نصير شمة يرتجل مع عراقيين مغتربين ويصوغ نغماَ رفيعاَ لـ (عيون) المصرية
ِعلي عبد الامير
تاريخ النشر
20/01/2011 06:00 AM
في مهرجان الموسيقى العربية العاشر نصير شمة يرتجل مع عراقيين مغتربين ويصوغ نغماَ رفيعاَ لـ "عيون" المصرية
القاهرة - علي عبد الامير نوّه عازف العود والمؤلف الموسيقي العراقي نصير شمة بموضوعة "الارتجال في الموسيقى الآلية العربية"، كونها الموضوعة النظرية التي ناقشها باحثون و اكاديميون وموسيقيون في مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية العاشر الذي نظمته "دار الاوبرا" المصرية، ولتكن مدخلاَ لجانب من الحفل الذي أحياه ضمن أمسيات المهرجان، فهو "أرتجل" على اكثر من قالب موسيقي عربي وعراقي صحبة عازفين عراقيين مغتربين شاركوا في المهرجان ضمن "فرقة المقام العراقي". فيما كان الجزء اللافت في عرضه الموسيقي ذهب الى "فرقة عيون" التي أسسها صاحب "قصة حب شرقية"، منذ اقامته في مصر قبل ثلاث سنوات بالتعاون مع عدد من الموسيقيين المصريين الشبان المأسورين بنهج آخر يرى في الموسيقى العربية نشاطاَ ثقافياَ رفيعاَ وليس مجرد عرض تسلية عابر. وفي أرتجاله تداخلاَ مقامياَ عراقياَ عبر حوار مع آلة "السنطور" التي يعود تاريخها الى عام 2500 قبل الميلاد وبحسب اداء للعازف وسام العزاوي، وتنويهه عن القيمة التاريخية والفنية لهذه الآلة الموسيقية العراقية (انتقلت لاحقاَ الى بلدان الشرق شمال العراق وشرقه) كما ثبّتها الباحث العراقي د. صبحي أنو رشيد، فأن نصيرشمة كان دون ان يقصد يلخصّ راهناَ عراقياَ قلقاَ: فها هو المقيم في مصر، يحاور العازف المقيم في هولندا ويثني على جهد الاكاديمي والباحث المقيم في ألمانيا!!
ومع عراقي مغترب أخر هو عازف القانون جميل الاسدي، قدم شمّة ارتجالات مشتركة، أصبحت مقطوعة محايثة للمقطوعة الأصلية: "شلالات"، التي كتبها وأبدعها عزفاَ وتوزيعاَ بحسب حساسيته المرهفة وخطواته التحديثية الراحل جميل بشير (توفي عن خمسين عاماَ). وصاحب "اشراقات" هنا يوجه أشارة عرفان مركبة، فهو يثني على موسيقي بارع لطالما كان يعتبره الأقرب اليه تأليفاَ وحساسية في العزف على العود، ويشارك عازفاَ على القانون هو تلميذه الذي كان تدرب على يده في بغداد للاعوام 1986 -1989، ويستحضر ملمحاَ بيئياَ من العراق "الشلالات" الدالة على جمال كردستان وطبيعتها. وضمن موضوعة "الارتجال" ذاتها، استضاف شمة، عازف العود السوري حسين سبسبي، وألتقت مدرستان في العزف على العود: العراقية وميلها الى التعبير والتصوير، والسورية المتصلة أصلاَ بالمدرسة المصرية وميلهما الى التطريب. وفي حين ارتجل سبسبي تنويعات على اللحن الأصلي لـ "يامال الشام" كان نصير يصوغ تنويعات على لحن عراقي صميم "فوق النخل". مشروع شمة في صوغ نغم عربي رفيع، يتمثل في "فرقة عيون" التي شكلها مع اقامته في مصر مشرفاَ على " بيت العود العربي" في دار الاوبرا المصرية قبل نحو ثلاث سنوات، وهو في عمله مع الفرقة ينتقل من صورة عازف العود المنفرد الى فكرة المؤلف والموزع الموسيقي، مشيعاَ بين اعضاء الفرقة: عمرو حسن (رق)، صلاح عظمة (كونترباص)، عماد عبد المنعم (تشيللو)، هاني البدري (ناي)، صابر عبد الستار (قانون)، نهاد السيد (عود)، غندور الغندور وسعيد كمال (كمان)، نهجاَ يصوغ حضوراَ للموسيقى العربية الآلية (دون غناء)، في الوقت الذي يؤكد منتقدون ان الموسيقى العربية مستغرقة تماماَ في طابعها الغنائي وانها غير قادرة على اقتراح انغامها الآلية المجردة. في اعماله لفرقة "عيون"، أكد شمة على ترسيخ معالم الرصانة والرسوخ النغمي الموروث ولكن ضمن أفق معاصر، يعتمد التعبيرية والتصويرية ومساَ خفيفاَ للتطريب. مقطوعاته: "ليالي الحلم"، "هلال الصبا"، "لو كان لي جناح"، "زيارة مقدسة" وتنويعات على لحن عبد الوهاب الذي غنته أم كلثوم "ودارت الايام" بدت أكثر اشراقاَ مما لو كانت عزفت على آلة العود لوحدها، ويبدو ان اتقان نصير توزيعها موسيقياَ، منحها قدرة على التأثير في المتلقي حين تعددت جمالياتها نغمياَ، بتعدد قدرات الالات تعبيراَ واداءً.
لمسة نصير شمة في أفقها المصري تتضح ايضاَ في المستوى الفني الطيب لعازفي "بيت العود العربي" عبر فرقة تشكلت من الدارسين لفنون العزف على الآلة العربية والشرقية بحسب اسلوب نصير وروحيته. ومع عازفين شبان وعازفات من مصر وعدد من الدول العربية اقاموا في القاهرة للدراسة، أمكن لصاحب اسطوانة "رحيل القمر" ان ينوّع مهارات في الاداء جعلت من العود مدخلاَ لقراءة عميقة وجديدة للنغم العربي، وقدرة على صوغ مهارات فردية وجماعية في آن عند العازفين، فهم يحثون الخطى نحو مستوى يمكنّهم برفعة عن صورة الموسيقي العربي الشاب، ومحدثين شرخاَ في صورة للموسيقى العربية المعاصرة يحاول تشكيلها بحسب ملامحهم مئات المطربين والمطربات العرب. *نشرت في "الحياة" العام 2001