مقالات  



المنتصرون الأنذال

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       29/09/2013 06:00 AM


هل يبدو العراق المثخن بجراحه، اليوم، وقد بدا متهالكا، فيما يقف من حوله المنتصرون: أمريكا، وإيران، والقوى والمجموعات المسلحة والأطراف الدائرة في فلكيهما، داخل العراق أو خارجه؟

ما يعيد هذا السؤال إلى الواجهة، مع أنه لم يغب، بل كان يُغيّب قسرا، ليس مجرد الغزل الأمريكي ـ الإيراني المباشر، في حفلة باتت معلنة، بل اللقاء المباشر بين وزيري خارجية البلدين، كيري وظريف، وهو، وإن بدا في إطار "البحث الدولي المشترك للخروج بحل ممكن لأزمة الملف النووي الإيراني"، إلا إنه ممر واسع للاعتراف بإيران قوة إقليمية عظمى، بعد أن كان هذا الأمر تحقق فعليا على الأرض، وتحديدا فوق جثة اسمها العراق، بل إنني كنت أقول، منذ سنوات، وتحديدا منذ اللقاءات الأمريكية ـ الإيرانية المباشرة في بغداد (نحو خمسة أو ستة لقاءات، في سنتي 2007 و2008)، إن أمريكا ستنسحب، تاركة بلادنا (ضيعة) لإيران، وهو ما تم على الأرض فعليا، وسط حيرة عراقية، تبدو مبررة، ولا سيما إن السلطة العراقية، الناشئة، والضعيفة، والمتخبطة، والمشغولة بمواجهة العنف والحرب الطائفية والنهب المنظم للدولة، لم تكن لتفعل شيئا حيال الطرفين المنتصرين، وهما الأقوى، وقد باتا على اتفاق، حتى وإن بدا غير مكتوب.

هذا ليس تبريرا للحكومة العراقية في سياساتها حيال النفوذ المتعاظم لإيران في البلاد، لكنه يبدو تحصيل حاصل، بل إنها قد تكون وضعت يدها على حقائق دامغة وتأكيدات رسمية، من واشنطن وطهران على حد سواء، تفيد بأن الطرفين متفقان على تسليم العراق للنفوذ الإيراني، والسكوت على هذه الحقيقة، بطريقة لا تبدو مختلفة كثيرا عن السكوت الأمريكي، والغربي عموماً، عن النفوذ السوري في لبنان (1975 ـ 2005). لذا، فإنها ترجمت مثل هذه الحقائق (المفترضة) علناً، لكنها (الواقعية) سرا، وسايرت بنهج ناجح، إلى الآن، بين متطلبات إيرانية وأمريكية في وقت واحد، حتى إن رئيس الوزراء، نوري المالكي، يكرر دائما في أحاديثه أن "الآخرين يتعجبون كيف تكونون في بغداد أصدقاء لواشنطن من جهة وطهران من جهة أخرى؟".

الأرجح، أن التنسيق الأمريكي ـ الإيراني استمد قوة جديدة بعد روحاني، وبمباركة من مرشد الثورة الإسلامية، لكون الأخير فطن إلى قضية جوهرية، فانهيار الحليف في سوريا يعني، تلقائياً، انهيار الحليف اللبناني، وحسابياً، انهيار الحليف العراقي، وبالتالي، خنق الجمهورية الإيرانية ذاتها. ولتجنب كل هذا، كان التوافق في سوريا، عبر الدور الروسي أو غيره، ممرا لسياسية جديدة، اسمها الحديث الودي مع أمريكا، والتراجع عن التصعيد مع إسرائيل، عبر اعتبار (الهولوكست) جريمة ضد اليهود، ووقف إطلاق التهديدات المباشرة لها، والذهاب إلى أمريكا مباشرة، بحديث ودي ومنفتح.

صحيح أن من (حق) المنتصرين في العراق أن يكتبوا تأريخه الراهن والمستقبلي القريب، لكنه صحيح، أيضاً، أنهم ما كانوا إلا منتصرين أنذالاً، ابتهجوا وسيبتهجون قرب جثة طرية لبلادنا الكريمة.
 
* نشرت في "العالم" البغدادية


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM