علي عبد الامير ( في الوسط الحكومي) لمدينة استانه
الحداثة التي تتسم بها العاصمة الكازاخستانية الجديدة، منذ تأسيسها العام 1998، هي نقيض ما آلت إليه بغداد في عشر سنوات، حيث الأحياء كناية عن جزر طائفية معزولة، وإيقاع الحياة الكئيب، في شوارع انتهكت بقوة السلطة وفظاظة قادتها، فضلا عن تخلفهم الفكري والإنساني المريع.
قادة (العراق الجديد)، ولا سيما الشق العربي منه، هم من أحزاب حركات وتيارات أصولية مناهضة للحداثة، فلا الإسلام السياسي، بشقيه الشيعي والسني، يؤمن بالحداثة، وأغلب قادته المتنفذين في البلاد، اليوم، من أصول اجتماعية وفكرية تنظر إلى الحداثة بريبة تقارب العداء. وفضلا عن الإطار الفكري الديني المتشدد، ثمة عامل آخر، مناهض للحداثة، يجتمعون فيه، وهو الإطار الاجتماعي العشائري، الذي بات مخترِقا لآخر حصن مدني في البلاد، حين جاءنا، أخيراً، خبر (عشائر الكرادة).
إن استمرار وجود قادة على شاكلة ومعدن وأصول من هم من السلطة العراقية، اليوم، لن يجعل البلاد تنفتح على أبواب الحداثة الحقيقية، المؤهلة لجعل العراق قادرا على الحياة. والتخلف الفكري، المستند إلى أصول دينية متشددة، طائفية بالدرجة الأساس، وإلى أصول اجتماعية عشائرية خانقة، سيحرم البلاد من أية فرصة للتطور، طالما استمر النوعان من التخلف السلطوي (الديني الطائفي، والعشائري) في الإمساك بإيقاع الحياة العراقية وامتلاك حق التصرف بموارد البلاد البشرية والمادية.
صحيح أن التحديث، الذي تأخذ مدينة أستانة لجهة (غربية) عمارتها الجديدة أحد أكثر أشكاله حضورا في كازخستان، يبدو أشبه بالقطيعة مع إرث تأريخي، يمثله، كما يقول الكازاخ "جدنا الأكبر، رأسهم السلطان الظاهر شاه بيبرس، سلطان مصر والشام لنحو 17 عاما، إبان العصر المملوكي، وهو من هزم التتار في معركة (عين جالوت)، وجدنا الثاني، الفيلسوف والعالم أبو نصر الفارابي"، لكن هذا النموذج ليس، بالضرورة، هو النموذج الوحيد الواجب أن يحتذى، فيما يبدو المثال الذي يقدمه (العراق الجديد) مناهضا لأية حداثة، اللهم إلا حداثة النهب والسلب، ومتابعة أحد مقترحات الحداثة في التحويلات المالية، بما يجعل بابا رسمياً، اسمه (مزاد بيع العملة الأجنبية)، الذي يقيمه البنك المركزي العراقي، ممرا واسعا لتهريب الأموال عبر (شبكات الحداثة وتقنياتها)، بما يكلف العراق خسارة نحو 12 مليار دولار سنوياً، كما يقول الخبراء.
مثلما لا ديمقراطية في العراق من دون ديمقراطيين، هم غير موجودين في السلطة، اليوم، لا حداثة قادرة على نقل بلد واعد بموارده الجبارة إلى العالم المتحضر، من دون حداثويين ومتحضرين، هم ليسوا ضمن قائمة من يمسك بمقاليد السلطات في البلاد، اليوم.
* نشرت في "العالم" البغدادية