واشنطن واحتجاجات العراقيين: على هوى الحلفاء في بغداد

تاريخ النشر       07/05/2011 06:00 AM


عمّان- علي عبد الأمير
 التزمت واشنطن الصمت حيال احتجاجات الغضب العراقية، فلم يصدر من وزارة الخارجية اي موقف ولا من السفارة الاميركية في بغداد حتى بعد مقتل عدد من المحتجين في مدينة الكوت جنوب البلاد او في السليمانية شمالها، ولاحقا في بغداد والموضل وتكريت والبصرة، مع انها كانت شددت عبر مواقف للرئيس اوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على ان تراعي دول عربية شهدت مظاهرات احتجاج، حق المواطنين بالتظاهر وعدم استخدام العنف بحقهم كما هي الحال في احتجاجات القاهرة والمنامة.
ويبدو ان حرجا كبيرا تلاقيه واشنطن في هذا الاتجاه، فهي في الوقت الذي ما انفكت تحاول تسويق العراق كتجربة للديمقراطية في الشرق الاوسط، يصعب عليها ان تجد حلفاءها في حكومة المالكي وهم في مواجهة مع المتظاهرين المحتجين على سوء اوضاع بلادهم والفساد الضارب في كل سلطاتها، بحسب تعبير رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي الذي توعد بمحاسبة الفاسدين الذين حملهم ضياع نحو 40 مليار دولار خلال السنوات الماضية
ولتقليل حرج كهذا تبرز اصوات اميركية تصريحات رئيس الوزراء العراقي من انه يعتبر التظاهرات حقا مشروعا، وترى في ذلك خطوات متقدمة على تلك التي شهدتها دول عربية اخرى، فتلفت صحيفة "نيويورك تايمز" الى انه "مع الكثير من عيوب ديمقراطية العراق الفتية، فان الحكومة اعطت الناس حقوقا اكثر قياسا باماكن اخرى مثل مصر وتونس أو ليبيا. وبعد كل شيء فان 60 بالمئة من الناخبين العراقيين شاركوا في الانتخابات الوطنية التي جرت في آذار (مارس) الماضي التي تم اعتبارها حرة وعادلة على نطاق واسع ".
وعلى الرغم من مؤشرات تضييق كثيرة تحملها الاخبار يوميا من بغداد التي شهدت الاربعاء مداهمات لمراكز معنية بحرية الصحافة والتعبير، فضلا عن اعتقال ناشطين في عدد من المدن العراقية الا ان الاصوات الاميركية تؤكد ان "رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ساند حقوق المحتجين علنا لحد الان على الرغم من تحذيره من استخدام العنف".
وفي حين تنقل صحيفة مؤثرة في اوساط الرئيس اوباما من الديمقراطيين مثل صحيفة "نيويورك تايمز" انباء حول تعرض بعض الاحتجاجات للعنف اذ تلفت الى  "مقتل خمسة متظاهرين على الاقل في اشتباكات مع القوات الامنية الخاصة والعامة ومن المعتقد انه تم جرح واعتقال اعداد اخرى " الا انها تحاول التخفيف من قوة الاحتجاجات بالقول " كان هناك حديث في الشوارع في كثير من الاحيان عن احتجاجات ضخمة لكن ولحد الان لم يحضر للتظاهرات سوى بضعة مئات".
ومع ان تظاهرات "يوم الغضب" الجمعة 25 شباط (فبراير) شغلت اغلب العراقيين طيلة الايام التالية، فكانت مادة لنقاشاتهم في الشوارع والمقاهي ومحطات التلفلزة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي " الفيسبوك" بخاصة، والقت بظلال من الامل عند البعض والخوف عند آخرين وبروح تهكمية عند سواهم، في محاولة لصنع "ايام غضب" تالية خاصة بهم، مستثمرين حال الغضب الشعبي الذي اكتسح معظم الشرق الاوسط، الا ان الاصوات الاميركية تصر على ان ذلك الغضب "فشل في الحصول على الكثير من الجذب هنا" في اشارة الى العراق حيث كتب اكثر من صحافي ومعلق اميركي يتواجدون في بغداد، ويؤكدون على الطابع الخدماتي للاحتجاجات لجهة "دعوة الحكومة للقيام بتوفير الكهرباء بشكل افضل، وتوفير فرص عمل اكثر، وكذلك المناداة بابعاد المسؤولين المحليين الذين يؤكد المحتجون انهم فاسدون، والمطالبة بحقوق اكثر للارامل والايتام" فيما لم ترد الا اشارات وصفية منهم على ان الاحتجاجات التي كانت بدأت قبل ثلاثة اسابيع انطلقت بشعار "الحريات اولا" اثر تحول مجلس محافظة بغداد وغيره من المجالس المحلية التي يسيطر عليها "حزب الدعوة الاسلامية " الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي الى اتخاذ قرارات وصفتها قيادات ثقافية وحقوقية ناشطة في مجال الحريات ببغداد بانها "تعمل على تحويل بغداد الى قندهار" في اشارة الى "فرض انماط من السلوك والتعبير تتعارض مع الحريات التي كفلها الدستور" بحسب تلك القيادات .

 
وعلى الرغم من اشارات اوردها تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" بان القوات الامنية العراقية اعتقلت نحو 300 شخص من العراقيين بينهم صحفيون بارزون وفنانون ومحامون ساهموا في المظاهرات التي انتظمت في العراق كله، وان وصفها هذا التصرف من قبل الحكومة بانه "عملية قصد منها اخافة مثقفي بغداد الذين لهم تأثير في الرأي العام" اذ تمت مطاردتهم والاحاطة بهم بعد مغادرتهم ساحة التحرير التي تظاهر فيها الالاف، وقيدت ايديهم وعصبت اعينهم وضربوا من قبل جنود وحدة الاستخبارات العسكرية، الا ان الصمت الاميركي الرسمي حيال الاحتجاجات العراقية ظل ثابتا، فيما رأى مراقبون وصحافيون عراقيون ان الموقف الاميركي نابع من حاجة واشنطن الى نظام مستقر في العراق يسهل لها الانسحاب دون النظر الى الاثمان التي يعنيها هذا الاستقرار، ويقول الكاتب والصحافي في جريدة "العالم" البغدادية المستقلة احمد سعدواي " كان هناك اتفاق عجيب بين العدوين اللدودين :ايران واميركاعلى القلق من هذه التظاهرات، وان اختلفت الاسباب، فاميركا الاوبامية، على ما يبدو، لا تريد اي فوضى تعرقل انسحابها من العراق. تريد نظاماً مستقراً ولا شأن لها بأثمان هذا الاستقرار".
ويورد سياسي مقرب من رئيس "القائمة العراقية" اياد علاوي مثالا على ان "واشنطن تريد استقرارا في العراق حتى وان كان هذا على حساب الديمقراطية التي تؤكد ان العراق يثبت دعائمها" ويلفت السياسي الذي رفض الكشف عن اسمه ان "واشنطن رفضت الاعتراف بنتائج انتخابات اذار (مارس) الماضي بعد فوز "القائمة العراقية" كونها نتائج تقلب المعادلة الطائفية للحكم اي ان تكون السلطة للشيعة وفق منظور طائفي" موضحا ان ذلك الموقف يتصل بصمتها حيال الانتهاكات الواسعة للتظاهرات والمحتجين "السبب نفسه ينطبق على صمت واشنطن خلال الاحتجاجات الشعبية، فهي لاتريد زعزعة العلاقة مع حليفها المالكي وعموم اركان السلطة في العراق اليوم، فالجميع يتذكر كيف استقتلت واشنطن من اجل ان يعود المالكي ضمن تحالف طائفي "شيعي" واسع لرئاسة الوزراء ضاربة عرض الحائط بنتائج انتخابات عبر عملية ديمقراطية هندستها هي ورعتها".
لكن محتجين شبانا ممن شاركوا في تنظيم التظاهرات والدعوة اليها قالوا ردا على سؤال وجهته اليهم "الحياة" عبر مواقعهم على "فايسبوك" مثل "مجموعة نريد ان نعرف"، " بغداد لن تكون قندهار"، "العراق الجميل" وغيرها، قللوا من شأن الموقف الاميركي وقالوا ان الامر يقرره الشارع العراقي بعيدا عن تدخل واشنطن وموقفها مستعيدين هنا موقف الشباب المصري الرافض للمواقف الاميركية المؤيدة لهم وقالوا ان " هناك احتجاجا شعبيا في العراق، والمظاهرات كانت عفوية على الرغم من اشارات الحكومة بانها "شهدت استخداما من قبل البعثيين"، وانها أثارت ردود فعل ايجابية من المرجعية الدينية التي اكدت حق المواطنين بالتظاهر، وادخلت الخوف في قلوب الرموز السياسية الكبيرة، احدثت خلافات واضحة بين هذه الرموز سواء حول شرعية المظاهرات أو مطالبها أو أسبابها"، مؤكدين ان "ما صدر عن الحكومة من إجراءات على مستوى الاستجابة لبعض المطالب المرفوعة، كان بينها الغاء قرار رفع الرسوم الجمركية وتحويل مبلغ نحو مليار دولار مخصصة لشراء طائرات اميركية حربية الى شراء القمح والرز والسكر لتوزيعها على المواطنين، واصادار قانون اتخفيض رواتب الرئاسات الثلاث والوزراء وكبار المسؤولين وامهال المالكي 100 يوم لوزرائه كفترة للانجاز والا فالاقالة جاهزة، ماهو الا مؤشر على نجاح الاحتجاجات ايدتها واشنطن ام التزمت الصمت حيالها".

*نشرت في "الحياة"
 


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM