علي عبد الامير* ابرز ما ميز القرن الفائت في الثقافة العربية، هو تحدي الحداثة الذي أوجبه لقاء العرب بايقاع العصر، وازاء هذا التحدي انبرى كتّاب وباحثون وادباء وفنانون الى مهمة قد تكوّن الوعي العربي الابرز للحداثة، وهي مهمة تأصيل الحداثة واعطائها ملامح محلية. هذه المهمة تأكدت وترسخت بعد قرن تقريباَ ملؤه بحث العرب عن هويتهم، وبدونها بدأ الحديث او الاعلان عن حداثة اي مشروع معرفي وفكري وثقافي اقرب الى اللغو الفارغ فسقطت حداثات "النخبة"، فيما استمرت وتواصلت مشاريع حداثة رأت ان تأصيل اسئلة العصر وبحثها عربياَ هو القادر على نقل الحركة الاجتماعية والفكرية العربية نقلات واضحة ومتواصلة دونما انقطاعات اقرب الى الاستعراضات. هنا لايمكن الا الوقوف عند الاثر الكبير لفكر طه حسين الذي اعطى الحداثة ملامح اصلية عربية الهوى والمعنى، ولخطاب راوح بين الشعري والفكري لامين الريحاني، ولفكر نقدي اجتماعي الذي مثله فكر عالم الاجتماع علي الوردي . هذا النهج الفكري قابله جهد تحديثي في الادب، مثّله السياب وصلاح عبد الصبور وادونيس وسعدي يوسف في الشعر، ونجيب محفوظ وغائب طعمة فرمان وغسان كنفاني في الرواية، ويوسف ادريس ويحيى حقي في القصة القصيرة، وعلي جواد الطاهر وغالي شكري في النقد الادبي . تأصيل الحداثة في الفنون المعاصرة تابعه جيل رائد حقيقي، فكان جواد سليم في الرسم والنحت وسامي عبد الحميد في المسرح وصلاح ابو سيف في السينما .. وفي الفكر الديني والتاريخي لا يمكن تجاوز اثر فيصل السامر وحسين مروة وعلي عبد الرازق، بينما في الفكر السياسي برزت فكرة تأصيل الليبرالية في اعمال جورج طرابيشي وحازم صاغية وعلي حرب، وفي اللغة يحضر عمل مهدي المخزومي وابراهيم السامرائي والعلايلي، وفي فنون الغناء والموسيقى لايمكن نسيان العمل الكبير لمحمد عبد الوهاب والرحابنة وجميل بشير وبليغ حمدي . اجيال الرواد وهي ترسخ مهمة تأصيل الحداثة، فتحت المجال لاجيال لاحقة ففي الشعر كان عمل محمود درويش لافتاَ وحين ترسخت قصيدة النثر، بدا حاضراَ شعر سركون بولص، وفي القصة القصيرة محمد خضير، وفي النقد الادبي عبد الله الغذامي، وفي الرسم رافع الناصري، وفي المسرح جواد الاسدي وقاسم محمد، وفي السينما عاطف الطيب ومحمد خان والاخضر حامينا وداوود عبد السيد وفي التلفزة اعمال وحيد حامد ( مؤلفاَ ) وعمانوئيل رسام ( مخرجاَ ). ومع ملامح حداثة في العمل الصحافي فكراَ وسياسة وثقافة ترسخت في اواخر القرن الفائت، برز عمل صبحي حديدي وسعد البزاز، وحازم صاغية وعلي الشوك وابراهيم العريس وامجد ناصر. وفي فنون الغناء والموسيقى برزت قضية تأصيل الحداثة كما في أعمال : زياد الرحباني ونصير شمة وكاظم الساهر وكوكب حمزة . حداثة من نوع آخر كانت في الكلام المحكي والموروث اللساني تجسدت شعرياَ عند مظفر النواب ونجيب سرور واحمد فؤاد نجم ، وفي الرواية كما عند شمران الياسري ( ابو كاطع ) . ولو عدت الى الشق الثاني من الاستفتاء والخاص "بالعام الواقع بين قرنين" فأن كتابين في نقد الادب وتذوق الشعر هما ابرز ما توقفت عندهما وهما كتاب الناقدة فاطمة المحسن عن سعدي وكتاب الشاعر فوزي كريم " ثياب الامبراطور"، الى جانب كتاب تصدى لجانب حي من جوانب قضية تأصيل الحداثة، وهو كتاب نادر وفذ لا في اختصاصه فحسب بل في تقديم العمارة كمعطى فني وثقافي كتبه الدكتور خالد السلطاني وحمل عنوان "رؤى معمارية" . وضمن فكرة تأصيل الحداثة ذاتها ، توقفت خلال العام الماضي عند قصص نجم والي "فالس مع ماتيلدا"، وشعر طالب عبد العزيز وهاشم شفيق وعبد الخالق كيطان، وعند العمل المعرفي نشراَ وكتابةَ لخالد المعالي، وشاهدت بأستمتاع تام فيلم "ارض الخوف" لداوود عبد السيد ومعرض "فنانون من وادي الرافدين" الذي شهدته "دارة الفنون" الاردنية ضمن تظاهرة "فنون وأداب وادي الرافدين" فيما جرحني بعمق وهالني الغياب المفاجئ .. للروائي والناقد والفنان الموسيقي اسعد محمد علي ليقطف الموت في المنفى قلباَ طاهراَ وروحاَ نقية من النادر ان تتكرر في المشهد الثقافي العراقي الذي صار نهباَ لمؤسسات تشريع "الارتداد" و "الخيانة" في الداخل والتنصل من الملامح الوطنية في الخارج !
*نص اجابتي على استفتاء القسم الثقافي في صحيفة "القدس العربي" الصادرة في لندن والخاص ببدء قرن جديد مع العام 2000.
|