يحتج وحيدا في ساحة التحرير*

تاريخ النشر       09/09/2012 06:00 AM


بغداد- علي عبد الأمير
تتكشف يوما بعد آخر اهوال العراق خلال ايام الحرب الطائفية التي اندلعت العام 2005 وتصاعدت في العام الذي تلاه وما تزال أدخنتها تشير الى ان جمر تلك الحرب ما انفك ساخنا، ومن بين تلك الاهوال هي ظاهرة المفقودين التي اتسعت كهاجس مقلق خلال العام 2006 حيث اختفى مئات بسبب التصفيات الطائفية، قتلا واعتقالا واختطافا، وهناك من تم العثور عليهم موتى اكان في ثلاجات "الطب العدلي" ببغداد ام في مقبرة "مجهولي الهوية" بمحافظة كربلاء التي تأوي ضحايا العنف الطائفي، و كانت تنقل اليها جثث القتلى "المجهولين" من دائرة الطب العدلي ببغداد، وبعد تصوير الجثة وتدوين اوصافها تدفن في المقبرة ويكون شاخص القبر رقما بلا اسم وهوية، دالا على مرحلة  اضيفت الى فصول المأساة العراقية .


ابو محمد: الاحتجاج وحيدا
 
ومنذ انطلاق الاحتجاجات الاسبوعية في "ساحة التحرير" ببغداد في اواخر شباط (فبراير) الماضي وجد ذوو "المجهولين" فسحة لنوع من الاحتجاج الصامت، القائم على رفع صورة الابن المفقود، مع الكثير من الاسئلة الحائرة، التي تقطها احيانا صرخات الامهات الحزينات.
ومنذ اسابيع، وتحديدا كل يوم جمعة، يحرص المواطن "ابو محمد" الذي يفضل الكنية على الاسم الصريح، على الحضور الى الساحة، وينضم الى عشرات ممن ابتلوا بمصيبته ذاتها، رافعين معا صور "الغائبين"، الا انه كان وحيدا في الجمعة الذي صادف الثاني من الجاري، فعطلة العيد في العراق شملت حتى الاحتجاجات الاسبوعية. حضر الرجل حاملا صورة ابنه، ليبدو وكأنه المتظاهر الوحيد في الساحة التي كانت تكتظ عادة بالمئات كل جمعة، وتحديدا قبل رمضان، ووتصاعد فيها اصوات متظاهرين يطالبون بتوفير الخدمات وتشغيل العاطلين، وجلاء القوات الاميركية، واعادة المفصولين السياسيين، والقضاء على الفساد المستشري ونقد الحكومة وبخاصة في مجال تراجع الخدمات.
"أبو محمد"، يسكن منطقة "اليوسفية" جنوب بغداد المعروفة بانها كانت احدى بؤر المجموعات الارهابية، ومنها كانت تنطلق مجموعات متصلة بارهابيي القاعدة وغيرها من المجموعات المسلحة السنية المسؤولة عن تنفيذ موجات مرعبة من القتل الطائفي بحق الشيعة.
ويقول انه فقد اي اثر لابنه بعد اعتقاله من قبل "لواء المثنى" في الجيش العراقي، العام 2006،  بعد خروجه من منزل العائلة متوجها للقاء خطيبته في منزلها بمنطقة أبو غريب في حزيران عام 2006. ولان المنطقة الاخيرة ليست اقل من الاولى لجهة ارتباطها بالعنف وكونها من مصادر نشاط المجموعات المسلحة، فقد كانت تتعرض لعمليات دهم من قبل القوات الاميركية والعراقية على حد سواء، وفي احدى تلك العمليات كان منزل خطيبة الابن محمد، هدفا، وصادف وجوده في المنزل اثناء الدهم، و" قامت القوة الامنية باعتقاله واخذه الى جهة مجهولة ". بحسب ما يقوله الاب المفجوع.
وفي صورة الرجل وحيدا تحت شمس نهار تجعل حرارته تقارب الخمسين مئوية ظهرا، يمكن تسجيل مشهد "احتجاج سلمي" لم يكن يعرفه العراق لسنوات طويلة. وفي ذلك المشهد يمكن التعرف مليا على حيرة الرجل وهو يحاول العثور على اي أثر يقوده اليه، "بحثت عنه في العديد من المؤسسات الامنية والسجون، وقد علمت انه على قيد الحياة بحسب افادة من معتقلين، ثم انقطعت اخباره واختفى اثره نهائيا".
"ابو محمد" المحتج بصمت بليغ على غياب ابنه يقول انه تقدم بطلب للكشف عن مصير ابنه لدى "اللجان التي تم تشكيلها بأمر من القائد العام للقوات المسلحة للكشف عن المفقودين، لكنني لم أتلق اي جواب حول مصيره ".
بحث الرجل عن ابنه تعزز يأسا بعد وقوفه وحيدا، مستغربا غياب رجال ونساء يعانون مصيبته ذاته، وتحول الامل بالعثور على ابنه حيا الى القبول به ميتا، ويقول انه ناشد رئاسة الوزراء للكشف عن مصير ابنه "فإذا كان لايزال حيا فانا اريد اخباري بمكان وجوده لأكون على بينة من امره، واذا كان ميتا فأطالب بتسليمه جثته ولأقطع الشك باليقين".
الشكك قد يتواصل عند "ابو محمد" وغيره ممن سيعودون الى الساحة مستقبلا لمواصلة الاحتجاج، لكن اليقين هو ان البلاد عانت اهوالا لايتمنى ذوو ضحايا ان تعود من جديد ناهيك عن رأي شعبي واسع بات مناهضا لاي تصعيد طائفي.
* تقرير نشر في ايلول 2011 "الحياة"


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM