الموسيقى الغربية علامة مدنية لبغداد ... قبل ان تصبح ملحقا قرويا

تاريخ النشر       21/06/2013 06:00 AM


علي عبد الامير عجام*
ليست بعيدة عن التحقق في وقائع العاصمة العراقية المتأخرة، تلك الفكرة التي تقول ان المدن مرآة لسلوك حكامها وثقافتهم، ومؤشر على القيم السائدة التي يحاول الحكم ثتبيتها. ففي العام 1980 ومع فرض الرئيس الاسبق صدام حسين لسلطته المطلقة، كان عليه ان يحمي تلك السلطة بالالاف من المخلصين الاوفياء له، وهؤلاء بمعظمهم جاء بهم من الارياف والبادية، ونتيجة ما منحوا اياها من سلطات اعلى من اي قانون، بدأوا بفرض قيم وسلوك انساني وثقافي، نابع من الايقاع الخشن للريف والبادية، فباتت هناك لكنة من ريف تكريت وباديتها تسيطر على السنة شبان كثيرين في بغداد كانوا مأسورين بشخصية "الرئيس الفذ"، فضلا عن ذائقة موسيقية وغنائية رثة، عمادها اغنيات تختلط فيها الاشكال الريفية بالبدوية، وتؤديها مطربات "غجريات" كن يتولين مهمة تسلية رجال الرئيس وقادته المقربين، حد ان احدهم (وكان منتشيا) ارسل بشريط فيديو الى محطة "تلفزيون بغداد"، يوم لم يكن هناك غيرها في البلاد، مع رجال حمايته يوصي ببثه على الفور، كي يظهر لمطربته الغجرية المفضلة، كم هو قوي ومؤثر، وانها باشارة منه، يمكن ان تكون نجمة التلفزيون بغير منازع.


فرقة غربية عراقية في العام 1964 بغداد- فندق الامبسادور
 
وطوال عقد الثمانينيات من القرن الماضي ظلت معالم المدنية في بغداد تترنح، امام موجات ثقافة السلطة القادمة من الريف والبادية، ومنها الغناء والموسيقي، وتحديدا الغربية منها، اكانت في شكلها الكلاسيكي ام المعاصر، ففي الشكل الاول ظلت المؤسسات الاكاديمية فضلا عن "الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية"، تدافع عن قيم الرفعة النغمية،  بينما كانت بعض الفرق الغنائية الخاصة بتقديم الوان موسيقى الروك والبوب والجاز تكافح مصيرها المحتوم، فالبيئة الاجتماعية يسيطر عليها عاملان طاردان للانغام الجميلة: الحرب وما تشيعه من قيم الموت والفناء، الى جانب سيطرة لرجال الرئيس ( في الدولة والمجتمع) المنحدرين من الريف والبادية على الذائقة العامة، ومنها في الغناء والموسيقى.


وفي الشكل الثاني من الموسيقى الغربية، اي المعاصر منها، ظلت محطة اذاعة "بغداد اف ام" طوال سنوات تاثيرها 1982-1989، ايقاعا مختلفا، حاولت عبر نخبة مثقفة من العاملين فيها ان تكون نافذة مشرعة على الجديد والجميل في انغام العالم المعاصر، في البوب والروك والجاز وغيرها.
قبل ايام تساءل الصحافي العراقي حسين الحلي "من يتذكر محلات وهواة الغناء الغربي في بغداد"؟، موضحا في استعادة لتلك الايام "الذهبية" لقد "كان الغناء الغربي محط اهتمام ومتابعة من كثير من الشباب العراقي في مدينة بغداد في فترة سنوات الستينيات والسبعينيات واخذت هذه الظاهرة بالانزواء منتصف الثمانيننيات.. ويذكر ان بغداد الاربعينيات والخمسينيات كما يقول والدي (الشاعر والباحث الموسيقي علي الحلي) شهدت اهتماما بالموسيقى الكلاسيكية حيث كانت هناك فرقة "بغداد لموسيقى الصالة" والتي كانت تقيم حفلات لاشهر الموسيقيين العالميين. وكان هناك رواد ومهتمون وفرق موسيقية !.. ففي بداية الستينيات يتذكر ابناء جيلي اولئك الشباب الثلاثة الذين كانوا يظهرون من على شاشة تلفزيون بغداد وهم يعزفون على الغيتارات في برنامج اسبوعي وهم اعضاء الفرقة السماة "ايغلز " والذين كانوا يشبهون باسلوبهم الموسيقي وطريقة العزف فريق " ذي شادوز"الاميركي الشهير، كما كان هناك برنامج اسبوعي اسمه "الجاز العراقي" لمجموعة من العازفين العراقيين المحترفين . وفي اواخر الستينيات وبداية السبعينيات كانت هناك فرق جاز وروك عراقية شهيرة هي فرقة "شيراك"، وفرقة "الهام المدفعي"، وكانت هناك العشرات من الفرق من محترفين وهواة وانتشرت ظاهرة بيع الالات الموسيقية الغربية".
ويشير الحلي الى مرحلة بدأت فيها الوان الموسيقى الغربية بالانحسار، قائلا "في عام 1982 فتحت قناة الاف ام FM لكنها توقفت بعد سنوات اذ اخذ الاهتمام بالغناء الغربي بالانحسار في بغداد بعد هجمة الريف والبداوة والتصحرعلى كل اشكال الحياة الاجتماعية في بغداد ..فبدأ يظهر نمط جديد من الغناء العراقي المصحوب بالالات الغربية وهجر الناس رقصات راقية كالفالس والروك في حفلات النوادي وحل محلها "البزخ" و"الجوبي" وغيرهما ".

ولتوثيق ما يمكن حفظه من تيار مويسيقي وغنائي غربي في العراق، تشكلت مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" تحمل اسم " " فرق الموسيقى الغربية في العراق"  وفيها يرصد صائب حبابة وآفو كريستو، "رواد الفرق الغربية في العراق" ضمن لائحة تمتد من العام 1960- 1990 وتضم اكثر من خمسين اسما، ومع اللائحة يكتب حبابة : "هل تصدقون ان عدد الفرق الغربية في العراق اكثر من اي فرق موجودة في الوطن العربي منذ الستينات ولحد التسعينات. ارجو ان تعذروني ان تخطيت اي فرقة غربية لم يتم ذكرها لان هذه المجموعة هي فقط مدونة بالجهود مع آفاك عازف البيانو في البحث عن اسماء الفرق الغربية في العراق في زمن تألقها".

حارس النغم الجميل في بغداد؟
من بين الناشطين الى اليوم في هذا الشكل الموسيقي، حتى انه بدا سعيدا بلقب "حارس النغم الغربي الجميل في بغداد"، العازف نشأت مجيد الذي يكتب عن فرقة "توب توينتي" التي "تأسست في السبعينات قبل أن ألتحق بها في1983 وكانت تتألف وقتها من سعد جورج عزو سوليست الفرقة، بغيتاره الغيبسون وستايل العزف سانتانا، وكان مدير الفرقة نذير بشير، عازف الدرامز و من الروادالمؤسسين للفرقة وشعلتها بعزفه المثير البلوز وحضوره المميزكعلامة قوية من علامات الفرقة، حيث خلف خروجه من الفرقة سنة 1989 فراغا كبيرا، وروبي عازف الكيبورد، وكان روح الفرقة وماكنتها الفنية عن أستحقاق وكان مخرج الموسيقى لأغاني الفرقة، وكريم البكري وهو عازف الباص غيتار وأحد الأعضاء المهمين سواء من ناحية عزفه وكان كالأسطوانة بعزفه المتقن، أو من ناحية أخلاقه الدمثة وروحه الجميلة الى أن ألتحقت أنا، بالفرقة وكنت مؤديا للأغاني الغربية وعازف الكوردات وغيتار الفرقة الثاني ليلتحق بها قمر وهو مغني الفرقة الرئيسي للأغاني العربية وبحضوره الرائع زاد من روعة الفرقة، لحين سفر أعضاء الفرقة الى الشتات وأنفراط عقدها ".




 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM