مناطق القصر الجمهوري تحت النار اوائل نيسان (ابريل) 2003
سلاح اميركي مرعب ورهيب على مستوى " ام القنابل" سيكشف لاحقا عن ان " الصدمة" ستكون من حصة النظام الحاكم اما " الترويع" فسيكون ارثا باهظ التكاليف ما انفك العراقيون يدفعون فواتيره .
المراقبون يجمعون على ان القوات العراقية في العام 2003 هي ليست في مقدرة مثيلتها التي غزت الكويت وخاضت حرب "عاصفة الصحراء" 1991، ويلفتون الى ان التضخيم الذي استخدمه نظام يغداد لقدرة "المجاهدين العرب والمسلمين المتطوعين دفاعا عن العراق"، ممن دخلوا البلاد بالتنسيق مع الاجهزة المخابراتية والامنية والعسكرية، يكشف عن ضعف حقيقي في المعنويات والاستعدادات اللوجستية، حتى وإن قدمهم الحكم على انهم " الورقة الرابحة" في معركته مع الاميركيين في حال دخولهم الى بغداد.
أي استراتيجية عراقية ؟
تعرض العراق إلى العديد من الضربات الجوية والصاروخية خلال المدة المحصورة مابين "عاصفة الصحراء" 1991 و"حرية العراق" 2003، ومنها عملية "ثعلب الصحراء" الاميركية البريطانية في منتصف كانون الأول 1998 التي شكلت اشد تلك الضربات، ومع فشل وسائل الدفاع الجوي العراقي في إسقاط أية طائرة والاقتصار على إصابة عدد محدود من صواريخ "توماهوك"، بدا ان القوات العراقية اقرب الى الانهاك الذي اكده تواصل الحصار الدولي، وتأثيراته على تفشي الفساد الواسع بين ضباط الجيش الذين ظلوا يقايضون الجنود بالمال مقابل غيابهم عن الثكنات.
ومع خسارة القوة البحرية برمتها في حرب تحرير الكويت وتحولها إلى "قوة مشاة ساحلية"، وتلاشي القوة الجوية العراقية إلى حدود ضيقة جدا بفعل التدمير المباشر مع بقاء 135 طائرة مختلفة الأنواع محجوزة في إيران التي لجأت اليها هذه الطائرات في بداية حرب 1991 ضمن "اتفاق شرف مابين القيادتين العراقية والإيرانية لتجنب تدميرها بالقصف الجوي الاميركي" كما يقول كبار الضباط العراقيين، كان هناك عشية الحرب 23 طائرة مقاتلة فقط، وجد العديد منها مدفونا تحت التراب بعد الحرب، في واحدة من مؤشرات "عبقرية" الاستراتيجية العسكرية للقائد العام للقوات المسلحة، الرئيس صدام حسين!
وفي حين شكلت الوحدات البرية أهم عناصر القوات المسلحة العراقية، الا انها " فقدت تأثيرها الحقيقي من حيث العدد والكفاءة الفنية والقتالية بانخفاض التخصيصات المالية إلى حدود خطيرة فمرت دفعات من الجنود والضباط الأحداث دون الحصول على المستوى الأدنى من الإعداد الفني والقتالي علاوة على تقادم الأسلحة والتجهيزات والمعدات القتالية " .
والقوات العراقية كانت : خمسة فيالق تضم 18 فرقة، ثلاث منها مدرعة واثنتان آلية (ميكانيكية) والباقي هي فرق مشاة مع إلغاء سلاح القوات الخاصة، أما قوات الحرس الجمهوري فأعيد تنظيمها بمستوى جيش يتألف من فيلقين يحتويان على ثلاثة فرق مدرعة وواحدة آلية واثنتان مشاة ولوائي قوات خاصة بالإضافة إلى وحدات الإسناد والخدمات، الى جانب قوات حدود ذات تسليح خفيف، و"جيش القدس" وضم 20 فرقة خفيفة من "متطوعي البعث"، و "فدائيو صدام" وهو تنظيم شبه عسكري بقياده عدي، النجل الأكبر للرئيس، الى جانب "جيش الشعب" وهو عبارة عن مسلحي الحزب ينظمون في وحدات صغيرة بتسليح خفيف.
وتوزعت القوات العراقية عشية الحرب بين "المنطقة الشمالية"، ومابين " الوسطى" و"المنطقة الجنوبية"، كانت هناك منطقة "الفرات الأوسط ".
وبدا "التخطيط لمواجهة غزو تقوم به اكبر قوة عسكريه في العالم" شبه غائب، لاسيما في " نمط تفكيرقيادة لا يستند على المشورة " على الرغم من "امتلاك العراق لعدد لا يستهان به من المفكرين والاستراتيجيين إلا إن هؤلاء لم يكونوا بالمواقع التي ينبغي إن يكونوا فيها ولم يحضوا بالاحترام". وكان "جوهر" ذلك التخطيط يعتمد "إدارة سلسلة من المعارك الدفاعية " واعتبار "نهر الفرات هو الحدود الغربية لعمل القوات المدافعة ( لم توضع في الحسبان أماكن مهمة واستراتيجيه كمدينة كربلاء التي تقع غرب النهر)، واستنزاف العدو كلما تقدم نحو مركز البلاد، وقبول المعركة الحاسمة في العاصمة بغداد بقتال تتولاه قوات الحرس الجمهوري".
"لم يتبق للرئيس" من يناصره!
يجمع ضباط عراقيون بارزون ممن خاضوا الحرب، ومنهم قائد فيلق في الحرس الجمهوري الفريق رعد الحمداني على ان "قبول المعركة الحاسمة في العاصمة بغداد جعلها تتحمل أي ( بغداد ) الثقل الأكبر من القصف الاستراتيجي المعادي، وسمح للعدو بالتخطي العملياتي للكثير من الأهداف لصالح حشد القوة الملائم نحو بغداد بالوقت الذي كانت خطه الدفاع عن بغداد يشوبها الكثير من الغموض من حيث جوهر العمل ومسؤولية القيادة والسيطرة".
"الصدمة " التي شكلتها الضربات الاولى في الحرب، كشفت عورة النظام الحاكم عسكريا وامنيا وسياسيا، وانهيار حتى المدافعين عن القصر الجمهوري على الرغم من ان دبابتين اميركيتين فقط كانتا تولتا دخول المقر الحصين للرئيس، لكن الشق الثاني من العملية، اي "الترويع" كان من حصة المواطنين العراقيين، وبالاخص سكان بغداد الذين هزت مدينتهم اكبر موجات للقصف في التاريخ المعاصر، ليندفع الاميركيون في فجر السابع من نيسان (ابريل) سريعا نحو بغداد، التي ضربتها واحرقتها الاف الصواريخ الجوالة والقنابل الجوية.
وفي السرديات العراقية المتداولة عن الحرب ان "رتلا اميركيا توقف عند جامع ام الطبول، الواقع على طريق المطار الدولي باتجاه مركز بغداد، واجهه الرئيس صدام بعناصر من حمايته الشخصية حيث دمروا دبابتين فيما كان القائد يراقب الموقف وهو جالس في مظلة انتظار الحافلات امام الجامع وهو في حالة اسي وذهول"، حين كان يمني النفس بمعركة حاسمة في الدفاع عن بغداد، حين اشرف على "الهجوم المقابل الذي شنته عناصر مختلفة من الحرس الجمهوري الخاص و فدائيي صدام ومن بعض الاجهزة الامنية والحماية الخاصة وبعض الفدائيين من المتطوعين العرب" لكن استخدام الاميركيين كثافة نارية هائلة فيها الكثير من الاعتدة الحارقة ذات التأثير الفائق، ابقت الرئيس دون قوة حقيقية تناصره، فيما كانت القوات الامريكية تتوغل في بغداد من جنوبها الشرقي ومن شرقها ومن غربها وجنوبها الغربي بينما كان الطيران الاميركي امعن تدميرا في دبابات الحرس الجمهوري، لتدخل قوات الفرقة الثالثة الاميركية وقوات المارينز بغداد من الغرب والشرق، وليشكل المشهد التالي ( اسقاط التمثال الكبير لصدام حسين) في "ساحة الفردوس" ايقونة الغزو الذي شكل حدثا رهيبا، زلزل ليس النظام الحاكم وحسب، بل اركان الدولة و التركيبة الاجتماعية العراقية ذاتها.
* الجزء الثالث من دراسة طويلة عن الذكرى العاشرة لحرب الاطاحة بصدام