نقد أدبي  



في إنحطاط الثقافة العراقية: صدام حسين روائيا للمرة الثالثة

تاريخ النشر       23/01/2011 06:00 AM


عمّان – علي عبد الأمير
بدا التطابق تاماَ بين سيرة الرئيس العراقي صدام حسين وبين بطل الرواية الجديدة " رجال ومدينة" التي كتبها مؤلف "زبيبة والملك"و "القلعة الحصينة" والذي يرجح المثقفون العراقيون انه صدام ذاته .
وتقع الرواية بجزئها الأول في 313 صفحة وتضم في فصولها كشفاَ لأدوار بطلها ( صالح السيد حسين المجيد ) ومعه استبدل صدام اسمه الأول بصالح، فيما جاء في المقدمة انها "رواية تفصح بثقة عن شخصية كاتبها كون احداثها لم تكن نصباَ من الماضي او رمزاَ تاريخياَ مجرداَ وانما هي سيرة ناطقة لحياة شعب من خلال حياة فارس تعفف منذ نعومة اظافره عن التورط في اللامبالاة وترك الوطن يحترق"، وانها تتحدث عن سيرة "فارس مغوار غير هياب،  يلوّح للمجد لكي يدنو منه".
وفيما يطنب نقاد وكتاب عراقيون في الحديث عن "عبقرية" صاحب "رواية لكاتبها" ، وكيف انه روائي مبدع فذ وانه اضافة الى روايتيه السابقتين، اخذ الرواية العراقية الى مسارات جديدة بحيث يمكن دراستها الى مستويين:  ما قبل ظهور "رواية لكاتبها " وما بعده، الا انه ظل في مدار فجاجة الكتابة وركاكتها حيث يقدم روايته الجديدة "رجال ومدينة" واصفاَ اياها: "سيرة تنطق باسم النضال بعد ان نقب عن منابعه الأصلية وتفيأ بوهج الأمل، لتنفض عن كل دواعي التقوقع ( ... ) بعد ان تزود بمهماميز العثور على ذاته" .
توفيق : قلادة ابداع
 ويقول القاص والروائي أمجد توفيق عن "رجال ومدينة" انها "تقدم، وهي تعالج موضوعها الصعب، قلادة مضفورة في وعي مبدع لخريطة الفعل والحدث والفكرة التي تحيل العمل الابداعي ضوء كاشف للذات والموضوع والهدف مع التمسك الكامل بمتعة فنية نبيلة لا يتخلى عنها الا لكاتب وهو يملأ اعيننا بالدموع بسبب وضع مؤلم تارة ، ويجعلنا نضحك وهو يستعرض مفارقات وطرفاَ تارة اخرى .. ان الكاتب يستغل الشكل الروائي ويغنيه بالافكار عبر معمار فني هو الاكثر تأثيراَ وقدرة على ايصال رسالته، لذلك تصبح رواية – رجال ومدينة – وثيقة حية نابضة ومشوقة لاحداث وزمن وتداخلات ونضال شاق  وتقدم لقارئها المتعة والمعلومة بطريقة تحترم ذكاءه، وتدعوها للتفكير والانفعال والمشاركة" .
ويلفت توفيق في مقالة نشرتها صحيفة "الثورة" الى ان "المشهد الروائي العراقي يعتز بالاضافات المبدعة التي قدمها الكاتب الكريم عبر "زبيبة والملك"، و "لقلعة الحصينة"، و "رجال و مدينة" مما يجعل الرواية في العراق تعيش عصر تألقها، وهي تغتني بشواهد مبدعة، وطاقة أصيلة قادرة على الاضاءة وخلق التأثير الذي يصبح حافزاَ للابداع" .
حمودي : كاتبها من "أهل البيت"
من جهته يرى الناقد باسم عبد الحميد حمودي ان رواية "رجال ومدينة" تتناول التجربة السياسية والنضالية للعراق الاشم في مرحلة من ادق مراحل تاريخه، وهي مرحلة متعددة الازمنة تبدأ منذ عام 1935 قبل ولادة بطل الرواية ( صالح حسين المجيد ) بسنتين وتمتد حتى احداث عام 1941 متجاوزة ذلك الزمن النضالي حتى قيام ثورة مصر 1952 والثورة في العراق 1958 ومنتهية وقائعها يوم 8 تشرين الاول 1959 يوم غادر بطل هذه الملحمة وكر الشباب الذين قاموا بالتصدي لسيارة كريم قاسم عصر ( 7 ) تشرين الاول 1959 ليضعوا حداَ برصاصهم لدكتاتورية مثقلة بالدماء وبقتل المناضلين من البعثيين والقوميين ولكل من اعلن انتماءه لمبادئ الامة العربية ".
ويضفي الناقد حمودي على كاتب الرواية "قدسية" حين يقول انه من "اهل البيت" في اشارة الى ما أعلنته وسائل الاعلام العراقية في السنوات الاولى لوجود صدام حسين في منصب الرئاسة من انه "سليل آل بيت الرسول محمد ( ص ) "، ويقول في مقالة له نشرتها صحيفة "الجمهورية" انها "رواية كتبها رجل من اهل البيت وليس في هذا تميزها الفرد، بل لأن كاتبها الكريم امتاز بالدقة والصراحة وذكر الحق دون غيره وغرف من مناقبيات اسرة ( صالح المجيد ) وتاريخها في قرية ( ام القرى ) المجاورة لمدينة ( بنت النهر )، حيث عزّ الاسرة وتفاصيل الكثير من تاريخها ومسيرتها، كعائلة شديدة التأثير على مجتمعها بشجاعة رجالها الذين ذبح اجدادهم الترك قبل عقود، وشهامة فتيتها الذين ذادوا عن قيم النبل ودافعوا عن شرف الجيرة ممثلين بالشاب السيد حسين المجيد، اضافة لكونهم في مرتبة اجتماعية ودينية عالية المستوى عند المسلمين عموماَ وهم علويون نسباَ وسادة حسينية اساساَ وهاشميون انتماء وجذراَ" .
  ورواية "رجال ومدينة" تستعيد محطات من حياة صدام ( صالح ) حسين المجيد : " صلى صالح وحيداَ متوجهاَ الى الباري تعالى وحده ذلك الفجر ليختار الطريق الذي لا رجعة عنه طريق البعث العربي، ولم يتم ذلك فوراَ في ذلك الصباح في "ثانوية الكرخ"، فقد بدأ الحوار بينه وبين من دعاه قبل الدرس الاول وفي الفرصة الاولى والثانية وقبل ان يبدأ الدرس الثالث قال لرفيقه مطمئناَ ( نعم، اقبل ان انتمي لحزب البعث العربي الاشتراكي وسيكون انتمائي اليه بكل كياني وروحي ولن احيد عن مبادئه لاعلاء شأن الامة والشعب )، وما حاد ( صالح ) بعد هذا منذ ان استلم اول نشرة بعنوان (بماذا تتسم حركتنا) الى يومنا هذا، ما حاد وهو يقاتل الجبن والانتهازية وما حاد وهو يتصدى لقاسم وسط شارع الرشيد، ولم يحد وهو يقاتل العدوان على الامة العربية وعلى العراق بكل صوره مستلهماَ تاريخ امته وحياتها العريضة في عمق الحضارة الانسانية، وهكذا تكوّن صالح فكرياَ ونضالياَ وتعملق قائداَ عربياَ كبيراَ منذ الخروج من وكر الحزب بعد ان اجرى عملية اخراج الرصاصة من قدمه بيده وبدون مخدر وبعد ان وجد ان المكوث وسط ظلام الوكر بانتظار الاعتقال عملاَ غير نضالي، فأختار ان يخرج للدنيا من جديد، جريح القدم ولكنه غير جريح المبادئ ولا القيم بل شجاعاَ متعملقاَ مشدوداَ لتجربة النضال الجديدة حيث ارتحل الى دمشق عبر الصحراء منها الى القاهرة، وهما تجربتان لم تقلهما رواية (رجال ومدينة ) بعد وربما قالتها في جزئها الثاني، لكن المهم ان صالحاَ بن السيد حسين المجيد خرج من الوكر تاركاَ من اختار ان يبقى ليدخل امتحاناَ جديداَ واسعاَ للمبادئ والقيم التي نذر نفسه و حياته لها فكانت هجرة النفس الى الاعماق وهجرة الذات المثقلة بهموم الامة الى داخل الامة حيث عاش وانتصر واصبح" .
  وكانت سيرة صدام حسين تحولت رواية كان الشاعر الراحل عبد الأمير معله كتبها في جزئين وحملت عنوان "الأيام الطويلة" لتتحول فيلماَ سينمائياَ للمخرج المصري توفيق صالح، ادى فيه دور صدام قريبه الشاب وصهره لاحقاَ صدام كامل الذي قتل لاحقاَ بعد عودته الى بغداد في شباط ( فبراير ) 1996" تائباَ"، اذ كان هرب وشقيقه حسين كامل الى الأردن واعلنا من هناك برنامجاَ لاسقاط الحكم في العراق .

*نشرت في "الحياة" العام 2002



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM