مقالات  



آيار ...أقسى الشهور

تاريخ النشر       08/05/2011 06:00 AM


علي عبدالأمير عجام*
 
الى أخي النبيل..أخي القتيل مرة اخرى
 
 
هذه هي السنة السابعة لعراق بدونك، لحياة بدونك، لفوضى ما انفكت تضطرب وتصطخب بعدك، ولأمل شحّ كثيرا بعد ان سفك دمك. انه آيار أقسى الشهور، شهر موتك، وموسم اغتيالك، الذي كان لقتلتك موسما لاعلان اغتيال الفكرة المشعة التي لطالما كانت عليها بلادك، بلادنا التي أحببت وأخلصت حد الوفاء. ومثلما كنت ترد على قبح العيش بجميل روحك وخضرتها، ظلت بلادنا ترد على الموغلين في تجريحها قادرة على الخضرة وابتكار الياسمين.
أستعيد هنا يا أخي ونبراسي ومعلمي ما كتبته لك في آيار العام 2001 وفي لحظة غريبة على الاقل في المكان الذي شهد الكتابة،  وبدأت رسالتي هكذا:
لا أدري مالذي دفعني الى أن أكتب شيئا لك وأنا على إرتفاع 33 ألف قدم في طريق عودتي من لندن الى عمّان؟ أقلت لا أدري؟ لا ..إنني أعلمه جيدا، الدافع القوي والمؤثر، إنها لحظة صافية شديدة الوضوح، لحظة المكاشفة، لحظة مواجهة الذات بعد هذا المشوار الطويل الطويل من الألم.
تكاد تكسر ظهري، حاجتي الى اللقاء بك... أعياني يا أخي ان أكون متعبا، وحيدا، تكتظ روحي بالعناءات مثلما تكتظ بالقدرة على فعل الخير والطرق بنعومة على أرواح  الأخرين، وإن كانت تلك واحدة من أكثر المهمات إثارة للجلبة والإلتباس، لا سيما حين يقابل فعل الخير بالجحود، كأنني في ذلك أعيد توليد الجراح ذاتها التي ثقلت بها روحك: الجحود وما أوفره كحصيلة ممن علمتهم الرقة والأمانة والإخلاص والوفاء.
تراني الان أعود الى الى نبش الذكريات والوقوف عند موروثنا البيتي، أقصد ما ورثناه عن أبينا من طيبة متناهية، وثقة زائدة بالاخرين، وشفافية في الكشف عن النفس، وما ورثناه عن أمنا من بصيرة متوقدة، وحب للمعرفة وشخصية حاضرة وقدرة على المحبة لا تنتهي.
الآن اكتب اليك في الطائرة، وأطل من النافذة على جبال الألب: عظمة الخالق بين علّو هش وأرض صلبة وبينهما تنهض عبقرية الإنسان وهو يبتكر وسائل التحدي ولكن في الوقت ذاته يذهب الى إحكام وسائل العزلة كلما توقع انه اكتشف وسيلة اليكترونية لتجاوز المسافات، فباتت اللمسة الإنسانية غائبة، تحكم فطرتها وعفويتها ودهشتها، حواجز تحيل البشر الى لاعبين مع الأزرار، كما هي الحال حين يبعث ولدي رسالة اليكترونية لي وأنا على مبعدة أمتار منه!
أنا على أرتفاع شاهق ولكن روحي تنخفض بحدة الآن لتصل الى خضاب الارض التي تربيت بين مساربها وتكويناتها، أرض بعيدة حقا ولكنها الأقرب من كل شيء، أرض بسيطة التكوين والمعالم، ولكن روحا في إنسانها تكاد تزلزل تلك البساطة. أنا اتحدث هنا عن تلك الروح وعساني وفقت ان اكون إبنا بارا لها ومتمثلا شهقاتها وهي تضيء في نفوس  مختارة، بينها كانت نفس مهذبة وحلوة وصبور وكريمة وعادلة وخيّرة ومحبة للجمال ومدافعة عن الحق، هي التي شهقت عند أخي وصديقي ومعلّمي.

 


مع شقيقي الراحل صيف العام 2003 حين زارني في صحيفة "بغداد"
 
لست يائسا، لكن قيمنا تتبدد. نعم انك متفائل أبدي، ومن هنا أقول، ان تلك القيم قد تأخذ أطوارا غير التي عرفنا وخبرنا، ففكرة الحق والعدل والخير، فكرة جاذبة وتكاد تكون الفكرة المولدة للتاريخ الإنساني، لكن حرارة الفكرة لجهة علاقتها بالحضور الإنساني تكاد تخبو.
ضمن هذا الاسترسال في البوح- الألم، في اللقاء الإفتراضي- الحقيقي معك، وإن كان على إرتفاع 33 ألف قدم، ثمة نوع من المشاعر أطّل فجأة، نوع مشاغب وجميل: أن اكتب شوقا ووجدا وأملا...تعبت يا أخي وأريد حقا ثنية تأويني، ثنية لن أجدها ما حييت الا من ثنايا روحك الشاهقة.
كانت تلك سطوري اليك في ايار العام 2001، وتوهمت ان ما بحثت عنه من ثنية تخفف عني هجير غربتي، قد بدا في المنال حين احتضنتك في حديقة دارك بعد عودتي في نيسان العام 2003، لكن قتلة من كهوف الكراهية خرجوا بعد نحو عام وفي 17 أيار ليروّعوا ثنايا الورد والمعرفة ببارودهم. الآن أنا يا أخي ونبراسي يتيم الثنايا الحانية، الآن أنا في هجير موتك القاسي.. لكن الأقسى هو: كيف أكون جديرا بك؟
ali@aliabdulameer.com


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM