الموسيقى حين تتحول مفهوما اتصاليا مؤثرا: نظرة الى "سوق عكاظ" الأردني
هناك من يقول، حاسماَ النقاش حول علاقة الموروث بالجديد، ان "الموروث يجب أن يتآلف مع الجديد والا فلا حاجة لنا به"، ويبدو ان هذه الفكرة انتظمت لتتحول معطيات واقعية في منهاج "سوق عكاظ" الذي ينظمه وللعام الثاني على التوالي "مركز الشرق الأوسط الأردني للثقافة والتطوير". فالفعاليات الفنية تندرج في مزيج من العروض المثيرة للجدل إذ تعتمد تناسقاَ ليس من السهل التوفر عليه، هو التناسق بين الموروث والجديد. امسية غنائية ثنائية يحييها المطرب العربي اللبناني وديع الصافي والفنان الاندلسي الشاب خوسيه فيرنانديز يقدمان فيها مزيجاَ من الموسيقى والغناء اللبناني المصحوب بموسيقى وغناء "الفلامنكو" الاسباني . وسيقدم عازف العود والمؤلف الموسيقي العراقي نصير شمه وفرقة "عيون" التي اسسها صاحب موسيقى "حلم مريم" خلال وجوده في مصر مشرفاَ على المؤسسة العربية الوحيدة التي تدرّس فنون العزف على آلة العود "بيت العود العربي"، عدداَ من مؤلفاته والمقطوعات المأخوذة من ألحان غنائية شكلت جزءاَ من الذخيرة الوجدانية العربية المعاصرة، وضمن مزيج مؤثر بين الموروث والجديد .
جبل القلعة في عمّان حيث كان "سوق عكاظ" يقيم تظاهرته السنوية (كاميرا علي عجام)
المفهوم الإتصالي المعاصر الذي يقوم عليه "سوق عكاظ" بنسخته الجديدة، لا يعني الإنقطاع عن الموروث الوجداني بل هو يوفر الفرصة لتقديمه، فثمة الشيخ احمد جلمام ومجموعته الموسيقية من تونس، حين يقدم "حزب الطيف"، وهو مزيج من الانشاد الصوفي والنفحات الوجدانية التي تعيد المستمعين والمشاهدين الى روحانية التراث العربي الاسلامي . الفكرة ذاتها، أي مزيج الموروث والجديد، حاضرة ايضاَ في عرض موسيقي تؤديه الفنانة اللبنانية (حنين) وفرقتها الكوبية، ويجمع بين موسيقى اميركا اللاتينية والغناء العربي في استعادة من نوع خاص لاغنيات اسمهان وفريد الاطرش ومحمد عبد الوهاب وغيرهم من اساطين النغم العربي في درسهم العميق حين كانوا على اتصال مع ألحان ( الآخر ) الأكثر رواجاَ في عصرهم : الموسيقى اللاتينية ، وترافق صوت (حنين) المتدفق اداء روحياَ عذباَ، ايقاعات متنوعة ونابضة من الوان موسيقى اميركا اللاتينية "سالسا وتشاتشا ورومبا وغيرها" تعزفها الفرقة الكوبية التي تضم عازفين
مقتدرين.
وموضوعة الجديد وعلاقته بالموروث ليست بعيدة عن حال مجتمعات ناهضة في افريقيا، حين تتولى مصممة الرقص السنغالية جيرمان اكوغني تقديم عرض بعنوان "تشواري" يبرز منتهى القوة والجمال واللغة التعبيرية لرقصة ذات جذور عميقة في افريقيا مستندة الى نص شعري للشاعر الفرنسي كزافييه اورفيل . و"التشواري" هو البخور الطبيعي الذي تستخدمه نساء السنغال لتعطير منازلهن وملابسهن لجذب الازواج واغوائهم . ويشارك في الدورة الثانية لـ"سوق عكاظ" المطرب الجزائري ونجم موسيقى "الراي" الشاب خالد الذي تمكن من مزج موروث "منطقة القبائل" بألحان غربية معاصرة، وهو ما سيؤكده صاحب اغنية "ديدي" في حضوره اردنياَ . وفيما يشارك العازف الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة والمرموق عالمياَ سيمون شاهين بعرض موسيقي مع فرقته "القنطرة"، متنقلاَ بين الموسيقى العربية القديمة وموسيقى الجاز، يكون المزج بين الموروث والجديد قد حضر في عرض موسيقي لن يكون الا رصيناَ، وهو ما تؤكده المراجعة الأولية لغير اسطوانة من موسيقى شاهين . وتأكيداَ لربط "سوق عكاظ" بالمكان الأردني، فقد خصصت فعاليات اليوم الاخير من الحدث الفني والثقافي كي تقام على "المدرج الروماني"، وبتوقيع موسيقي اردني لا تشغله قضية، مثلما تشغله قضية الموسيقى المعاصرة في عرض رصين، فطارق الناصر ومجموعة "رم" سيقدمون فناَ موسيقياَ رفيعاَ، سبق لهم ان أكدوه قبل اسبوعين في ثلاث عروض لافتة شهدتها عمّان .
* نشرت في صحيفة "الرأي" الاردنية العام 2002 |