العراق... سؤال العدالة المفقودة الذي سيظل مولّدا للأزمات

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       24/05/2013 06:00 AM


علي عبد الامير*
في الذكرى العاشرة للغزو الاميركي للعراق دبجت مئات المقالات والتقارير، بحثا عن الدروس المستقاة من الحدث الذي لم يزلزل بلاد الرافدين وحسب، بل قلب موازين القوى في المنطقة، عليها سافلها. فمن طوكيو اقصى شرق العالم (شاركت اليابان بقوات استقرت في محافظة المثنى جنوبا بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين، وبخمسة مليارات دولار للاعمار) الى واشنطن (التي ادارت تحالفا بدا دون غطاء شرعي من الامم المتحدة لغزو كلفها نحو 40 الف عسكري بين قتيل وجريح ونحو ترليون دولار كتكلفة مالية، فضلا عن التكلفة السياسية : زعزعة الثقة بالقوة الاكبر الوحيدة في العالم). ومن لندن في شمال الارض ( القوات البريطانية هي الثانية بعد الاميركية في التعداد والتأثير، وحرب العراق ظلت اشبه بكابوس يلاحق رئيس الوزراء الاسبق توني بلير) حتى استقالته، الى سيدني في جنوب الكوكب( حيث شاركت استراليا في الحرب بقوات انتشرت في الناصرية والعمارة والبصرة الى جانب القوات البريطانية والاميركية احيانا).
وتكاد القضايا البارزة في تلك المراجعة للحدث بعد عقد على وقوعه تتمحور في سؤال مفاده: اذا كان نظام صدام حسين روع العراقيين بالقمع والحروب والحصار، فهل كان سقوطه مفتاح امن وحرية وسلام ورخاء لبلادهم؟

 

 
الجواب تنوع كثيرا، لكن ابلغ عباراته، تبدو من المراجعة التي اوردتها منظمة "هيومن رايتس ووتش" لذكرى الغزو، حيث يبدو القمع الذي تمارسه سلطات "العراق الجديد" متصلا بارث من الانتهاكات رسخاها الاميركيون في العراق.
وتقول المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، سارة ليا ويتسن: "يعكس الميراث الأمريكي في العراق انتهاكات تم ارتكابها دون عقاب على أيدي القوات الأمريكية والعراقية طوال فترة الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة. إن الانتهاكات التي انطلقت منذ 10 سنوات بفعل ’مذكرات التعذيب‘ الخاصة بالإدارة البريطانية، وسياسات الاحتجاز الوحشية التي أعقبت ذلك، سهلت على العراق إنشاء نظام صار اليوم إما غير مستعد أو عاجز عن تحقيق العدالة لمواطنيه"(1).
الانتهاكات الواسعة للحريات ايام نظام الرئيس السابق صدام حسين، التي وثقتها تقارير دولية ومنها "منظمة العفو الدولية ... امنستي انترناشيونال" و" بعثة الامم المتحدة الخاصة بمراقبة حقوق الانسان في العراق"، وبالذات للفترة من 1991-2003، استبدلت بـ"انعدام سيادة القانون خلال العقد الماضي"، فقد وصف عراقيون عديدون لـ "هيومن رايتس ووتش" كيف ساهم استمرار الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة في الشعور بانعدام سيادة القانون في العراق. وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن هذا الإخفاق قد أدى إلى تزايد استقطاب المجتمع العراقي على أسس طائفية، واستمرار وجود المليشيات التي لا تجد من يتصدى لقوتها أو خدماتها للأطراف الحكومية، وتواصل الهجمات الإرهابية التي ابتلي بها العراقيون بشكل شبه يومي. قال عراقيون لـ "هيومن رايتس ووتش" مراراً إن "خوفهم من الهجمات الإرهابية وإذكاء نيران الصراع الطائفي يتفاقم بفعل مخاوفهم من انتقام الحكومة العشوائي، هي ومختلف الجماعات السياسية والدينية" (2).
ثلاثة اختلالات جوهرية في "عدالة" النظام العراقي الجديد يمكن التوقف عندها:
1 انتهاكات تم ارتكابها دون عقاب.
2 في العراق ظام صار اليوم إما غير مستعد أو عاجز عن تحقيق العدالة لمواطنيه.
3 انعدام سيادة القانون أدى إلى تزايد استقطاب المجتمع العراقي على أسس طائفية.
وهي بمجملها، تورث المجتمع مشاعر الكراهية لاطرافه، بعضها للاخر، وتشيع جوا من اليأس (غياب العدالة).

هذه المسارات الثلاثة لعدالة شبه غائبة، واجهزة امنية بسلطات لا تردعها قوانين دستورية صارمة، انتجت مواجهات استخدمت فيها "القوة المفرطة" ضد الاحتجاجات السلمية في المناطق الغربية من البلاد (المحافظات السنية)، ففي الفلوجة اطلقت قوات الجيش العراقي في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، النار على المعتصمين فسقط نحو 10 قتلى واكثر من 60 جريحا . واكدت المواقف التي اعلنتها الاجهزة الحكومية العراقية، جوهر "الاختلالات" في نظام العدالة العراقي، فحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي اتهمت المعتصمين بانها هي من بادر باطلاق النار على عناصر الجيش الذين "اضطروا للرد دفاعا عن النفس". وهو ما توقف عنده بالنقد، رئيس لجنة حقوق الانسان في البرلمان، سليم الجبوري، عقب زيارة لجنة تحقيقية برلمانية خاصة الى موقع الحدث، قائلا " بعد ان استمعت اللجنة الى الافادات سواء من المتظاهرين وذوي الشهداء والمصابين او من قادة الجيش، فلا بد من تنفيذ عدد من التوصيات لانهاء الازمة ومنها تقديم المقصرين من الجيش ممن استخدموا السلاح ازاء المتظاهرين للعدالة، وتحميل قادة الالوية الحاضرين في الواقعة مسؤولية سقوط الشهداء والمصابين من المدنيين لغرض طمأنة الاهالي لكي تأخذ العدالة مجراها "(3).
والمسار ذاته ( الافلات من العقاب)، تعزز اثر قتل المتظاهرين الفلوجة ليصل ذروته في القسوة في فجر 23 نيسان (ابريل) بالحويجة التابعة لكركوك المتعددة القوميات، فقد كان المشهد الذي شكله انتشار قوات الحكومة العراقية أمام ساحة الاعتصام في الحويجة، وهي مدينة عرفت بأنها أساس الوجود العربي في محافظة كركوك المتعددة القوميات ومركز الخلاف بين بغداد وأربيل، يؤكد أن "هذه القوات لم تأت للنزهة، وإنما لتنفيذ عملية واسعة، فهي مزودة بطائرات مروحية وعجلات مدرعة ومدافع، وإن كان الغلاف الخارجي هو لمجموعة رفعت اسم الشرطة لكنها في حقيقتها من قوات "سوات" المرتبطة بالمكتب العسكري لرئيس الوزراء نوري المالكي، التي توصف بأنها قوات "غير دستورية" وشكلها المالكي بالتعاون مع الأميركيين لتنفذ عمليات خاصة ضمن "مكافحة الإرهاب"، فيما يقول خصوم رئيس الوزراء، إن تلك القوات تحولت إلى "عصا غليظة " يستخدمها المالكي لتثبيت سلطته من خلال ترويع الآخرين"(4).

