى"، وكان مثل المثقفين العراقيين الذين لم يلوثوا اقلامهم في مداد الديكتاتورية وحروبها ونفاقها وضيق أفقها، يطمح الى ثقافة حرة تؤمن بالتعددية والبحث المعرفي وملامسة هموم الانسان والروح النقدية التي لا تضع نصب عينيها سـوى الحقيقة، تلك الثلة المجرمة التي اغتالت مفكرا عراقيا حرا، ومثقفا لم يطأطيء رأسه فـي زمن الاستزلام والالغاء والتسطح والتسول على اعتاب الحاكم، وسدنته الثقافييـن، انطلقت من المستنقع ذاته، مستنقع الاستهانة بحياة العراقيين، وقادتهم الى المقابـر الجماعية وفجرت اجسادهم بعبوات الديناميت، واغلقت عليهم منافذ الهواء النقي فسيّجتهم بالفكرالعنصري، الشوفيني، والبستهم خوذة الحرب وجندت مفارز الموت خلف السواتر الأمامية لاستئصال كل رفض او تمرد على حروب الديكتاتور الخاسـرة.
لقد جن جنونهم وهم يرون مواقعهم على رقاب الشعب وهي تهتز وتسقط، وجـن جنونهم وهم يرون الثقافة العراقية تحلق في أفق الحرية، خارج المحرمات، متجاوزة الخطوط الحمر السابقة، عبر عشرات الصحف والاحزاب والمؤسسات غير الحكومية والندوات الحرة والرأي الشجاع، لكي يناقش كل شيء، وتنتقد أي فكرة عاقة خطرت في ذهن مثقف سلطوي، جن جنونهم وهم يرون المثقفين المنفيين يعودون الى كنف الوطـن، ويشاركون من صمد وناضل وجاع ولم يلغ في صحونهم المليئة بالدنانير، لبناء وطـــن، ورسم فسحة من الأمل، وقلب صفحة سوداء نكراء.
صار الجميع يخططون ويكتبون لاشادة عراق ذي نكهة اخرى، يحتضن الجميـع، دون سجون وتصفيات جسدية وتكميم للأفواه، لايمكن اغفال البواعث الشيطانية التي تقول ان ايقاف عجلة الحياة في بلد حر وديمقراطي وتعددي يتم بتصفية عقوله الخيرة والنزيهة والمتفتحة التي قطعت تماما مع ثقافة الحزب الواحد والمناطقية والطائفية والقومانية الكاذبة، صار كل من يكرس نفسه لبناء ما دمرته الثلاثون سنة الماضية مـــن الفردية والشوفينية والارهاب الثقافي والسلطوي، متهما وهدفا للأغتيال والموت: السياسيون والمثقفون والشرطة والجيش والنساء والاطفال، الاطباء والمهندسـون والشعراء، كأنهم بذلك يجعلون المواجهة مفتوحة تسيرها عجلة الدم، بين قوى الحريــة والتطور والبناء وبين قوى الظلام الملثمة التي اعتادت على الشعارات الزائفة والآر بـي جي، والمسدسات والعبوات الناسفة وقطع الألسن وجدع الأنوف وتجييش المسيرات.
انها معركة مفتوحة لم تعد تقبل الكلمات الغامضة، ولا النفاق في قول رأي واضــــح وصريح حول ما يجري، اللعب على الحبال أمده قصير، والوقت بجانب هذا العراق الجديد الذي يحاول بقوة الخروج من مستنقع الماضي.
*النص الاصلي كان بعنوان" اغتيال مثقف".