واشنطن- علي عبد الامير انفتح فضاء مقر الامم المتحدة في نيويورك مساء الاثنين على غير ما اعتاده من مناقشات سياسية وقرارات حددت احداثا مصيرية لبلدان عدة، حصة العرب منها غير قليلة، فقد شهد حفلا موسيقيا لافتا لاحياء اليوم العالمي لموسيقى الجاز التي اعتبرتها منظمة الثقافة والعلوم "يونسكو" ارثا ثقافيا عالميا، بل سمتها "موسيقى الحرية والابداع". الحفل في نيويورك لم يكن هو التظاهرة الوحيدة، بل ان الاحتفال بـ" اليوم العالمي للجاز" بدأ مبكرا الاثنين، في مدينة موسيقى الجاز الاولى في العالم: مدينة اورلينز الاميركية، فيما كانت مدن كيب تاون في جنوب افريقيا وباريس تشهد حفلين بالتزامن مع حفل نيويورك، حد ان اكثر من مقطوعة كانت تعزف في نيويورك، تظهر خلفها لقطات فيديوية لموسيقيين يعزفون اللحن ذاته في مدينتي الكيب وباريس. مؤلف موسيقى الجاز والعازف الاميركي هيربي هانكوك الذي اختارته "يونسكو" سفيرا لها، قال ان "الاحتفال بموسيقى الجاز يأتي من قدرتها على التعبير الانساني الحر ضمن انغام يشترك البشر جميعا في عزفها والاستماع اليها والاستمتاع بها". وما قاله هانكوك تجسد فعليا حين عزف مقطوعة على البيانو فيما شاركه عازف اسيوي توقيع الالحان على بيانو آخر.
قاعة الامم المتحدة فضاء لموسيقى الجاز
وشارك نجمان سينمائيان بارزان في تقديم فقرات الحفل، ففي حين كان روبرتو دي نيرو سعيدا حد التأثر وهو يستذكر اسماء خالدة في موسيقى الجاز: ديوك الينغتون، لوي ارميسترونغ، ديزي غليسبي وغيرهم، تحامل النجم مايكل دوغلاس على آلام سرطانه، ليقدم اسماء مثل مغنية الجاز وعازفة الكونترباص اسبيرانزا سبالدنغ، ومغنية الجاز والسول جاكاخان والمغني ستيفي وندر. ثمة موسيقيون من الهند، وفريق مدهش للجاز اللاتيني ضم عازف الغيتار والمؤلف ألدي ميولا، وضاربا على (الكونغا) يبلغ من العمر 91 عاما! الى جانب هذا شارك موسيقيون ومغنون من افريقيا، فيما كان للفرنسيين حصة اوروبا الاكبر، ومن اسيا كانت عازفة البيانو اليابانية هيرومي ايوهارا لمسة "مجنونة" في حذاقة العزف او في الارتجال والتوقيع على مفاتيح البيانو وهي واقفة! والى جانب هذه "الايقونات" في موسيقى الجاز، كانت هناك ايقونة على حدة، مثلها عازف الساكسفون والمؤلف المدهش القدرات والروحية: وينتون مارساليس الذي قدم عملا اوجز فيه ما لموسيقى الجاز من قدرة على تكثيف الاسى والحبور والتأمل والحركة في مقطوعة واحدة، وفيها امكن التطابق فعليا مع التوصيف الرسمي لموسيقى الجاز بحسب "يونسكو" من كونها "موسيقى الحرية والابداع". ومثلما يصادف الحفل مع مرور قرن تقريبا على رسوخ موسيقى الجاز بوصفها احد اشكال موسيقى القرن العشرين، شهد الحفل استذكارا لاكثر من اسم طبع بابداعه انغام الجاز، فغنت سبالدنغ بطريقتها المؤثرة " انه عالم مدهش" الاغنية الكلاسيكية للعازف والمغني والملحن لوي ارمسترونغ، فيما اختلطت الانغام والايقاعات اللاتينية بالافريقية والهندية، ودائما ضمن جوهر موسيقى الجاز القائم على الارتجال.
ماذا يفعل السفراء العرب في "يونسكو"؟ ومع ان موسيقى الجاز، قاربها فنانون عرب داخل اوطانهم او خارجها، وتركوا فيها اكثر من لمسة لافتة، الا ان ابرز الغائبين عن حدث يستحق ان يكون في مركزه المؤثر، هو صاحب "جاز شرقي" المدهش في الحانه وموسيقاه غنائيا ومسرحيا: زياد رحباني. السؤال هنا، غالبا ما يتكرر في ما خص غياب العرب عن احداث ثقافية انسانية مهمة، هو ماذا يفعل سفراء العرب في "يونسكو" التي بالـتأكيد ابلغت الدول الاعضاء فيها بحدث كهذا، هل عملوا على الاتصال بفناني بلدانهم وحضهم على المشاركة في حال اقتدارهم على مقاربة هذا الشكل الموسيقي؟ والسؤال يخص لبنان اكثر من غيره، لجهة ان غياب فنان كبير كزياد رحباني كان خسارة ليس للبلد او للعرب بعامة، بل لفن موسيقى الجاز ذاته، لما لصاحب موسيقى "هدوء نسبي" من لمسة تتصل بجوهر انغام الجاز، كونها اتصالا حيا بالحرية والابداع.
* نشرت في "الحياة"
|