الدم وحبر الانتخابات البنفسجي ... لاعلاء السلطة
الحدث الدموي، جاء بعد ساعات قليلة من اعلان النتائج الاولية للإنتخابات المحلية (مجالس المحافظات)، التي كشفت تقدما لائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، في بغداد والمحافظات الشيعية البارزة. الموقف "الايجابي" هذا كان سبقه موقف تحسب له رئيس الحكومة، والمتمثل عبر منع منافسيه الاقوياء في المحافظتين السنيتين الاكبر: نينوى والانبار، من الوصول الى السلطة، عبر استثمار شعبيتهم المتصاعدة بالتزامن مع الاحتجاجات (معسكر رئيس البرلمان الحالي اسامة النجيفي في نينوى، ووزير المالية المستقيل رافع العيساوي في الانبار)، عبر تأجيل اجراء الانتخابات في المحافظتين، لاسيما انهما تشهدان مشاركة شخصيات تبدو مهادنة احيانا ومتعاون احيانا اخرى مع رئيس الوزراء.
لكن هناك من المحللين العراقيين من قرأ نتائج الانتخابات على نحو غير الذي قرأه "معسكر المالكي، حتى وان بدت تظهر متقدما على الاخرين، بل ان تلك النتائج "تشكل عنصرا مقلقا لتحالف المالكي (الدعوة- منظمة بدر- حزب الفضيلة- تيار ابراهيم الجعفري). فالرهان لدى قوى التحالف لم يكن الحفاظ على نسبهم المتحققة في الانتخابات السابقة، وانما رهانهم كان على اكتساح "كتلة المواطن" بقيادة عمار  والصدريين والقوائم الاصغر الاخرى. لأن في ذلك الشرعية المطلوبة، والامر الواقع الذي ارادوا تثبيته، من اجل التمهيد لسلطة الاغلبية السياسية. ولكن تقريبا في كل النتائج التي ظهرت، نجد بأنه من الممكن ان يصل تحالف "المواطن" والصدريين والقوائم الصغيرة الى الاغلبية المنشودة، من خلال حبك تحالفات وائتلافات ما بينهم، وبذلك يخرجون ائتلاف "دولة القانون" من المواقع التنفيذية المحلية الى خانة المعارضة. نستطيع الاستدلال بأن النتائج غير مرضية للمالكي، بل في احدى تفسيراتها قد نجد بأن النتائج انعكاس لخسارته في مبغاه، الا وهو تحقيق الاغلبية السياسية. من الجانب الآخر، نجد بأن رهان السلطة على خلق الـ "ضد النوعي" السني قد فشل ايضا، اذ ان الاكتساح الذي اراده تحالف "متحدون" (النجيفي-الحزب الاسلامي) على حساب تحالف "حلفاء المالكي" من السنة (صالح المطلك-جمال الكربولي) قد تحقق، وقد جاء بنتائج مقنعة بأن كتلة "متحدون" هي الممثل الابرز، بفارق كبير، لدى هذا المكون (السني). بل ان هذه النتائج ستساهم بدفع الناخبين مستقبلا في نينوى والانبار(تم تأجيل الانتخابات فيهما الى تموز (يوليو) المقبل) الى تأييد قائمة "متحدون" كونها القائمة الاقوى وبما لا يشتت الصوت السني"(5).

مثلما ينقسم السنة، بين معارض قوي لرئيس الوزراء نوري المالكي ( النجيفي والعيساوي) وحليف له ( صالح المطلك وجمال الكربولي)، ينقسم الشيعة بين معارض للمالكي بصوت خفيض النبرة ( عمار الحكيم ) وآخر بصوت جهير (مقتدى الصدر). وهناك من ينظر الى انقسام الشيعة في العراق، على نحو جديد له صلة بالتصعيد الطائفي والمواجهة مع السنة: نصف في حزب الحرب، ونصف في حزب الاعتدال النسبي، او على الاقل، من يلتزم جانب السلم الاهلي. لا بل ان هناك من يرى في نتائج الانتخابات المحلية صعودا لتياري الحكيم والصدر، بسبب انهما "ضد الحرب".
طيلة الشهور الماضية "راهن المالكي على هزيمة الحكيم والصدر في اقتراع المجالس. لكن احلامه فسدت. شعر ان الحكيم والصدر سيعجزان عن ركوب الشعار الطائفي، فبطل قمع المظاهرات واعدام الهاشمي ومطاردة العيساوي، هو المالكي وحسب. لكن الناخب الشيعي قال للمالكي وبمعدل يقرب من ٥٠ في المائة، ان حساباته خاطئة، فجزء كبير من الشيعة لايريدون حربا. وجزء كبير من الشيعة يدركون ان المالكي وفريقه العسكري والسياسي اهدروا ٧٠٠ مليار دولار وتركوا المدن الشيعية تعاني الفقر و٣٠ في المائة من سكانها يسكنون الحواسم والعشوائيات. الناخب الشيعي لم يتعرض للخديعة بنسبة كبيرة تثير الاعجاب.
ولقد فسدت احلام السلطان مرارا. كان بعد صولة الفرسان عام ٢٠٠٨ يريد ان يظهر كرجل عصري متصالح مع علمانيي الشيعة والسنة، كي يهزم مرجعيات دينية توصف بالتشدد.
لكننا اكتشفنا بعدها ان صولته تلك لم تكن انحيازا لمعايير الدولة الحديثة، بل برغبة اخضاع المنافس وحسب. لذلك راح يتورط بصولة اثر اخرى ويفضح معاني صولاته المكنونة المفرغة من كل معايير الدولة والقانون. صولته الاولى اربحته وجعلت كثيرين يرون فيه حامل لواء القانون، وصولاته اللاحقة فضحته وجعلته يظهر بصورته الصريحة متشبثا بالسلطة بأي ثمن، يريد من الناخب ان ينسى الفساد والفشل والفقر ويمنح صوته لحامي الحمى الذي يصنع خمسة اعداء جدد كل يوم في الداخل والخارج.
المهم في الامر ان الحكيم (وكذلك الصدر وطاقمه الشاب) يدرك انه ربح اصوات الشيعة، بسبب رفضه الصعود في مركب الطائفية الفاشية المحاربة التي سوقها المالكي. ولكي يبقى يكسب تلك الاصوات فان عليه ان يظل عنصر اعتدال وتصحيح ومراجعة وصولا الى حكومة ٢٠١٤.
الانتخابات اثبتت ان نصف الناخبين الشيعة على الاقل يقفون ضد الحرب. لذلك صوتوا للصدر والحكيم بوصفهم "شيعة ضد الحرب". شيعة حافظوا على تفاهم متين مع الاكراد والسنة، وراهنوا على شراكة مسؤولة تجنب البلاد المزيد من الدم"(6).

مع هذا التحول ( شيعة ضد الحرب يتقدمون في الانتخابات على حساب المالكي الذي يقود معسكرا مع الحرب)، الا ان هناك من يرى في نتائج الانتخابات المحلية، انها لم تكن مفاجئة، بل انها جاءت على "داخل نطاق التوقعات"، وان كانت طرحت للمرة الاولى معطيات جديدة على الارض وكشفت عن دلالات ستحكم العلاقة بين القوى العراقية خلال الشهور التي تسبق الانتخابات العامة بداية العام 2014.
"الصورة الرقمية للنتائج تشير ايضاً الى تقدم بنسبة ملفتة لكتلة رجل الدين الشيعي الشاب عمار الحكيم في نحو 6 مدن شيعية بعد ان كان خرج من الانتخابات السابقة 2009 بنسب متدنية، كما تشير الى ثبات حجم كتلة رجل الدين مقتدى الصدر، وتراجع لكتلة السياسي العلماني اياد علاوي ، واخر للسياسي السني المنشق عن "القائمة العراقية" صالح المطلك" (7).

لكن تقدم كتلة رئيس الوزراء نوري المالكي لن يحسب انتصاراً سياسياً له على اية حال ، قياساً الى مستوى التوقعات التي كان ضخها في الانتخابات المحلية، والمشروع السياسي الذي خاض الانتخابات على اساسه، وينص على تحقيق "اكتساح" في كل المدن العراقية يؤهله لاخراج من يعتبرهم "معيقين لعمل حكومته" من اللعبة السياسية ويقصد بالتأكيد مايسمى تحالف اربيل – النجف الذي يضم السنة والاكراد وتيار الصدر والى مسافة ابعد تيار عمار الحكيم.

وعلى رغم تصدره نتائج الانتخابات فان المالكي خسر ما يقرب من 20 مقعداً مقارنة بعدد المقاعد التي احتلتها كتلته في النسخة السابقة من الانتخابات، كما ان حليفه السني صالح المطلك الذي استثمر في قدرته على اسقاط صقور "القائمة العراقية" مثل اسامة النجيفي واياد علاوي ورافع العيساوي (وزير المال المستقيل) انتخابياً، لن يتمكن كما تشير النتائج من تحقيق اي اختراق في الساحة السنية لصالح مشروع المالكي الذي يتحدث عن دولة مركزية قوية تحارب دعاة تشكيل الاقاليم الفيدرالية.

التصور الاخر للخريطة السياسية التي افرزتها الانتخابات خصوصاً في المدن الشيعية، ان مقاعد الحكومات المحلية توزعت ليس فقط على قوى رئيسية (المالكي، والحكيم، والصدر) بل على تيارات وقوى وشخصيات مستقلة لم تكن موجودة على الخريطة السابقة، تمكنت بدورها من اقتناص نسب معتبرة من المقاعد بشكل مقعد او اثنين لكل منها.

تلك الملاحظة الاخيرة ستفرض اعتبارات جديدة على القوى الشيعية الرئيسية، فهي للمرة الاولى منذ عشرة اعوام قد تواجه تحالفات بين قوى مغمورة لتشكيل حكومات محلية.

ففي مدينة كبرى وهامة في معطياتها ونتائجها مثل البصرة ( ثاني اكبر المدن العراقية بعد بغداد ومصدر المال الاضخم للبلاد نتيجة حقولها النفطية الكبيرة)  لن يتمكن ائتلاف المالكي من تشكيل حكومة محلية من دون الاستعانة بخريطة قد تكون كبيرة من الحلفاء، لكن هؤلاء الحلفاء قد ينجحون بدورهم بتشكيل تحالف يطيح بسيطرة ائتلاف المالكي على حكومة المدينة منذ اربعة اعوام.

مدينتا ديالى وصلاح الدين طرحت نتائجهما مؤشرات اكثر وضوحاً حول المزاج الشعبي السني بشكل عام، حيث المعارضة الشديدة لسياسيات حكومة المالكي من جهة، والتهديد المعلن او الضمني باحياء مشروع "الاقليم السني"، وتلك التوجهات ترجمت بصعود قائمة "متحدون" على حساب القوى الاخرى.

وهكذا فان نتائج الانتخابات المحلية في 12 محافظة عراقية، افادت  أن نوري المالكي، الزعيم الشيعي ورئيس الحكومة، لم يحصد الأغلبية السياسية التي تؤهله لتشكيل الحكومات المحلية بمفرده، ويتوجب عليه في الفترة المقبلة أن يخوض صراعا شرساً مع كتل سياسية بعض منها خصوم له حتى من الشيعة(8).
فالأقليات الدينية في البلاد ستحصل على 6 مقاعد من 378 مقعداً الموزعة على 12 محافظة. وستحصل قوائم "العراقية" بقيادة بكل فروعها المشتتة على نحو 70 مقعداً، في حين سيفوز "التيار الصدري بحوالي 50 مقعداً. أما "دولة القانون" فسيحصل على 115 مقعداً، في حين سيكون هناك 80 مقعداً للمجلس الإسلامي الأعلى.

هذه الانتخابات، التي شارك فيها (6400777) شخص في 12 محافظة (نسبة التصويت نحو 50 بالمئة ممن لهم حق التصويت)، أفرزت ظهوراً جديداً للقوى العلمانية والليبرالية، خاصة التحالف السياسي الذي يقوده الحزب الشيوعي العراقي، ونال عددا من المقاعد في كل محافظة، على رغم أنها لا تشكل قوة كبيرة داخل المجالس المحلية، لكن انخفاض مقاعد الإسلاميين، وصعود قوى مدنية جديدة قد يعكس تحولاً نسبياً في مزاج الجمهور.

وكان البرلمان العراقي عدل العام الماضي، قانون انتخابات مجالس المحافظات، وصرح نواب عراقيون أسهموا في التعديل بأنه يسمح للأحزاب الصغيرة بتحقيق بعبور ما يعرف قانونياً بالمنصة الانتخابية، وهي التي تمثل عدداً محدداً من الأصوات يتطلبه كل مقعد.

بينما سجل المجلس الإسلامي الأعلى، بزعامة رجل الدين الشاب عمار الحكيم، عودة جيدة نسبياً إلى أغلب مجالس المحافظات، وحل ثانياً بعد المالكي وبفوارق ليست كبيرة كما حدث في محافظة بابل حيث فصل مقعد واحد بين المالكي الأول والحكيم الثاني.

وخسر المالكي صدارة لائحة الفائزين في محافظة ميسان، التي تتمتع بثروة نفطية كبيرة، حل أولاً فيها المحافظ علي دواي، الذي يتزعم كتلة التيار الصدري، ويتمتع بشعبية ساحقة في المحافظة.

ائتلاف "دولة القانون" جاء في المركز الأول في العاصمة بغداد وبقية المحافظات في الوسط والجنوب باستثناء النجف التي فاز فيها عدنان الزرفي، وهو زعيم شيعي يعرف بأنه رجل محنك ويجيد العلاقات مع الخصوم والحلفاء وينحدر من خلفية مدنية برغم علاقته الجيدة مع بعض الإسلاميين.

وجاء ترتيب القوى في ميسان "ائتلاف الأحرار (تيار مقتدى الصدر) 9 مقاعد، ائتلاف دولة القانون (نوري المالكي) 8 مقاعد، دولة المواطن 6 مقاعد، الشراكة الوطنية 1 مقعد، حزب الدعوة تنظيم الداخل (تنظيم منشق عن المالكي) 1 مقعد
تجمع البيرق الوطني 1 مقعد، وأخيراً قائمة الصدق والعطاء 1 مقعد".

وفي محافظة واسط "دولة القانون ٧، ائتلاف المواطن (عمار الحكيم) ٧ مقاعد، الأحرار (مقتدى الصدر) ٦ مقاعد، الأيادي المخلصة ٢ مقعد، العدالة الاجتماعية ٢ مقعد، الخير والعطاء ١ مقعد، العراقية الموحدة (إياد علاوي) ١، ألدوله العادلة (قحطان الجبوري وهو وزير سابق للسياحة وحليف الحكومة) ١ مقعد، التآخي الفيلية (كرد شيعة) ١ مقعد.

وتقدم ائتلاف "دولة القانون" في محافظة الديوانية بحصولها على 120 ألف صوت، وهو ما يضمن له نحو 8 مقاعد، لكن هذا الرقم متراجع عما حققه المالكي في الانتخابات المحلية في العام 2009 حين تمكن من الحصول على 11 مقعداً. وحلت كتلة المواطن في الديوانية بالمركز الثاني بـ70 ألف صوت، بينما جاءت الأحرار بالمركز الثالث بـ50 ألف صوت.

وقال عادل عبد المهدي، وهو زعيم شيعي في المجلس الأعلى الإسلامي ونائب سابق لرئيس الجمهورية، إن "دولة القانون بزعامة المالكي ستخسر المركز الأول في اربع محافظات كانت تتفرد بأولويتها".

ويتوقع عبد المهدي أن يضطر المالكي "للتحالف مع كتل أخرى في جميع المحافظات، رغم انضمام كتلة الإصلاح بزعامة إبراهيم الجعفري (شيعي رئيس سابق للوزراء)، و"الفضيلة وبدر (فصيل شيعي منشق عن عمار الحكيم).

أما إياد علاوي، رئيس الوزراء الأسبق، فقد تلقى ضربة موجعة لائتلافه "العراقية الموحد"، ولم يحقق نتائج طيبة، كما أن جمهوره كان أمام خيارات مختلفة مع حلفاء علاوي الذي فضلوا النزول في الانتخابات بقوائم منفردة، كما هو الحال مع أسامة النجيفي، الزعيم السني الذي تزعم قائمة "متحدون"، وصالح المطلك، السني الآخر الذي يقود "جبهة الحوار الوطني".

النجيفي اكتسح المناطق السنية في البلاد، وحصل على أصوات جانب الكرخ من العاصمة بغداد والذي تقطنه غالبية سنية، كما نال مقاعد جيدة. لكن صالح المطلك لم يحقق أرقاماً جيدة.

 

الفلوجة ثم الحويجة وصولا الى ....... ؟
هل كان اقتحام قوات الجيش العراقي ساحة تظاهرات بلدة الحويجة" فجر 23 نيسان (ابريل) الماضي ، ماتسبب بقتل نحو 50 قتيلاً و110 جريحاً، واشعل مواجهات استمرت للايام التالية وخلفت العشرات من الضحايا من القوات الامنية ورجال العشائر السنية، مجرد خطأ في الحسابات؟".
الواضح ان مثل تلك الخطوة قرأت على نطاق واسع باعتبارها ستقود الى هذه النتائج، وربما تتحول الى كرة ثلج تطيح ببقايا السلم الاهلي الداخلي، ومع هذا فأن الاصرار على الاقدام عليها ومن ثم تبريرها بتعرض الجيش العراقي الى اطلاق نار يثير العديد من التساؤلات.

وربما تمتد الاسئلة الى اسباب الابقاء على جذوة التظاهرات السنية مشتعلة ومتفاقمة منذ قرابة اربعة شهور من دون ان تمتد يد بمسؤولية حقيقية لاخمادها، او الى الاسباب التي تبقي الجيش على مقربة من التظاهرات التي تقام في الغالب خارج المدن وبعيداً عن المؤسسات والمصالح الرسمية مايسمح بحدوث احتكاكات تقود الى مجازر كالتي حدثت في "الحويجة".

قد يتحمل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المسؤولية في نهاية المطاف كرئيس للحكومة اولاً وكقائد عام لقوات المسلحة ثانياً ، وكمسؤول مباشر عن ادارة وزارات الداخلية والدفاع والامن الوطني والاستخبارات والمخابرات التي تدار بالوكالة منذ ثلاثة سنوات، لكن حلفاء المالكي ومعارضيه يتحملون مسؤوليات اخرى ، عندما استثمروا كما استثمر المالكي التظاهرات لتحقيق مغانم انتخابية وتسقيط بعضهم.

لم يكن المالكي الذي قاد تحالفاً انتخابياً كبيراً باسم "دولة القانون" فاز نسبياً في 8 مدن شيعية في انتخابات المحافظات الاخيرة، يرغب بخوض الانتخابات في ظل حلول دائمة، بل ان التظاهرات السنية وفرت خدمة انتخابية لتكتله السياسي عندما تحول خطاب الدعاية الانتخابية من "الخدمات الغائبة" و"الفساد المستشري" الى الحديث عن دفاع المالكي عن شيعة العراق بمواجهة السنة، فتم تصويره كـ "بطل اسطوري" يذود عن حمى الطائفة، ويعيد تأسيس دولة قوية ويضرب المعارضين بيد من حديد!.

تلك الصورة افرغت الانتخابات المحلية من محتواها ، وقد تم استنساخها على يد السياسيين السنة المعارضين للمالكي والمؤيدين للتظاهرات بطريقة معكوسة، فالدعايات التي تصدرها رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي في قائمة اطلق عليها "متحدون" حثت السكان السنة على الانتخاب للتخلص من ظلم الحكومة، وعرضت النجيفي وحلفاؤه كمنقذين قادرين على مواجهة الحكومة المنحازة ونصرة المتظاهرين والمعتقلين في السجون(9).

ومع ملاحظة ان فوز مرشح او عشرين بمقاعد حكومة محلية لايتيح تحقيق اي من الاهداف المذكورة بسبب محدودية صلاحيات تلك الحكومات وتركزها في توفير الخدمات الاساسية، فأن حلفاء المالكي الشيعة كرجلا الدين مقتدى الصدر وعمار الحكيم، اللذين خاضا الانتخابات منفردين كانا يسعيان بدورهما الى تقديم طروحات تقنع الناخب الشيعي بانتخابهما جميعها تركزت على الاجواء السياسية، فظهروا في مناسبات مختلفة محايدين فيما يتعلق بقضية التظاهرات، ومثل ذلك فعل منافسو كتلة النجيفي (رئيس البرلمان) في المناطق السنية.

احداث الحويجة في حقيقتها، هي نتاج للاستثمار السياسي في التظاهرات، وهي نتاج لاهمال الحلول الحقيقية لها، فكان مبرراً ان تتصاعد وتيرة الاتهامات والاتهامات المتبادلة لتتلاعب باصابع الديناميت التي انفجرت لاحقاً في بلدة "الحويجة" وامتدت منها الى معظم المدن السنية.

الإيرانيون في قراءة لاحداث الحويجة

واذا " صار صعباً أن يُنظر إلى الحدث العراقي بصفته حدثاً عراقياً، فذلك البلد صار بجزئه الشيعي حلقة من المنظومة الإيرانية الإقليمية، فيما بإقليمه السني امتداداً لعمق عربي يتصل بما يجري في سورية. أحداث الحويجة في كركوك كشفت ذلك على نحو صادم وخطير"(10)
 فان الإيرانيين الذين أوفدوا وزير الأمن حيدر مصلحي إلى العراق اواسط نيسان (ابريل) الماضي، وشددوا في لقاء مصلحي مع قادة "التحالف الوطني" الشيعي على ضـرورة التنبه إلى "المخطط السني" المتمثل بإثارة الاعتصامات والاحتجاجات، قرأوا الهجوم على الحــويجة على نحوما نشرته "وكالة أنباء فارس الإيرانية" ضمن تقرير حمل عنوان "أحداث الحويجة العراقية بنظرة إقليمية وفي إطار المشروع الصهيوني».

وبدا لافتاً في التقرير، والذي اعتمد هيكله على "خبير" عراقي، الإشارة إلى أن ما حدث هو جزء من مخطط حلف تركي قطري إسرائيلي، وهي اللغة ذاتها التي دأب على ترديدها سياسيون عراقيون مقربون من ائتلاف «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، في اتهام المنتفضين والمعتصمين، وآخر تلك الاتهامات ما وجه لمعتصمي الحويجة بوصفهم من البعثيين والقاعدة والنقشبندية!

وتورد الوكالة الإيرانية: «يرى عدد من السياسيين والخبراء أن الأحداث التي جرت صباح الثلثاء في قضاء الحويجة جنوب غربي محافظة كركوك وما تبعها من آثار امتدت إلى بقية المحافظات الغربية التي تشهد تظاهرات منذ ثلاثة اشهر، جزء لا يتجزأ من المشروع القطري التركي الإسرائيلي، من اجل الوصول إلى البحر المتوسط» (تركيا وإسرائيل هما على المتوسط أصلاً).

ويعيد الإيرانيون الرواية الرسمية لقادة المالكي ونواب ائتلافه فتقول «اندلعت الاشتباكات في قضاء الحويجة بين الجيش العراقي ومسلحين داخل ساحة الاعتصام كانوا قد استولوا على أسلحة من نقطة تفتيش تابعة لقوات الأمن العراقية، ونتيجة ذلك الاشتباك راح عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، فيما حمّلت وزارة الدفاع القائمين على ساحات الاعتصام مسؤولية إيواء عناصر تنظيم القاعدة والبعثيين».

ويغمز الإيرانيون من قناة رجل الدين السني البارز الذي يوصف بالاعتدال وتأكيده ضرورة إبقاء الاحتجاجات في إطار سلمي، ويقولون «في بداية اندلاع المواجهة في قضاء الحويجة أصدر رجل الدين الشيخ عبدالملك السعدي بياناً حرّض فيه المواطنين على مواجهة قوات الأمن العراقية»، من دون أن تنسى «فارس» القول إن «القوات العراقية هي التي وفرت الحماية منذ ثلاثة أشهر لساحات الاعتصام».

وتستعرض الوكالة الإيرانية حدث الحويجة فتقول:" تجدر الإشارة إلى الدور الثلاثي في المنطقة «إسرائيل - تركيا - قطر» وتسأل ما هو المخطط الجديد»؟ معتمدة على إجابة الخبير الستراتيجي العراقي احمد الشريفي (.....) الذي يوضح أن «هيئة علماء المسلمين تحدثت في بيان لها عن صفحة جديدة من المعركة مما يدل على أن الأحداث مرتب لها بأن تكون بداية تظاهرات سلمية ومن ثم تتحول إلى مواجهات مسلحة، معتبراً أن كل تلك الأعمال هي ضد العملية السياسية».

ويقول الشريفي في حـديثه مع وكـالة أنبـاء فـارس إن «ما يجري اليوم هو صفحة من صفحات المعركة التي خطط لـها في غـاية الـدقـة»، وإنه بعد سـاعات محدودة من انطـلاق الاشـتباكات خرج رئيـس البرلمان أسامة النجيفي، وطالب بتدويل القضية وكأن الأحداث تجري بسـلسلة أوقات معينة»، موضحاً «أن ما يجري الآن هو ترتيب لتشكيل ما يطلق عليه بـ «الشريط السني» الـذي من المقرر له أن يجتزئ من العراق، والغاية منه الحـصـول على البترول ووصول موارد الطـاقة إلى حوض البحر المتوسـط مروراً بسورية"(11).

حين يقول النائب السابق للرئيس العراقي : كلنا رهائن.. هل يبدو الكرد كذلك؟
واذا كان المشهد العراقي يصيب على نحو عادي الكثير من المحللين والمراقبين بالدهشة والعجب، بسيل ازماته الذي لا يتوقف، فانه يبدو غريبا ان ينضم نائب رئيس الجمهورية العراقي المستقيل عادل عبد المهدي، والقيادي في "المجلس الاعلى الاسلامي" بزعامة عمار الحكيم، الى قائمة  اليائيسين من مشهد بلاد، ارادته ادارة الرئيس جورج بوش من خلال غزوه، "مثالا ديمقراطيا" يحتذي في المنطقة،فهو يرى " محاربة الارهاب هو ان نكسب ونحمي الشيعة والسنة والشعب كله" (12). فالاستهداف العشوائي للشيعة، واعتبار المناطق السنية حواضن الارهاب الاساسية تنطلق من فكرة بسيطة شرحها الزرقاوي برسائله (2003).. وهي ان يرد الشيعة بانفعال واجراءات جماعية.. لتجد "القاعدة" وغيرها حواضنها وعناصرها البشرية.. فتتوسع عملياتها، فنودع في كل يوم وساحة مزيداً من الضحايا والشهداء.
"رهائن" العراق هم مواطنوه جميعا، لجهة ان الازمة تطحن الجميع، فيوضح عبد المهدي في مقاله " اصبحنا جميعاً رهائن يراد منا كلام العقلاء في اجواء فقدت العقل. السني رهينة، لا يستطيع ان يقف مع سياسات سلطات تضعفه في مناطقه، وتهدده في غيرها.. والشيعي رهينة لا يستطيع امام القتل اليومي –وضخامة التهديدات- ان يتناول سياسات حكومة فاشلة في امنها وسياساتها وخدماتها. سيقولون كيف تساوي؟ ونقول لسنا من يساوي، ولكن اصحاب الشأن هم الذين يساوون. فعندما يهاجم الارهاب ويأتي الرد عشوائياً، وفي غير مكانه، فهذا سقوط في الفخ. فالارهاب تتم مواجهته بتعبئة وطنية توحيدية، وبخطط سياسية واقتصادية وادارية واجتماعية واقليمية، وليس باجراءات امنية فقط.. فبدون دعم الشيعة لاخوتهم السنة سنقوي الارهاب شئنا ام ابينا.. وبدون دعم السنة لاخوتهم الشيعة سيصعب تحقيق المطالب المشروعة. فعندما انتفضت الانبار، وطردت القاعدة، وتلقت الصحوات الدعم، تلقت الحكومة الدعم، وتوسعت العملية السياسية، وتحسنت اوضاع البلاد عموماً، ويصل المسؤول الكبير السابق الى خلاصة تبدو الحكمة الضائعة في العراق اليوم  "فبدون الشريك السني المعتدل لا يمكن ان يتمتع الشيعة بالامن.. وبدون الشريك الشيعي المنصف لن يشعر السني بان الحكومة حكومته" (13).
لكن خلاصة، تبدو اشبه بحكمة مفتقدة في الاداء السياسي للعراق، كالتي يؤكدها نائب رئيس الجمهورية العراقي المستقيل، لا يراها على ذلك النحو، محللون وسياسيون كرد، ممن لم يعد الخيار الوطني العراقي لازما لهم، بل هم يتحدثون عن "المشكلة السنية"، حتى وإن كانت "مغامرة جديدة للمالكي ومأزق للجميع".
فالعراق في أزمة حقيقية اليوم، الكرد والسنة خارج حكومة بغداد، والخارطة السياسية الشيعية في البلاد في تغير، وقد تكون متجهة للتصعيد الشيعي – الشيعي. الأزمة السنية الحالية تثبت أن رئيس الوزراء غير قادر على حل أي مشكلة، ناهيك عن قيادة البلاد في الإتجاه الصحيح.والسبب الرئيس في ذلك هو انه يعالج المشاكل كضابط أمن، وليس كسياسي. لكن ذلك ينبغي ألا يصبح أساسا لوضع الاستراتيجيات الطويلة للاطراف السياسية العراقية.
فبينما يرسل أهل السنة رسائل واضحة وبصوت عال الى السيد المالكي بانه ليس الشخص الذي يمثلهم، أو المناسب لقيادة البلاد، عليهم ان يدركوا انه لن يكون في منصبه الى الأبد، وينبغي عليهم ان يضعوا استراتيجية قابلة للتطبيق وعملية تتناسب مع الواقع الحالي للعراق الجديد.
هنا الحديث عن العراق، لا بوصفه "دولة مواطنين"، بل "دولة مكونات"، فثمة استراتيجية يجب ان تأخذ بالحسبان العلاقة مع المكونين الشيعي والكردي في البلاد وتبلور مطالب واقعية تقبل حقيقة ان العراق الجديد لا يمكن ان يقاد من طرف السنة بمفردهم. استراتيجية كهذه من شأنها ان ترسم موقف واتجاه السنة في العراق.
استمرار الأوضاع على ما هي عليه قد يحول المناطق السنية الى منطقة مفتوحة أمام الجميع، وخارجة عن القانون في شرق أوسط مضطرب. للمراقب، يبدو ان الأحداث في المناطق السنية تحدث يوما بيوم بطريقة غير ممنهجة، وليست سوى مسألة وقت لكي تخرج عن السيطرة.
ومن هنا، وبحسب النظرة الكردية القائمة على تفكيك العراق الى مكونات، فان "على الشيعة ان يدركوا بان الطريقة التي يدير بها المالكي الملفات في المنطقة السنية، ستخلق فجوة أعمق مع السنة، وتؤدي الى منطقة تشكل خطرا على الجميع ليس فقط على للشيعة. وكذلك ينبغي على الكرد الذين لديهم مشاكلهم مع بغداد، ان يضعوا بنظر الاعتبار مخاطر خروج المنطقة السنية عن السيطرة وألا يقفوا مع المالكي في مغامرته الجديدة. عليهم أن يشجعوا سنة العراق على أن يكون لهم استراتيجية واضحة لمستقبلهم في العراق والمنطقة، وان يتصرفوا على وفق ذلك. يجب على بغداد وأربيل ان تدركا انه اذا لم تدار المنطقة السنية من قبل أبنائها، فانها ستكون ملاذا وقاعدة لجميع أعداء العراق. لأنها مجرد مسألة وقت، لتفرض العناصر المتطرفة في سورية سيطرتها على البلاد، والمناطق السنية في العراق ستكون امتدادا طبيعيا بالنسبة لهم إذا كانت مضطربة"(14).
هل ستكون حرب المواطنين ام حرب السياسيين؟
يسأل العراقيون كثيرا: " مالنتيجة ؟ ماذا سنفعل ؟ إلى أين نحن سائرون ؟ ما هو مصير البلد ؟  حيال مثل هذه الاسئلة، يرجح كثيرون ان تسقط البلاد، تحت رحمة الخيار المسلح ممثلا بالنموذج السوري: وفيه "خراب للبلاد، إراقة للدماء، وقت وسقف زمني مفتوح، صمت دولي طالما أن حقول النفط تعمل، صراع غير متكافئ بين شعب أعزل مهزوم داخليا ومتشتت وبين حكومة متجبرة طاغية لا تتورع عن إستخدام الدبابات والطائرات في قمع الناس."(15)
لكن اوساطا ثقافية وفكرية، ليس بالضرورة، انها تتمتع بنفوذ شعبي، ترى في خيار المواجهة المسلحة، "إنها حربكم، اذهبوا إليها وحدكم"، في اشارة الى السياسيين، فـ"شبح الحرب الأهلية يقرع أبواب العراق بقوة. يدعوا للاستجابة لغوايته الوحشية الدموية متزعمو الطائفتين. ذلك سيكون مشيناً ومخزياً لهم، لكنه سيكون مدمراً للعراق ولأهله، وبشكل لا يمكن إصلاحه لأزمان طويلة"( 16).

 واذا كان "متزعمو الطائفتين هم المسؤولون عن هذه الجناية التاريخية الكبرى. وبالطبع فإن الوزر الأكبر في ذلك يقع على من يمسكون بزمام الحكم والذين بيدهم مفاتيح الحل والربط. أي هم وبكل وضوح أقطاب الطائفيين الشيعة الذين هيمنوا على الحكم منذ سقوط النظام السابق بإرادة وحماية أمريكية إيرانية، وهم الذين يجأرون بعقدة الاضطهاد المرضية، والمظلومية الموهومة منذ ألف وأربعمئة عام"!
هذا لا يعني أن مسؤولية أقطاب الطائفية السنية قليلة، فـ"هم قد تعاملوا مع العهد الجديد بخفة وطيش ودون حكمة، أو نضج و روية، ولم يتخذوا مواقف تتسم بالموضوعية والواقعية، فكان عليهم أن يحصدوا الثمر المر لتوانيهم وتفريطهم بالفرص الضائعة! إنهم اليوم بموقع الضحية والطرف الخاسر؛ لا يمتلكون سوى قوة الضعفاء، بينما خصمهم في غطرسته وعماه السياسي يعاني من ضعف الأقوياء المتنمرين! والمعادلة على كل حال ليست في صالح الشعب والوطن"!
الدعوة الرافضة للحرب "الطائفية" تصل الى التأكيد : "لا خلاص للعراقيين من الحرب الأهلية سوى رفض التجنيد فيها. الحرب الأهلية هي الحرب التي من الواجب والوطنية دائماً الهرب منها! لا حل للعراقيين في هذه الأيام العصيبة سوى أن يقفو بوجه الداعين للحرب الأهلية من الطائفتين ليقولوا لهم بازدراء وحزم:إنها حربكم، اذهبوا إليها وحدكم"!
وفي حين يستعيد عراقيون كثر، صورة الحرب الطائفية 2006-2008 في لقطاتها الواسعة الاولى ( تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء، وهو احد المراقد المقدسة للشيعة في العراق، وما اعقبه من اعمال انتقامية طالت مساجد السنة في بغداد)، فان موجة التفجيرات في الايام الاخيرة لشهر نيسان (ابريل) في المناطق الشيعية، حين داهمت السيارات المفخخة صباح عدد من المدن العراقية في يوم 29 نيسان ، أبرزها: العمارة والديوانية وكربلاء، لتخلف عشرات القتلى والجرحى، في سيناريو محكم، على ما يرى مراقبون، لإشعال الحرب الطائفية بين مكونات البلاد، اعقبتها في اليوم التالي، سلسلة من الهجمات الدموية استهدفت عددا من المساجد في مناطق سنية متفرقة من العاصمة بغداد.
رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، استنكر بشدة استهداف الجوامع ودور العبادة في العاصمة بغداد "ندين بأشد عبارات الشجب والاستنكار الجرائم الأثمة التي استهدفت عدة جوامع في بغداد، وسقط على اثرها عدد من المواطنين الأبرياء"، مؤكدا أن "هذه الجرائم البشعة وغير الأخلاقية تمثل جزءا من بداية مرحلة جديدة للاقتتال الطائفي وبادرة من بوادر الحرب الأهلية التي نسعى لتفاديها بكل ما أوتينا من طرق ووسائل"(....)
الانفراج "المفاجىء" على خط بغداد- اربيل ومسرح المواجهة مع السنة؟
اليوم الاول من شهر ايار، شهد انفراجا في الازمة بين بغداد واربيل التي وافقت على اعادة وزرائها ونوابها الى العمل في مؤسسات الدولة العراقية الاتحادية، وهنا يمكن ملاحظات اشارات جوهرية سبقت الاتفاق الذي كان الى حين قريب مستبعد جدا، فثمة تلويح المالكي بنقل معركته ضد السنة على مشارف مناطق الكرد (الحويجة)، وهو ما يعني ان رئيس الوزراء يريد تهيئة جيدة لمسرح المواجهة مع السنة، واستبعاد الرقم الكردي من اي تقارب ممكن معهم، حتى وان كانوا من طائفة واحدة ( معظم الكرد العراقيين من السنة)، وذلك عبر الموافقة على انتشار قوات البشمركة الكردية في مناطق كركوك الغنية بالنفط، وانهاء الخلاف بشأن استغلال الاقليم لحقوله النفطية، استكشافا وانتاجا وتصديرا، دون الرجوع الى موافقة الحكومة المركزية، وهما ( كركوك والنفط) خلافان كادا يدفعان الى مواجهة وشيكة بين الاقليم والمركز على حدود "المناطق المتنازع عليها"، ومن بينها كركوك، واجزاء من محافظتي ديالى (شرق) ونينوى (شمال غرب).
تكتيك المالكي بالتقارب مع الكرد لاحكام الطوق على السنة، كان قد استخدمه قبل اشهر، ولكن بالطريقة المعاكسة، حين تحالف مع بعض الشخصيات السياسية والعشائرية من العرب السنة في كركوك وصلاح الدين، ونينوى، والتي تمتلك خوفا "تقليديا" من النفوذ الكردي في مناطقها، في تهيئة المسرح المعادي للكرد، والذي وصل الى حد الاستعداد للاشتباك العسكري، لولا تدخل جاء في اللحظات الاخيرة من قبل اميركا وايران، فضلا عن جهد خاص تولاه رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، الذي يحمل عليه المالكي الان بقوة.
انفراج الازمات في العراق يحصل دون مقدمات جوهرية، مثل اسباب اندلاعها، وهكذا انفرجت الازمة بين بغداد واربيل، دون تبيان حقائق عن التوصل الى حلول تتصل بجوهر اندلاعها، غير ان الخشية في المناطق الغربية من البلاد، هي ان تكون صفقة بغداد اربيل الاخيرة، مقدمة لحملة واسعة على ابنائها من السنة .
*كاتب وصحافي عراقي
المصادر:
1 العراق بعد 10 سنوات.. سلطوية زاحفة
موقع "هيومن رايتس ووتش" بالعربية 19 اذار (مارس) 2013
http://www.hrw.org/ar/news/2013/03/19/10
2 المصدر ذاته
3 النائب سليم الجبوري يدعو البرلمان الى "ادانة الجريمة التي وقعت في الفلوجة سواء بالاعتداء الذي وقع على المتظاهرين او افراد الجيش " 28-2-2013
موقع "ساحات التحرير" الاخباري العراقي
http://www.altahreernews.com/inp/view.asp?ID=13936
4 علي عبد الامير : الحويجة وأخواتها: مدافع "الديموقراطية" حين تستعيد دورها "الديكتاتوري"
صحيفة "الحياة" صفحة "قضايا وتحقيقات" 26-4-2013
http://alhayat.com/Details/506981
5 نبراس الكاظمي (كاتب وباحث عراقي زائر في مؤسسة هدسون الاميريكية)
صفحته على "الفيسبوك"  22 نيسان 2013
https://www.facebook.com/profile.php?id=100001885373213&fref=ts
6 سرمد الطائي ( كاتب وصحافي) ، "شيعة ضد الحرب"
عموده في صحيفة "المدى" البغدادية
29-4-2003
http://www.almadapaper.net/ar/news/443719/%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8--%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%B1%D8%A8%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%8A%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AF%D8%B1
7 مشرق عباس (كاتب وصحافي)
موقع "المونيتير- نبض العراق" بالعربية
23-4-2013
http://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/opinion/2013/04/iraqi-election-results.html#ixzz2S4W6TywQ

8 علي عبد السادة (كاتب وصحافي)، إنتخابات محلية مثيرة في العراق والمالكي يفشل في تحقيق الأغلبية السياسية
موقع "المونيتير- نبض العراق" بالعربية
24-4-2013

http://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/opinion/2013/04/iraq-provincial-elections-maliki-majority.html#ixzz2S4X2hWYa

9 "احداث "الحويجة" ... تكلفة الانتهازية السياسية" مشرق عباس ، "المونيتور ، نبض العراق" ، 25 نيسان (ابريل) 2013

Read more: http://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/opinion/2013/04/iraq-hawija-massacre-politics.html#ixzz2S4Xk8uXo

10 "الحويجة - القصير... وقصة استتباع العراق"، حازم الامين (كاتب وصحافي لبناني)، "الحياة" 28 نيسان (ابريل) http://alhayat.com/Details/507560
 
11 علي عبد الامير : الحويجة وأخواتها: مدافع "الديموقراطية" حين تستعيد دورها "الديكتاتوري"
صحيفة "الحياة" صفحة "قضايا وتحقيقات" 26-4-2013
http://alhayat.com/Details/506981

12 د. عادل عبد المهدي  نائب رئيس الجمهورية العراقي المستقيل والقيادي في المجلس الاعلى الاسلامي والمقال من صفحته على الفيسبوك، واعيد نشره في صحف ومواقع اليكترونية عراقية عدة، بينها "ساحات التحرير"، 25 نيسان (ابريل)
http://www.altahreernews.com/inp/view.asp?ID=15339
13 المصدر السابق.
14 هيوا محمود عثمان، كاتب وصحافي كردي عراقي: "المشكلة السنية: مغامرة جديدة للمالكي ومأزق للجميع"، صحيفة "العالم" البغدادية، 30 نيسان (ابريل) 2013
http://www.alaalem.com/index.php?news=%C7%E1%E3%D4%DF%E1%C9%20%C7%E1%D3%E4%ED%C9:%20%E3%DB%C7%E3%D1%C9%20%CC%CF%ED%CF%C9%20%E1%E1%E3%C7%E1%DF%ED%20%E6%E3%C3%D2%DE%20%E1%E1%CC%E3%ED%DA&aa=news&id22=8113

15 نبراس الكاظمي (كاتب وباحث عراقي زائر في مؤسسة هدسون الاميريكية)
صفحته على "الفيسبوك"  22 نيسان 2013
https://www.facebook.com/profile.php?id=100001885373213&fref=ts

16 ابراهيم احمد، كاتب واديب عراقي، "إنها حربكم، اذهبوا إليها وحدكم!" 26 نيسان (ابريل) 2013 ، موقع "ايلاف" وموقع "ساحات التحرير":
http://www.altahreernews.com/inp/view.asp?ID=15351

* دراسة نشرت في "معهد العربية للدراسات" :


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM