مقالات  



حين يكون تأسيس فرقة (هب هوب) في البصرة أهم من (المربد)؟

تاريخ النشر       22/06/2011 06:00 AM


علي عبد الأمير عجام*
مع انني شاعر وأواظب على كتابته وتذوقه ونقده، الا انني ارى في تأسيس فرقة لموسيقى "الهب هوب" في البصرة مؤخرا أهم من "مهرجان المربد" الشعري، بل انني أرى ان تأسيس الفرقة الموسيقية في البصرة أقرب الى روح الشعر مما كان عليه الطابع الفولوكلوري للمربد، ذلك ان يغامر شبان بصريون الى اعلان فرقتهم الموسيقية في مؤشر على تحدي لثقافات سائدة في مدينتهم تشيعها الاحزاب والافكار الاصولية المتنفذة، هو سلوك شعري بامتياز، اذا نظرنا الى الشعر الحقيقي بوصفه نداء حرية وتطلع الى روح المغامرة والاكتشاف.
وفيما يجتمع شعراء لايام قليلة في حدث تتبارى فيه العصبيات والولاءات والاستعراضات الثقافية والاجتماعية السمجة، مع القليل من المعرفي والانساني (ذلك انهما نادرا ما يحضران في مهرجان صاخب)، سيكون على شبان فرقة "الهب هوب" البصرية تلقي اشكالا من المضايقات تبدأ من السلطات التي تحرّم كل شيء الا نهب المال العام، ولا تنتهي بوشاة ليسوا أقل من وشاة "البعث" يقومون بمراقبة اي سلوك يخرج على ثقافة اولي الامر المستمدة من اصوليات خنقت الامال والاحلام التي حملها التغيير في العراق وجعلت كوابيسا مرعبة، فلا مسرح، لا تسلية، لا سينما، لا موسيقى، لا حرية للمرأة في اختياراتها( هل نتذكر عدد النساء اللائي قتلن في البصرة لوضعهن المكياج او اخترن ارتداء ثياب لا تخضع لثقافة القتلة في العراق الديمقراطي؟)
هنا الفرق شاسع بين ادعاء الحرية وتلبس فكرتها كما في حال شعراء كثيرين حضروا "المربد" وبين ممارستها فعلا والاستعداد لتحمل نتائج الظهور بمظهر الاختلاف الكلي مع السائد كما فعل  شباب الفرقة البصرية، حين قرروا مواجهة الاصولية الفكرية والاجتماعية والسياسية على طريقتهم: المواجهة عبر الموسيقى.
ما تمت الاشارة اليه لا يعني ان تكون موسيقى الهب هوب اهم من الشعر، لكنه يعني ان فعل الاحتجاج السلمي والجميل في شكله الموسيقي كان اعمق دلالة وتاثيرا من مهرجان صاخب للكلام الذي لايحدث أي مغايرة في الواقع، ولا يحض على اي فعل حقيقي للحرية في مدينة تتعرض فيها الحرية الى اكثر من محنة.
 

علي عبد الأمير عجام
 

هذا يقودنا الى الحديث لا عن اهمية الشعر في الحياة الثقافية العراقية المعاصرة وحسب، بل عن جدوى الثقافة العراقية في مؤسساتها الاقرب الى الفولكلورية: الرسمية منها وشبه الرسمية وحتى الخاصة، التي تنضوي تحت عنوان مؤسسات المجتمع المدني، فهي لم تنظم اي فعالية حقيقية من شأنها الضغط على القوى المتنفذة في الدولة والمجتمع لفك أسر المسرح  والسينما والموسيقى من اعتقال طال كثيرا، مثلما لم تتمكن من تسيير ولو مظاهرة صغيرة واحدة ضد اغتيال الكتاب والصحافيين والاكاديميين والعلماء، ومن لم يكن قادرا على فعل بمستوى هذين التحديين الاساسيين عليه ان يشعر بالخجل اذا لم يكن قادرا على الارتفاع الى مستوى المسؤولية الذي يعني على الاقل: الاستقالة احتجاجا. لكن يبدو ان المؤسسات الثقافية العراقية مثلما ابتليت برموز التضليل والخديعة حين كانت ابواقا للنظام الديكتاتوري، تبتلى اليوم بابواق الموالاة للاجهزة والقوى المتنفذة اليوم، حد ان ناقدا ادبيا يعمل في احدى المؤسسات التي استولت عليها الحكومة رغم انها تابعة للدولة العراقية وليس للحكومة، استبدل خطابه المتحمس لعبقرية صدام في روايته (سلسلة رواية لكاتبها) بحماسة التملق للحكومة الحالية، فكتب مقالة يطالب فيها ان يتم النظر بانسانية الى اوضاع المثقفين العراقيين في الخارج عبر هيئة او لجنة ترتبط بمجلس الوزراء، كأنه في ذلك لا يستعير وحسب خطاب المديح الذي كانت بوصلته قبل العام 2003 متجهة الى رأس النظام الديكتاتوري، بل يرد الجميل الذي اسداه اليه مستشار رئيس الوزراء حين عينيه في موقعه الحالي كي ينشط في مجال برع فيه: مديح السلطة.
من هنا تبدو مؤسسات الثقافة العراقية وفعالياتها كابية الالوان بعيدة كليا عن اي فعل تجديدي، وليس بعيدا عن هذا المعنى كان مهرجان المربد الشعري، بينما كلمة الاحتجاج في تجلياتها السلمية المدنية قالها شبان بصريون في فعل موسيقي هو اقرب الى الشعر في تجلياته الروحية .
*نشرت في صحيفة "المدى" البغدادية
 


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM