عن "شعبوية" طائفية يوجهها المالكي فيغدو القادة الشيعة العراقيون اسرى لها

تاريخ النشر       24/05/2013 06:00 AM


الحلة (بابل) - علي عبد الامير*

بعد توافق عليه تحت تاثيرات ايرانية، اختار القادة الشيعة العراقيون زعيم حزب الدعوة الاسلامية ورئيس ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي رئيسا للوزراء في اواخر العام 2010، لكنهم لا يبدون اليوم في هذا المسار المنسجم او التوافقي مع من باتوا يتحدثون عنه، إن علنا ( زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر) او سرا في المجالس الخاصة جدا (زعيم المجلس الاعلى الاسلامي السيد عمار الحكيم)، بوصفه "متفردا بالسلطة" ويأخذون عليه "عسكرة الدولة" والتصعيد تجاه الكرد مرة، والسنة مرة اخرى.

 "الحياة" تحدثت الى شخصيات بارزة في "التحالف الوطني" الشيعي من خارج "ائتلاف المالكي "، فكان ان وجدت مسارا متصاعدا في نقد السياسة التي يمضي بها  رئيس الوزراء العراقي، وهو مسار بات يمثله تيار السيد مقتدى الصدر، لا سيما ان الاخير بدا وكأنه مضى خطوات بعيدة نحو التنسيق مع ايران التي كانت دفعت به الى ان يكون اقوى تيار شيعي مؤيد لتولي المالكي رئاسة الوزراء في العام 2010، بعد ائتلاف "دولة القانون"، بينما هو اليوم على رأس قوى شيعية عملت بقوة من اجل تشريع قانون برلماني يحدد الرئاسات الثلاث بدورتين فقط، وهو يرفضه ائتلاف المالكي بقوة، كونه في حال عدم نقضه من المحكمة الاتحادية المتهمة بموالاة رئيس الوزراء،  فانه سيقطع الطريق على تولي زعيم حزب الدعوة، رئاسة الحكومة دورة ثالثة.

والى جانب هذا المسار المعلن من قبل التيار الصدري في نبرته الناقدة القوية للمالكي، ثمة مسار آخر يبدو خافت النبرة احيانا، ويرمز اكثر مما يوضح، انه المسار الذي يمضي فيه "المجلس الاعلى الاسلامي" بزعامة عمار الحكيم، الذي سجل صعودا واضحا في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة، لكنه وإن بدا ناقدا للمالكي، الا انه لا يمضي الى اخر الشوط، ولاعتبارات عدة، فهو في مرحلة استعادة جمهوره الذي انفرط عقده، بسبب انقسامات ابرزها، انفصال "منظمة بدر" التي يقودها وزير النقل الحالي والحليف القوى لايران، هادي العامري، واختياره التحالف مع المالكي سياسيا وحكوميا، وبسبب فشل قيادات سابقة له في ادارتها بعض الوزارات، ولاحقا في الحكومات المحلية بمحافظات النجف، الحلة، والديوانية . قيادات "المجلس الاعلى"، ترى ان حزبها اليوم " لايمكنه ان يواجه المالكي، حتى وإن بدا الاخير انه يدفع بالبلاد نحو مواجهة صعبة جديدة، ستكون مواجهة طائفية على الاغلب"، مبررة ذلك ان "المالكي يتمتع بما لم يحصل عليه أحد، فهو يحظى بمناصرة "الشيطان الاكبر" في اشارة الى اميركا كما تطلق عليها ايران، ومناصرة " محور الشر" في اشارة الى ايران كما كانت تسميها ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش".

لكن ما يجمع المسار الرافض علنا لنهج المالكي كما يمثله التيار الصدري،  والمسار "المتشكك" من اجراءات رئيس الوزراء، كما يمثله "المجلس الاعلى"، هو انهما يعلمان تماما، ان اي مواجهة مع زعيم حزب الدعوة، سوف تؤثر على شعبيتهما في الاوساط الشيعية المتزمتة طائفيا، والتي اصبح عندها المالكي بمثابة  " مختار العصر" الواجب مناصرته ودعمه، في اشارة الى المختار الثقفي الذي انتقم من قتلة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب في كربلاء.

القيادي في التيار الصدري والنائب عن "كتلة الاحرار" الممثلة له في البرلمان، جواد الشهيلي، يقول في حديث الى "الحياة" ان " الموقف المناهض للمالكي يكلفنا الكثير شعبيا، ولكن هذا لن يردعنا عن مواجهة مؤشرات ظهور ديكتاتورية جديدة يمثلها رئيس الوزراء اليوم".  ما ينوه عنه الشهيلي بعبارته " يكلفنا الكثير شعبيا"، يبدو واضحا في امتعاض اوساط شيعية كثيرة، من موقف الصدريين حيال المالكي، ولانه امتعاض تحددة بوصلة طائفية، فان الاتهامات توجه الى الصدريين بـ"الاصطفاف الى جانب السنة والبعثيين" لمجرد ان زعيم التيار الصدري، ابدى تعاطفا مع الاحتجاجات الشعبية في المناطق السنية.

اما نائب رئيس الجمهورية المستقيل، والقيادي في "المجلس الاعلى الاسلامي" عادل عبد المهدي، فهو لا يبدو ممتثلا  الى حد ما، لنبرة زعيم حزبه، السيد عمار الحكيم، فينتقل من نبرة النقد الخفيف للحكومة ولرئيسها الى ابعد من هذا، لا سيما في تعاطي بغداد مع المحافظات الغربية واعتصاماتها، ففي مقال يكشف الكثير عن سجال بين قيادات الشيعة، وبالذات ما خص المواجهة المؤجلة مع السنة، يقول عبد المهدي " اصبحنا جميعاً رهائن يراد منا كلام العقلاء في اجواء فقدت العقل. السني رهينة، لا يستطيع ان يقف مع سياسات سلطات تضعفه في مناطقه، وتهدده في غيرها.. والشيعي رهينة لا يستطيع امام القتل اليومي –وضخامة التهديدات- ان يتناول سياسات حكومة فاشلة في امنها وسياساتها وخدماتها".

صحيح ان زعيم المجلس الاعلى الاسلامي كان وجه نقدا واضحا لحكومة المالكي، في "امنها وسياساتها وخدماتها"، لكنه لا يتردد عن القول بفخر " اننا (المجلس الاعلى) من رفض حجب الثقة عن المالكي"، ليبدو الامر وكأنه احجية لا يمكن حلها : "حكومة  فاشلة في امنها وسياساتها وخدماتها" لكن حجب الثقة عنها امر مرفوض، وبالتالي فان مراقبين كثر يرون ان لا قيمة فعلية في النقد الذي يمارسه "المجلس الاعلى" للمالكي، بل هو من باب "ذر الرماد في العيون"، ولا يمكن التعويل عليه حتى وان ذهب القيادي فيه، عادل عبد المهدي الى القول "بدون الشريك السني المعتدل لا يمكن ان يتمتع الشيعة بالامن.. وبدون الشريك الشيعي المنصف لن يشعر السني بان الحكومة حكومته ".

وحيال وسط شيعي متزمت لم يعد يرى في ”مواطنه " السني غير "ارهابي" حتى وان اثبت العكس، لا قيمة حقيقية لكلام عبد المهدي عن "حاجة الشيعي الى السني "، اذ تتصاعد "شعبوية " شيعية، يمثلها المالكي الذي يبدو وكأنه انحنى ثانية للمطالب الكردية، كي يتفرغ كليا للمواجهة مع المعتصمين في المحافظات السنية، الذين هم " ارهابيون وبعثيون وطائفيون " وهي اوصاف تبدو نسخا لاوصاف يطلقها المالكي على الاعتصامات منذ انطلاقها.

الشعبوية الشيعية، نتاج دعاية طائفية ممنهجة تتولاها قنوات تأتمر باوامر مكتب المالكي، او ناطقة باسم حزبه، او باسم ميليشيات باتت تحشد عشرات الالاف في احتفالات تمهد الارض للحرب الطائفية، كما هي الحال مع "عصائب اهل الحق" الممولة فكريا وتسليحيا وماليا من قبل ايران، والمتحالفة بقوة مع رئيس الوزراء. مثلما تبدو (الشعبوية الشيعية) نتاجا طبيعيا يتناسب مع حجم الرعب والالم الذي تتركه العمليات الانتحارية كل يوم تقريبا في مناطق وسط البلاد وجنوبها والتي تعلن "دولة العراق الاسلامية" المسؤولية عنها، لتختزل صورة السنة في تنظيم "القاعدة" وارهابه.

حتى وإن تصاعدت موجة النقد للمالكي وحزبه، بين نخب مثقفة شيعية كما في ما كتبه الصحافي فاضل النشمي "ما ارتكبه صدام وحزب البعث من عار باسم السنة في 30 عام، يعادل ما ارتكبه المالكي وحزب الدعوة من عار في 10 سنوات باسم الشيعة"، او فيما يكتبه يوميا تقريبا الصحافي سرمد الطائي من نقد عميق للمالكي الذي يصفه بـ"السلطان"، وصولا الى الباحث نبراس الكاظمي الذي يسمي الهياج الشعبوي الشيعي الحالي بانه " الشوفينية الشيعية"، الا ان لا قوة سياسية شيعية قادرة  على ادارة صراع صريح مع نهج المالكي، فيظل نقدها حبيس بعض المجالس الخاصة، فهي تخشى مواجهة ايران التي تبدو وكأنها "المايسترو" لذي يقود "جوقة" الاحزاب والقيادات الشيعية ، مثلما تبدو غير قادرة على مواجهة تأييد اميركي واسع لـ"السلطان" حد ممارسة ضغط قوي على الحليف القوي في اربيل من اجل العودة الى بغداد وانهاء المقاطهة، وهو ما تم ليبدو المسرح مهيئا لعملية تصفية للاحتجاجات الشعبية في المناطق السنية، وسط ارتفاع مؤشرات "الشوفينية الشيعية" الى مستويات قياسية. 
 
* نشرت في صحيفة "الحياة"



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM