حفاوة خاصة بالسياب وحدائق من الالحان في اسطوانة كاظم الساهر الجديدة (لا تزيديه لوعة)

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       11/03/2011 06:00 AM


على الرغم من ان حدائق من الالحان توفرت عليها اسطوانة المطرب والملحن كاظم الساهر الجديدة "لا تزديه لوعة"، الا ان لقاءه مع مواطنه الشاعر المجدد والرائد  بدر شاكر السياب عبر الاغنية التي منحت الاسطوانة عنوانها، كانت الابرز بين حدائق الالحان تلك، مع ان هذه هي المرة الاولى التي يقارب فيها الساهر شعر بدر شاكر السياب.
ومع ان صاحب "انشودة المطر" عملاق انساني في شعره وحياته الماساوية، الا ان الساهر لم يجعل التردد مدخلا لقراءة السياب بل قرأه بطريقة شخصية حتى انزله من رومانسيته المحلقة في فضاء انساني الى محليته البصرية.
الاغنية تبدأ بترانيم يتداولها بحارة البصرة في اندفاعهم نحو الخليج، وفق قالب غنائي معروف هناك ويمتد على ساحل الخليج يدعى (الصوت)، لاسيما ان الخليج ذاته هو الذي كان السياب رثاه في قصيدته " غريب على الخليج"، ولكننا نحن اليوم حيال قصيدة عاطفية من السياب لا اتصال فيها مع موضوعات صاحب قصيدة "الاسلحة والاطفال " كالاسطورة والمنفى والعذاب الانساني، وراح الساهر يوقّع القصيدة اعتمادا على لحن بصري الايقاع والروح، هنا اكثر من تحية .. تحية للسياب ، تحية للعراق الشقي العذب والمعذب تحية للبصرة وخصوبة روحيتها لحنا موسيقية وبيئة ثقافية واجتماعية.
واذا كانت هذه الاغنية تسجل ابتكارا بارعا آخر لصاحب اغنية "انا وليلى" فان اغنية "دلع النـساء" التي كتبها الشاعر كريم العراقي، تسجل ابتكارا آخر للساهر، فهو لحنها عبر لحن راقص معاصر، يستفيد من ايقاع "التكنو" ولكن دونما سذاجة، بل كان محسوبا، وجاء ذلك الاستخدام معقولا لا سيما انه يقارب دلع النساء وكيدهن وحيرة العاشق هنا تاتي عبر سؤال : ما الحل؟
وفي لمسة ابتكاره الجديدة، جعل غناء القصيدة الفصيحة الذي ارتبط عميقا مع مسيرته الغنائية الحافلة، ممكنا على لحن راقص يعتمد ايقاع التكنو، وفق توزيع موسيقي لافت صاغه كريم عبد الوهاب.
وعلى سيرة الحب ضمن الالحان الايقاعية الراقصة، تاتي اغنية "الحب"، لكن هذه المرة دونما ايقاع "تكنو"، بل تولت الاوركسترا توفير نبض عال قارب الايقاع السائد في الغناء اللبناني لكلام اقرب الى الرأي الشعبي المتداول عن الحب.
واذا كانت الاغنيات الثلاث شكلت علامات فارقة بالذات في "لا تزديه لوعة" و" دلع النساء" فان مستوى من الطرب بشحنات عالية جاءت عليها ثلاث اغنيات اخرى هي :
"جالسة لوحدك " التي كتب كلماتها الساهر ذاته ولحنها من نبع الطرب العميقن بينما  جاء اداؤه مفعما بروحية شرقية احسن الموزع هشام نياز تعميقها في اللحن عبر اختيار الرق والعود لكن دون اخفاء التعبيرية الرقيقة للساهر في ادائه ولحنه الذي قارب ما يعرف بـ"سموث جاز".
وليس بعيدا عن الطرب جاءت اغنية "حيارى يا زمن"، واسهم النص الذي كتبه كريم العراقي وجاء بالدارجة المصرية في دفع الاغنية الى مرتبة التفوق تلك التي كان الساهر وصلها عبر اكثر من اغنية صاغها طربا جميلا اعتمادا على نصوص بالمصرية الدارجة.
بينما تواصلت  شحنات الطرب عبر اغنية "ماذا بعد"، فمع نص جميل لحنين عمر، ولحن اجمل اسهم في جماليته توزيع المايسترو المقتدر فتح الله احمد، تتصاعد الرقة البالغة في نداء شوق مجروح:
"يا قلب قد ضاقت عليك الاضلع
بين الجراح جعلتنا نتسكع
ماذا ماذا بعد؟"


ومن الالحان التعبيرية الحافلة بروح الابتكار كانت اغنيتا " خلاص اليوم" و"اثاري الزعلي"، ففي الاولى ثمة تصوير جميل لحالة التأسي، وجميل فيها هذا الشجن الذي عمّقه لا لحن الساهر التعبيري  الهادىء وحسب، بل في اداء شجي لنص رقيق كتبه الشاعر الغنائي داود غنام، بينما الثانية التي كتبها الساهر توفرت على لحن هادىء، واداء الساهر لها كان فيه استرخاء جميل، لكن العنوان مقفل لا ايحاء فيه ولا دلالة عاطفية، كالتي قصدتها الاغنية على الاقل في الاداء واللحن.
بين حدائق الالحان ايضا جاءت الالحان الخليجية، ومنها "يا سيدي المحترم"  التي كتبها الأمير محمد بن عبدالله الفيصل ولحنها محمد شفيف، وكان تقليديا محافظا على نمطية اللحن السعودي ورتابته، التي حاول التقليل من تأثيرها، التوزيع المدروس للمايسترو فتح الله احمد. وثمة اغنية سعودية اخرى هي "ممكن توصلني  السور" التي كتبها الأمير بدر بن عبد المحسن ولحنها محمد شفيق، وهي حفلت برهافة في النص حاول اللحن واداء الساهر تعزيزها.
كذلك حضر اللحن الاماراتي عبر اغنية "مرت على بالي" التي كتبها الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولحنها فايز السعيد، وهي تجربة كان بدأها الساهر ببراعة العام 1996حين قارب نصوص الشاعر الشيخ محمد بن راشد واظهر فيها التماعات نغمية براقة عبر اسطوانة "اغسلي بالبرد".
كما حفلت الاسطوانة بما يمكن تسميته "المستوى العراقي الشعبي" كما في اغنية "ما أحبك بعد" ، وفيها غلب المستوى الشعبي السائد في اللحنية العراقية منذ نحو عقدين،  وهذه الاغنية لا ترقى لمستوى الساهر ومكانته، و قد يكون التنوع وارضاء طائفة اكبر من الجمهور هو ما قصده، الامر الذي تكرر في اغنية "يابو العيون السود" المستمدة من الفولكلور الغنائي العراقي.


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM