مارسيل خليفة في إطلالة أميركية: كونشرتو (الاندلس) وشيء من اناشيد الثورة

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       19/03/2011 06:00 AM


واشنطن-علي عبد الأمير
على الرغم من صورته شبه النمطية منشدا لاغنيات الثورة والحرية التي تكرست منذ نحو اربعة عقود، الا ان لمرسيل خليفة صورة موسيقية اخرى، تلك التي تنطوي في اعماله مؤلفا موسيقيا من طراز رفيع، بعيدا عن الغناء وعن تأويلاته السياسية المحدودة رغم ان صاحب فرقة "الميادين" لم يكن مأسورا بالاحالات السياسية المباشرة، وانما ظل ملتزما الهاجس الانساني والتوق الى الحرية.
وصورته بوصفه مؤلفا موسيقيا، كانت برزت منذ ان كان طالبا في السنة الاخيرة بمعهد الموسيقى في بيروت، يوم كتب موشحا نال معه لا امتياز النجاح الدراسي وحسب، بل مؤازرة استاذه الموسيقار الراحل توفيق الباشا، كما حملت اعماله الانشادية والغنائية المطولة نسيجا حيا من روح التأليف الموسيقي، وهو ما ظهر جليا في عمله اللافت موسيقيا "احمد العربي" او عمله الغنائي المطول "تصبحون على وطن".
وفي اطلالة السبت الماضي شهدها مسرح جامعة "جورج واشنطن" في العاصمة الاميركية، عزفت "اوركسترا بان اميركان السيمفونية" بقيادة سيرجيو اليساندرو بوسجي عمل "كونشرتو الاندلس" او "متتالية الاندلس" بالاشتراك مع مرسيل خليفة عازفا على العود وولده بشار ضاربا على الرق.
وبقدر ما كان العمل خطابا موسيقيا راقيا يفهمه الاخر عبر بنيته الموزعة اوركستراليا، كان ايضا روحا عربية صافية لا عن الاندلس بوصفها حلما ضائعا ومجدا غابرا، بل لكونها نقطة اتصال ثقافية وحضارية عربية مع الاخر الاوروبي الذي استفاد من تلك النقطة وابتدأ منها مرحلته في الخروج الى عصور النهضة. كما كان العمل عبر مؤلفه ابن عصرنا الراهن، رسالة عن قدرة الانسان العربي على الاتصال مع الاخر وتقديم صورة حية وفاعلة عن هذا الانسان.

"متتالية الأندلس" او "كونشرتو الاندلس لآلة العود والاوركسترا" نوع من التحدي الذي تجاوز فيه خليفة محاذير من نوع ان الالة العربية والشرقية القديمة لا تستطيع برهافتها وفردانيتها ان تحاور اوركسترا سيمفونية كبيرة، ناهيك عن كونها، كما يشاع، غريبة عن الالات المستخدمة في الاوركسترا، لكن براعة التاليف كما في عمل صاحب "احن الى خبز امي" تجاوزت مثل تلك المحاذير، لتقيم حوارا ثقافيا وانسانيا مع الاوركسترا بمرجعياتها الغربية.
 
 
مرسيل خليفة في حفله بواشنطن: حضور بارز للموسيقى العربية المعاصرة(كاميرا على عجام)

في "كونشرتو الأندلس" لالة العود والاوركسترا، طاف خليفة عبر مجموعة من الاشكال الموسيقية العربية-الشرقية مثل: التقاسيم و"اللونغا" والموشحات، والغربية مثل "الفالس"و "الفلامنكو" وغيرها، ليصل الى توليفة غنية الاحالات تقدم صورة مشرقة عن الموسيقى العربية المعاصرة، وقدرتها على التأثير في الاخر والتفاعل معه، ودائما عبر حملها روحية الانسان العربي في تطلعاته الثقافية القادرة عن اقامة حوار لم تنجزه لا سياسات ولا تحالفات ولا افكار جاهزة ولا مؤسسات كانت تحمل عنوانا ضخمة فيما انجازها بلا اثر واضح.

تحية الى درويش في يوم ميلاده
وفي حين انجزت الموسيقى المجردة كما صاغها مرسيل خليفة في "كونشرتو الاندلس" خطابها الاتصالي مع الاخر، اختار صاحب اغنية "جواز السفر" ان ينهي اطلالته في واشنطن التي حضرها جمهور غفير ناهز الالفي شخص، فيه للعرب الاميركيين حصة مهمة، بان يغني اثنتين من اغنياته التي اتصلت بالشاعر الراحل محمود درويش، عبر استثمار يوم الحفل ذاته الذي صادف كما قال خليفة "عيد ميلاد صديقي ورفيق دربي الشاعر محمود درويش"، دون ان يهمل الاشارة الى تأييده لـ"الثورات والانتفاضات العربية في تونس، مصر، ليبيا، اليمن والبحرين وصولا الى فلسطين" التي جاءت متصلة مع حلم بالحرية للانسان العربي ظل ينشد اليه طوال نحو اربعة عقود .
وفيما صمتت الاوركسترا السيمفوني حين بدأ خليفة العزف بمشاركة ولده بشار، والغناء لاحقا، تحولت مئات الحناجر من بين صفوف الجمهور الى كورال ضخم متعدد الطبقات الصوتية، حد ان مرسيل خليفة الذي غنى من قبل قصيدة "ريتا والبندقية" مئات المرات من قبل، لن ينسى طريقة الاداء المؤثرة لها في حفله بواشنطن، مثلما لن ينسى ايضا ان تلك الامسية كانت قدمته صاحب رسالة ثقافية عربية عميقة للاخر الغربي والاميركي تحديدا.


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM