مقالات  



مدافع النظام (الديمقراطي) وطائراته حين تستعيد دورها في (الديكتاتوري)

تاريخ النشر       24/05/2013 06:00 AM


عمّان-علي عبد الامير

كان المشهد الذي شكله انتشار قوات الحكومة العراقية امام ساحة الاعتصام في الحويجة، وهي مدينة عرفت بانها اساس الوجود العربي في محافظة كركوك المتعددة القوميات ومركز الخلاف بين بغداد واربيل، يؤكد ان هذه القوات لم تأت للنزهة، وانما لتنفيذ عملية واسعة، فهي مزودة بطائرات هيلوكوبتر وعجلات مدرعة ومدافع، وإن كان الغلاف الخارجي هو لمجموعة رفعت اسم الشرطة لكنها في حقيقتها من قوات "سوات" المرتبطة بالمكتب العسكري لرئيس الوزراء نوري المالكي، التي توصف بانها قوات "غير دستورية" وشكلها المالكي بالتعاون مع الاميركيين لتنفذ عمليات خاصة ضمن "مكافحة الارهاب"، فيما يقول خصوم رئيس الوزراء، ان تلك القوات تحولت الى "عصا غليظة يستخدمها المالكي لتثبيت سلطته من خلال ترويع الاخرين".

قوات عراقية قبيل مجرزة الحويجة
 
اي محلل عسكري كان سيصل الى نتيجة مفادها ان طبيعة التحشيد للقوات التي دفع بها قائد القوات البرية الفريق الركن علي غيدان واشرف على عمليتها في الحويجة، تكفي لدك حصون وليس مجرد مخيم اعتصام، ببعض قطع السلاح الشخصي في منطقة عرفت بانها عشائرية وقبلية على نحو كبير، ووجود السلاح الشخصي عند ابنائها امر يبدو طبيعيا ومسلما به.

صفوف من القطعات تبدأ من "سوات" التي تضع اقنعة وادوات "شرطة مكافحة الشغب" ولا تنتهي بالطائرات التي باعتها بولونيا الى العراق ( بضغط اميركي وكنوع من رد جميل حكومة وارشو التي ساهمت بالغزو 2003) على انها جديدة فيما هي خردة حقيقية وتعود الى زمن "المعسكر الاشتراكي" السابق.

اختيار الصباح الباكر لتنفيذ الهجوم كان امرا محكما، فهو سيتم في وقت عادة ما تكون فيه الاهالي وسكان المناطق المجاورة تغط في النوم، وهو ما سيجعل اي عملية نجدة للمعتصمين صعبة، ويجعلهم "عصفا مأكول" حيال القوات ضخمة العدد والعدة.

شخصيات عسكرية عراقية بارزة تحدثت اليها "الحياة" كشفت ان "الخطة كانت اعدت من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة قبل فترة ضمن سيناريو لافشال حركة الاعتصام الشعبي، وتعتمد الهجوم على "المناطق الضعيفة" في حجم المشاركة الشعبية، عبر البدء بمنطقة "الحويجة" غرب كركوك ثم الانتقال الى تكريت، ولاحقا الفلوجة، مدينة وزير الدفاع سعدون الدليمي الذي تعهد لزعيمه، رئيس الوزراء نوري المالكي بنجاح الخطة، وتجنب سفك الدماء". غير ان فجر الثلاثاء 23 نيسان (ابريل) كان دمويا بامتياز، فيما اخرجت الحكومة العراقية ملف القاعدة والبعثيين لتعيد حكاية وصف من سقطوا امام قواتها المدججة بالسلاح والمعدات الاميركية المتقدمة، على انهم من طائفة "الارهابيين" الذين تخصصت "سوات" العراقية بمواجهتهم.

"اعدامات ميدانية" وقصف بالطائرات

تداعيات هجوم الفجر الدموي العراقي الجديد، كانت توزعت ليس على عمليات الثأر الشعبية الفوضوية وحسب (ضرب مواقع وارتال عسكرية في مناطق التظاهرات، واعلان الخيار العسكري في ساحات الاعتصام الاخرى التي كانت تصر على خيارها السلمي)، بل سياسية ايضا ومنها استقالة وزيري العلوم والتكنولوجيا عبد الكريم السامرائي من قائمة "متحدون" بزعامة رئيس البرلمان اسامة النجيفي، ووزير التربية محمد تميم الذي خالف زعيمه نائب رئيس الوزراء صالح المطلك، والوزير المستقيل هو من التكوين الاجتماعي لمناطق الحويجة وما جاروها، والمثير ليس في استقالته التي جاءت على الضد من خيار المطلك، بل في التفاصيل التي كشفها لاحقا وتتعلق بالسلوك الذي اتبعته القوات العراقية في تعاملها مع معتصمي الحويجة، فهو يؤكد ان "العديد من جرحى معتصمي الحويجة تعرضوا إلى إعدامات ميدانية"، عن طريق قوات النخبة "سوات".

في سياق متصل بالنهج الذي يعنيه تحول القوات العراقية ( اغلب قادتها من الشيعة) الى قوات قمع وشرطة غاشمة أعلنت النائبة عن التحالف الكردستاني أشواق الجاف، عن أن "مستشفى كفري في صلاح الدين أستقبل (الاربعاء وهو اليوم التالي للهجوم على الحويجة) عشرات المصابين من ناحية سليمان بيك في محافظة صلاح الدين بعد أن تم قصف بعض القرى بالطائرات من قبل قوات الجيش العراقي".

الجاف، التي كانت تصرح من داخل المستشفى ، اكدت في بيان أن "عشرات المصابين جراء القصف نقلوا إلى المستشفى لتلقي العلاج".

وكانت أوامر قد صدرت من القوات الأمنية "بإخلاء الأسر من ناحية سليمان بيك التي يسكنها الغالبية التركمانية في محافظة صلاح الدين، بعد سقوط قرية منها بأيدي المسلحين".

اكانت القوات عالية التدريب والتسليح التي هاجمت الحويجة، قتلت تصويبا عاديا ام عن طريق "الاعدامات" كما يقول الوزير المستقيل محمد تميم، وضربت بالطائرات مركز ناحية "سليمان بيك" فانها وهي التي ارادها الاميركيون قوات "النظام الديمقراطي"  تستعيد صورة سلفها قوات "النظام الديكتاتوري" وهي تضرب المواطنين في شمال البلاد وجنوبها.

الايرانيون يقرأون "الحويجة": حلقة في مسلسل التآمر الخليجي التركي الاسرائيلي

الايرانيون الذين اوفدوا وزير الامن حيدر مصلحي الى العراق قبل اسبوعين وشددوا في لقاء مصلحي مع قادة "التحالف الوطني" الشيعي على ضرورة التنبه الى "المخطط السني" المتمثل باثارة الاعتصامات والاحتجاجات، قرأوا الهجوم على الحويجة عبر ما نشرته وكالة أنباء فارس الإيرانية ضمن تقرير حمل عنوان "أحداث الحويجة العراقية بنظرة اقليمية وفي اطار المشروع الصهيوني".

وبدا لافتاً في التقرير، والذي اعتمد هيكله على "خبير" عراقي، الإشارة إلى أن ما حدث هو جزء من مخطط حلف تركي قطري اسرائيلي، وهي اللغة ذاتها التي دأب على ترديدها سياسيون عراقيون مقربون من ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، في اتهام المنتفضين والمعتصمين، وآخر تلك الاتهامات ما وجه لمعتصمي الحويجة بوصفهم من البعثيين والقاعدة والنقشبندية!

وتورد الوكالة الايرانية "يرى عدد من السياسيين والخبراء ان الاحداث التي جرت صباح الثلاثاء في قضاء الحويجة جنوب غرب محافظة كركوك وما تبعها من آثار امتدت الى بقية المحافظات الغربية التي تشهد تظاهرات منذ ثلاثة اشهر، جزء لا يتجزأ من المشروع القطري التركي الاسرائيلي، من اجل الوصول الى البحر المتوسط" (تركيا واسرائيل هما على المتوسط اصلا).

ويعيد الايرانيون الرواية الرسمية لقادة المالكي ونواب ائتلافه فتقول "اندلعت الاشتباكات صباح يوم الثلاثاء في قضاء الحويجة بين الجيش العراقي ومسلحين داخل ساحة الاعتصام كانوا قد استولوا على اسلحة من نقطة تفتيش تابعة لقوات الامن العراقية، ونتيجة ذلك الاشتباك راح عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، فيما حملت وزارة الدفاع القائمين على ساحات الاعتصام مسؤولية ايواء عناصر تنظيم القاعدة والبعثيين".

ويغمز الايرانيون من قناة رجل الدين السني البارز الذي يوصف بالاعتدال وتأكيده على ضرورة ابقاء الاحتجاجات في اطار سلمي، ويقولون "في بداية اندلاع المواجهة في قضاء الحويجة اصدر رجل الدين الشيخ عبدالملك السعدي بيانا حرض فيه المواطنين على مواجهة قوات الامن العراقية"، دون ان تنسى "فارس" القول ان "القوات العراقية هي التي وفرت الحماية منذ ثلاثة اشهر لساحات الاعتصام".

وتستعرض الوكالة الايرانية حدث الحويجة انطلاقا من " تجدر الاشارة الى الدور الثلاثي في المنطقة "اسرائيل – تركيا - قطر" وما هو المخطط الجديد"؟ معتمدة على أجابة الخبير الستراتيجي العراقي احمد الشريفي (.....) الذي يوضح ان "هيئة علماء المسلمين تحدثت في بيان لها عن صفحة جديدة من المعركة مما يدل على ان الاحداث مرتب لها بان تكون بداية تظاهرات سلمية ومن ثم تتحول الى مواجهات مسلحة، معتبرا ان جميع تلك الاعمال هي ضد العملية السياسية".

ويقول الشريفي في حديثه مع وكالة انباء فارس ان "ما يجري اليوم هو صفحة من صفحات المعركة التي خطط لها في غاية الدقة"، وانه بعد ساعات محدودة من انطلاق الاشتباكات خرج رئيس البرلمان اسامة النجيفي، وطالب بتدويل القضية وكان الاحداث تجري بسلسلة اوقات معينة"، موضحا "اكثر بان ما يجري الان انه ترتيل لتشكيل ما يطلق عليه بـ"الشريط السني" الذي من المقرر له ان يجتزء من العراق، والغاية منه الحصول على البترول ووصول موارد الطاقة الى حوض البحر المتوسط مرورا بسوريا".
 
* نشرت في "الحياة"


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM