مقالات  



النظام العراقي (الديمقراطي) وقد صار شريكا للنظام السوري (الديكتاتوري)

تاريخ النشر       16/08/2011 06:00 AM


عمّان- علي عبد الأمير
آخر الاخبار الواردة من مكتبي رئيسي الجمهورية جلال الطالباني و الوزراء نوري المالكي، تفيد بان تحركا واسعا بدأه الرجلان من اجل "تعميق العلاقات بين بغداد ودمشق" مع ان الاخيرة قمعت و"بوحشية" احتجاجات شعبية واسعة بدت في احاديث واسعة لمسؤولين وسياسين في بغداد وكأنها "صدى للتجربة الديمقراطية العراقية"، لكن تلك الاحاديث ما لبثت ان تحولت الى اصطفاف حكومي عراقي واسع مع سوريا الاسد، تبلور منذ اوائل تموز (يوليو) الماضي حين استقبل المالكي وفدا اقتصاديا سوريا كبيرا واعاد الكرّة ثانية قبل يومين، فيما ارسل الطالباني نائبه المستقيل والقيادي في "المجلس الاعلى الاسلامي" عادل عبد المهدي موفدا الى الرئيس الاسد ونقل اليه رسالة خاصة جاءت بعد مرتين التقى فيهما الطالباني السفير الاميركي ببغداد خلال اقل من 72 ساعة.
المالكي كان جدد للوفد الاقتصادي السوري "الكبير" جدد رئيس الوزراء نوري المالكي ثقته بالنظام السوري وقيادة الرئيس بشار الأسد، وقال" نحن على ثقة بقدرة الشعب السوري الشقيق وقيادته على تجاوز التحديات التي تواجههم "، لافتا الى ان "إستقرار المنطقة ككل مرتبط بإستقرار سوريا وأمنها ".
وبحث المالكي الذي كان هاجم سوريا ونظامها قبيل الانتخابات السابقة اذار (مارس) 2010 خلال لقائه السوريين "تفعيل جميع مجالات التعاون بين العراق وسوريا،لا سيما في المجالين الإقتصادي والتجاري"، مشددا على "العلاقة التكاملية بين البلدين".
وجاء التغيير في خطاب المالكي حيال سوريا وتأكيده التحالف مع الاسد، اثر اعلان الاخير تأييده تولي المالكي رئاسة الوزراء بضغط من ايران.
بعد ذلك اللقاء اكدت مصادر عراقية موثوق بها ان رئيس الوزراء نوري المالكي امر مستشاره للامن الوطني فالح الفياض بالاتصال مع مساعد رئيس الجمهورية لشؤون الامن في سوريا محمد ناصيف (ابو وائل) عارضا على دمشق "ابداء اقصى ما يمكن من مساعدة في ازمتها الحالية " المتمثلة باحتمالات خطر جدي يتعرض اليه نظام الاسد مع استمرار الاحتجاجات الواسعة ضده وتصاعد الضغط الدولي.
ورجحت المصادر ان تكون "المساعدات الاقتصادية العراقية وفي مجال النفط الذي سيقدم لسوريا باسعار تفضيلية جانبا مهما في تخفيف على النظام في دمشق مع ازدياد الضغط من قبل رجال الاعمال السوريين الذين فقدوا معظم اعمالهم".
وكان المالكي ابلغ النظام السوري بتغيير مهم في خارطة تحالفاته الاقليمية ويقضي بان تكون دمشق بديلا استراتيجيا عن انقرة حيث اكد مصدر عراقي في وقت سابق من الاسبوع الماضي في اتصال مع "الحياة" ان المالكي قال لرجال اعمال سوريين التقى بهم في بغداد اوائل تموز الجاري وكثير منهم مقربون من رئيس النظام السوري بشار الاسد " انكم ستأخذون مكانة تركيا في العراق جراء موقفها الداعم للاضطرابات في بلدكم العزيز". واوضح المصدر ان المالكي اصدر اوامره بان يتم وقف تنفيذ كافة الاتفاقيات التجارية والاستثمارية مع تركيا وتحويلها باتجاه شركاء سوريين .
 ويقول مراقبون ان "المالكي الذي كان يوجه اتهامات متواصلة لدمشق بدعمها الارهاب في العراق، غيّر نبرته بعد ان دعمه الاسد بضغط من ايران في قضية توليه رئاسة الوزراء، فضلا عن دوافع طائفية تأتي من وقوفه الى جانب الحكم العلوي في سوريا بعد ان بدا امر سقوط الحكم في دمشق امرا واردا ".
وتزامنت  الزيارة الثانية للوفد الاقتصادي السوري الى بغداد، مع توقيع اتفاقية اقتصادية اعلنت عنها طهران حيث تم توقيع اتفاقية انبوب نقل الغاز الايراني الى اوروبا عبر العراق وسوريا.
الدور الايراني في دفع العراق الى الاصطفاف مع نظام دمشق يبدو جليا مع تصريحات لنواب عراقيين ابلغوا "الحياة" ان "طهران نصحت بغداد باتخاذ جملة اجراءات من شانها تسخير الامكانيات العراقية لدعم الحكم السوري" .
وقال عضو في "الائتلاف الوطني  العراقي" المتحالف مع "دولة القانون" بزعامة  نوري المالكي ان "طهران  ابلغت قادة التحالف الوطني الذي يقود الحكومة بتوفير الدعم المالي لدمشق بالافادة من الاتفاقيات الاخيرة المبرمة بين البلدين  وطهران  لتوفير عشرة  مليارات دولار تدفع لسوريا  لتجاوز ازمتها  الحالية".
واكد النائب الذي رفض الكشف عن اسمه ان "التحالف الوطني سيشهد في الايام المقبلة  تغييرا بزعاماته استجابة لمطالب ايرانية لغرض ضمان تماسك وحدته وتجاوز الخلافات الاخيرة التي برزت بين مكوناته اثر اعتراضها على استفراد المالكي وحزبه على السلطة في العراق ".
وكان وفد بزعامة  القيادي في حزب الدعوة الاسلامية عبد الحليم الزهيري زار ايران مؤخرا حسبما اكد النائب عن ائتلاف "دولة القانون" ابراهيم الركابي ، مشيرا الى ان "الوفد عاد من طهران حاملا مقترحات ايرانية لدعم نظام الاسد" .
وكانت قضية ايداع مبلغ عراقي كبير كوديعة في البنوك السورية الحكومية، احد المقترحات الايرانية لدعم عراقي لسوريا، والوقوف مع رئيسها بشار الاسد "لتمكينه تجاوز الازمة التي تشهدها بلاده" .
وكشف عضو ائتلاف "دولة القانون" شاكر الدراجي ان وفدا برئاسة القيادي في "حزب الدعوة الاسلامية" عبد الحليم الزهيري عاد من ايران الاحد الماضي بعد ان زارها الجمعة استجابة لطلب ايراني وبحث مع مسؤوليين في طهران امكانية تقديم الدعم اللازم لسوريا ، وقال الدراجي ان "الوفد عاد بجملة توصيات لاتخاذ اجراءات عاجلة من قبل رئيس الحكومة المالكي لمساعدة الرئيس الاسد لتجاوز المشاكل في بلاده ". مؤكدا ان "المالكي بصدد ارسال وفد الى دمشق في غضون الايام القليلة المقبلة".
اللافت ان الحكم في العراق وعوضا عن اتخاذ مواقف واضحة مؤيدة للاحتجاجات المطالبة بالحرية في عدد من دول المنطقة، بوصفه وكما ظل مسؤولون اميركيون وعراقيون يرددون مطولا " مثالا لتشجيع العملية الديمقراطية في المنطقة" يتخذ اليوم موقفا يبدو نقيضا للمثال الذي قالت واشنطن انه سيقوم به: اي تشجيع الديمقراطية، لا في موقفه المساند للنظام القامع لشعبه في سوريا وحسب، بل في قمعه الشديد للمحتجين العراقيين وقيام حكومة المالكي باحتلال "ساحة التحرير" ببغداد التي صارت موعدا اسبوعيا لتجمعات المحتجين، عبر مئات من اعضاء "حزب الدعوة" وعشرات عناصر الامن والاستخبارات المتخفين بملابس مدنية والمرتبطين مباشرة بمكتب المالكي بوصفه قائدا عاما للقوات المسلحة التي لم تتردد في شهر شباط (فبراير) الماضي وما تلاه عن قتل العشرات واعتقال اضعافهم تحت ذريعة ان القوى المحرضة للاحتجاجات هي "من ازلام البعث والقاعدة".
ان الاصطفاف العراقي مع النظام السوري وبتنسيق او "ضغط" ايراني ليست بغداد في وارد مواجهته، يعكس في جوهره اتجاها طائفيا، فالاجهزة والاعلامية والمنابر السياسية المرتبطة بالمالكي وحزبه والاحزاب الشيعية الاخرى ما انفكت تبث اخبار "الظلم الذي يتعرض اليه الشيعة في البحرين" كاخبار ثانية في نشراتها وتعقد لها الندوات الحوارية، لكن هذا التضامن مع الاحتجاج الشعبي في البحرين ينقلب الى تشكيك بمثيله السوري، فتصبح الاحتجاجات الشعبية في سوريا "حركات اصولية سنية" طالما ان المستهدف بتلك الاحتجاجات هو "النظام العلوي".
*نشرت في "الحياة"



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM