عمّان – علي عبد الامير أسم آخر في الموسيقى الاردنية، يجمع الموهبة الى المعرفة العلمية، انه عازف العود ايليا خوري العائد الى وطنه من تركيا، حيث انهى متطلبات دراسة الماجستير عبر بحث درس بعمق "الاساليب العربية والتركية في الاداء على آلة العود". بحث خوري (26 عاماَ) كان تحت اشراف أحد ابرز عازفي العود وملهم عدد كبير من الموسيقيين في الشرق عموماَ وفي تركيا بشكل خاص، وهو الدكتور ملتو تورون. وفي بحثه يعيد العازف الاردني وصاحب اللمسات البارزة في العزف على العود التي نهلها من ينبوع متدفق للنغم الرفيع، استاذه الراحل منير بشير، المقاربة بين الموسيقى العربية والتركية الى جوهرها المشترك، فهما "ينتميان الى عمق حضاري واحد، هو الحضارة الاسلامية وان أمر الخلاف بينهما غير وارد فعلياَ، وعملية الفصل تستند في حقيقتها الى اسباب سياسية تتعلق بالسيطرة العثمانية على العرب ومحاولات بعض السلاطين طمس الهوية العربية"، كما يخلص الى ذلك خوري في بحثه الذي يراه "من البحوث النادرة في مجال تبيان خصائص العزف على العود عربياَ وتركياَ".
ايليا خوري(عود) في عرض موسيقي بالعاصمة الاردنية
ايليا خوري الذي قدم عرضاَ صحبه عدد من العازفين: فادي الياس (كونترباص) وتانيا الطوال (غيتار) وناصر سلامة (ايقاع)، أبرز فيه قدراته كعازف منفرد على العود، وعلى ادراكه قيمة تقديم الموسيقى بشكل تجريبي لا يخرج على البناء الكلاسيكي، يرى في ان "حضارة الشرق عظيمة ومدهشة، والجانب الموسيقي في تلك الحضارة مشع ومؤثر في الوجدان، الاّ ان كل هذه الحضارة لم تنتج عازفين في الوقت الحالي على مستوى من المهارة والإتقان، يتناسبون في عددهم مع السعة البشرية لبلدان الشرق". خوري الذي كان اشترك مع عدد من العازفين اثناء الدراسة في المعهد الوطني الاردني للموسيقى في تشكيل مجموعة موسيقية قاربت "التخت الشرقي" وحملت عنوان "مجموعة الشريف محي الدين حيدر"، يراهن على قدرة البناء الكلاسيكي في الموسيقى العربية وفي اساليب العزف على العود، وان هذا البناء قادر على الوصول الى قطاعات عريضة من الشباب فيما لو أحسن تقديم العود، ليصبح مرادفاَ للجانب العاطفي والوجداني مثلما آلة الغيتار ترتبط بالعاطفة ومشاعر الحب في الغرب. وكان خوري بعد تخرجه من جامعة اليرموك ودراسته الموسيقية مشغول حتى هذه الايام، بنقل كل الخبرات والمعلومات والاساليب التي أخذها عن استاذه منير بشير وصهرها ضمن "ميثود" خاص به، يكتبه ويجعله هادياَ للعازفين على الآلة الموسيقية العربية الاولى: العود. في هذا الشأن يشير خوري الى "خلل" في تعليم العزف على آلة العود، والحفاظ على مدونات اساطين العازفين الرواد على الآلة، فدائماَ يتم التعلم وفق اسلوب السماع دون الاهتمام بالتدوين (النوطة). والأمر ذاته ينطبق على حفظ اعمال الرواد، كأعمال الموسيقار الشريف محي الدين حيدر، صاحب المدرسة المعاصرة المعروفة في العزف على العود، التي تخرج منها عمالقة العزف: جميل ومنير بشير، سلمان شكر وغيرهم. وبشيء من الحماسة المحببة يتحدث خوري عن الموسيقى العربية، لافتاَ الى ان "الخط اللحني الواحد فيها هو من العمق بحيث يعادل الزخم الذي تقدمه الاوركسترا الغربية" ويشدد على ان "أحادية" الموسيقى العربية ميزة لها، وليست نقيصة. نال خوري وبشهادة استاذه التركي شهادة مؤثرة حين قال له "انت حفيد الشريف محي الدين حيدر" فيما قال عنه كبير موسيقيي تركيا إحسان أوزغان "الطالب القادم من الاردن سيصنع شيئاَ مميزاَ لآلة العود". *نشرت في "الرأي" الاردنية العام 2000
|