الكيالي واصدقاؤه في (عود شرق النهر): مغامرة محسوبة للظفر بجواهر اللحن العربي والشرقي

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       11/03/2011 06:00 AM


علي عبد الامير
حين تسمع بامسية موسيقية تتصدى للاشكال النغمية والقوالب الموسيقية العربية والشرقية، فانك تقع تحت نوعين متناقضين من المشاعر، الاول هو الحفاوة والاستعداد للتعاطي مع الفكرة بمحبة وثناء، والثاني هو القلق من تقديم مادة موسيقية رديئة، فتحت باب "الدفاع عن الاصالة" تنتظم امسيات وعروض موسيقية وغنائية فقيرة المحتوى، هي في حقيقتها اساءة لكل ما هو حقيقي واصيل في النغم العربي والشرقي.
وليس استثناء عن هذين النوعين من المشاعر، جاء الاحساس بان امسية موسيقية ستنتظم في عمّان، وتحتفي بالة العود والحان من النغم العربي الاصيل، دعا اليها العازف عبد الوهاب الكيالي، لكن معرفة ما تتصل بالعازف الكيالي وقدراته، جعلت مشاعر القلق تنزاح جانبا لتتقدم مشاعر الارتياح، لاسيما ان الكيالي كان طوّر مهاراته عازفا على العود منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، لا بل انه نافس على الجوائز المتقدمة للمسابقة الاولى في العزف على العود التي اقامها "المجمع العربي للموسيقى" العام 1999، وكان يستحق احد الجوائز الثلاث الاولى، غير ان لجنة التحكيم رأت غير ذلك وكان رأيها يفتقر الى الدقة، وهو ما ابلغته لرئيس اللجنة العازف والمؤلف القدير  نصير شمّه.
في امسيته (شباط 2011) التي حملت عنوان "عود شرق النهر"، انبرى عازف العود عبد الوهاب الكيالي واصدقاؤه: ناصر سلامة (إيقاع)، ومحمد طهبوب (كمان)، وعبد الحليم الخطيب (قانون)، ويعقوب أبو غوش (باص غيتار)، واساتذته: حسن الفقير (ناي)، وصخر حتر (عود) لمهة ليست بالهينة اليوم، بل هي اقرب الى المغامرة، فالوجدان العام مأخوذ ببوصلته المصرية وبقوة، مثلما تبدو الموسيقى الرصينة ليست في وارد اهتمام الجمهور العريض. لكن ورغم صعوبات كهذه فقد برع الكيالي واصدقاؤه واساتذته في تقديم واحدة من امسيات النغم العربي والشرقي الجميل في فضاء عمّان الثقافي، لتكون المغامرة محسوبة وبعيدا عن مفاجآت قد تطيح بمساراتها.

الكيالي واصدقاؤه: موسيقي اردني قوامه المحبة ومادته النغم الجميل
افتتحت الامسية بمقطوعة "شروق" للعازف والمؤلف العراقي الراحل جميل بشير، وكانت برشاقة لحنها معبرة عن التفتح الذي يعنيه الصباح والشروق، مثلما كانت فألا حسنا على ايقاع الامسية كلها، ونجاح الثلاثي: عبد الوهاب الكيالي (عود)، ناصر سلامة (إيقاع)، ومحمد طهبوب (كمان) في عزفها ادخل الامسية والجمهور في مزاج بدا رائقا وصافيا ما لبث ان تصاعد مع كل مقطوعة وصولا الى شاطىء النجاح والاجتهاد.
والاجتهاد في الامسية كان في تصدي الكيالي وصحبه لعزف اشكال وقوالب موسيقية شرقية وعربية منها "السماعي"، حين قدم الكيالي وناصر سلامة وباداء متقن من عازف الناي حسن الفقير، مقطوعة "سماعي صبا" التي كتبها عمر الفقير العام 1946 بحسب ما اشار الفقير الابن في معرض ثنائه على دعوة الكيالي المشاركة في احياء الامسية، وعزمه الوقوف الى جانب التجارب الموسيقية الشابة ومؤزارتها في مهمة الحفاظ على الموروث الروحي الموسيقي العربي الاصيل، فضلا عن كونه، اي الفقير العازف، يرى دائما ان الانسان يجد ضالته وجدوى روحيته في نبع النغم الجميل الذي يرتقي بالفكر والروح معا. وحين يتحدث حسن الفقير عن نبع الموسيقى فهو يعنيه تماما، ذلك انه ابن موسيقي اردني بارز، ونجله عمر الفقير، موسيقي اردني صاحب تجارب لافتة في مقاربة الجاز للنغم العربي والشرقي، فضلا عن كونه هو احد ابرز عازفي العود اردنيا وعربيا.
ما يحسب ايضا للكيالي انه حوّل امسيته الى فسحة غامرة بمشاعر العرفان والامتنان، فهو حين اعلن عن تقديم مقطوعة "سولاف"، اشار الى شعوره بالفخر بعزفها في حضرة مؤلفها غانم حداد، احد اعلام الموسيقى في العراق والوطن العربي، وجاء اداء المقطوعة متقنا لجهة حفاظه على الطابع التصويري لها، فهي تصور احد شلالات كردستان العراق، حد انك تسمع اندفاع المياه من علو الجبال الى بحيرة في احد الوديان بمحافظة دهوك الكردية، وهنا كان عزف محمد طهبوب (كمان) عاملا مؤثرا في تقديم المقطوعة بما تستحق.
مشاعر العرفان والامتنان ذاتها تكررت وهذه المرة مع عازف العود المتمرس صخر حتر، الذي هو من اخذ بيد عبد الوهاب الكيالي عازفا للعود منذ السابعة من عمره، وهو ما اثنى عليه الكيالي، معتبرا ان سيرته عازفا موسيقيا طبعها الفنان حتر ببصمات قوية.   ذلك ظهر جليا حين عزف الثنائي (الاستاذ والتلميذ المجتهد) مقطوعة "خطوة حبيبي" للموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب، افتتحت بتقسيم على العود قدمه ببراعة استاذ الموسيقى العربية صخر حتر.
وكانت مشاركة عازف القانون المجتهد في قدراته الادائية وحضوره المؤثر على المسرح عبد الحليم الخطيب في الامسية، حفلت بلمسات رشيقة اغنت الانغام واسهمت بايصالها الى الجمهور، وهو ما برز في تقديم مقطوعتين من الموسيقى اليونانية : "رقصة زابيون"، و"الفتيات الجميلات"، وكانت مشاركته منحت المقطوعتين روحا شرقية عبر زخرفة جميلة ابدعتها انامله.
الخطيب حضر ايضا مع مقطوعة "نوى" التي كتبها عبد الوهاب الكيالي، والتي تقدمه مؤلفا سيكون له تأثير مهم اذا ما ركز على هذا الجانب، فهو حافظ على الطابع النغمي الاقرب الى التطريب ولكنه لم يستغرق فيه كثيرا ومال الى تعبيرية محدثة حتى وان ظلت في اطار روحي فياض. ان الموسيقى العربية المعاصرة ستربح في الكيالي مؤلفا مهما، ان هو سار على هذا النهج في كتابة الموسيقى وكثف جهده الثقافي في هذا الجانب.
ويرى الكيالي أن الأمسية التي تضمنت ايضا عزف اعمال لمنير بشير(العراق)، جورج ميشيل(مصر) وأخرى لمؤلف وعازف مهم على العود هو أحمد الخطيب (فلسطين)، حملت اسم "عود شرق النهر"، لما "يتميز به عازفو العود في الأردن من انفتاح واتصال  مع مدارس مختلفة في العزف على العود ، وهو ما يوفر للعازف الأردني  حرية في التعبير عن هويته الروحية ومزاجه الموسيقية وفي ان يكون "شرقيا" ضمن فضاء "حر" في التعبير ومقاربة النغم".
هذا الجانب "الشرقي المتحرر"، تركز في جهد العازف على الالات الايقاعية: الطبلة، الطار، والرّق ناصر سلامة، فهو لم يكن فقط المحرّض على التئام الامسية الجميلة وحسب، بل في براعته عازفا ذكيا على الالات الايقاعية ومتحررا من القوالب دون التنكر لها.
هي امسية فريق موسيقي اردني مثابر، تقدمه ببراعة وحساسية عالية، عبد الوهاب الكيالي، وبما يشجع على تكرارها مرات، حتى تكتمل فرقة تغني الحياة الموسيقية الاردنية، وهي ان إلتأمت على هذا النحو الفني الرفيع، فسيكون لها حضورها الذي تستحق في الموسيقى العربية المعاصرة.


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM