عمّان – علي عبد الامير ترى الاكاديمية والناقدة والاديبة الاردنية المقيمة في بريطانيا د. فادية الفقير ان على المثقفين العرب والمسلمين الى الحضور في المحافل الثقافية الغربية مشيرة الى ان غياب المثقف العربي، ترك المجال مفتوحاَ لجهات عدة تسعى الى وصف العرب والمسلمين بالارهاب . و كانت الفقير التي تعمل استاذة في معهد الدراسات الشرق أوسطية والاسلامية في جامعة "دورام" البريطانية، عرضت في محاضرة لها بالمركز الثقافي البريطاني في عمّان برنامجاَ اذاعياَ، كانت ساهمت فيه كأديبة اجنبية تعيش في بريطانيا، وتعرض من خلاله لرؤاها عن المكان الجديد، وعلاقته بالمكان القديم، مهدها وموطن وجودها الانساني الاول . وفي انجليزية صافية ، اختلطت فيها صياغات الشعر بالاشكال السردية المعروفة في القصص وبالافكار، قدمت الفقير نصاَ مذهلاَ بعنوان "شجرة الياسمين ... نظرة من الخارج"، تمحّور حول بعد مكاني واجتماعي ووجداني هو شجرة الياسمين، بصفتها المكان الذي كان يجذب الفقير دائماَ الى حركة والدتها في بيت العائلة في عمّان، وانطلاقاَ من هذا المشهد كانت تتابع شجرة الياسمين، في بريطانيا ليس بصفتها شجرة وحسب، وانما النظرة اليها، مكانها، علاقة الناس بها، عطرها، مقاومتها لظروف البيئة الشمالية البريطانية .
د فادية الفقير وغلاف كتابها "اعمدة الملح"
وتتوقف الفقير عند ملمحين مكانيين هما "ميدل إيست" أو الشرق الاوسط الذي جاءت منه، و "نورث إيست" أو شمال شرق بريطانيا حيث تسكن وتعيش، وفي تعليق ظريف تقول "هناك مشترك بينهما هو "إيست" أو الشرق". وتتابع صاحبة رواية " نيسانيت " الصادرة بالانجليزية عام 1989 عن دار "فايكينغ بنغوين" و المتضمنة رؤية مكثفة عن القضية الفلسطينية لجهة علاقة الاحتلال الاسرائيلي بالقمع الذي تمارسه الانظمة العربية، تتابع رحلتها بين امكنة في شمال بريطانيا، فتسجل بالتعليق الحي الممزوج بصوت القطار الذي تسافر فيه الى نيوكاسل، لتؤكد ان الناس في شمال شرق بريطانيا متعطشون للحياة، متدفقون يشبهون الى حد بعيد اللبنانيين. وما ان تصل محطة قطار نيوكاسل تكون الاستاذة في الفنون ليندا بأنتظارها لتبدأن حواراَ يتناول التغيير في المدينة، وتنتقل الفقير بعدها للحديث عن حياة الليل في المدينة، ليل السبت تحديداَ، فثمة اوقات فسيحة للرقص، الفتيات بملابسهن المثيرة، وعلاقة ذلك المشهد بالنسبة لها كفتاة عربية ومسلمة، وترى ان ثمة ابعاداَ اقتصادية واجتماعية تتعلق حتى بمشهد الحياة الليلية في المدينة وفي بريطانيا والغرب عموماَ، والقضية ليست ذات ابعاد اخلاقية وحسب . "شجرة الياسمين" ذاتها موجودة ولكن في حديقة كاتدرائية، تزورها الفقير وتجدها " مكاناَ مذهلاَ وعظيماَ"، ومع صوت "الاورغ" المميز للجو المقدس في مكان العبادة المسيحي تبدأ الاديبة والاكاديمية الاردنية الحديث مرة أخرى عن شجرة الياسمين : "ورودها البيض، عطرها الفواح، ولاحقاَ تصاحب صديقة بريطانية هي (غوينيث) التي تتحدث عن "جمال غير معقول" بالقرب من مدينة ( ميدلسبره ) البريطانية، حيث " صوت الصمت" ومن (غوينيث) تأخذ الفقير شجرة ياسمين، وتزرعها الى جانب أشجار أخرى، تموت جميع الاشجار بسبب البرد ، وتظل واحدة هي التي حملتها من (غوينيث) ! وعن فكرة مشاركة الناس في المكان الجديد، تلفت صاحبة رواية "أعمدة الملح" الصادرة بالانجليزية عام 1996 عن دار "كوارتيت بوكس"، وتفنّد فيها ما ورد في " أعمدة الحكم السبعة" للورنس، الا انها حين تفتقد في الاردن حميمية التعبير عن المشاعر، دموعاَ أم ضحكات، تذهب الى جنازة ما فتذرف الدموع، وتذهب الى حفل زواج لتشارك الناس الضحكات . محاضرة الفقير في المجلس الثقافي البريطاني اغتنت عبر حوارات مؤثرة مع الجمهور عن الكتابة النسوية، عن الكتابة في المنفى، عن الصراع العربي الاسرائيلي، عن الصورة النمطية للعربي والمسلم بصفتهما ارهابيين، عن كونها (الفقير) عربية ولكنها تمكنت من الكتابة بالانجليزية أدباَ ( روايتين ) ونقداَ وبحثاَ اكاديمياَ . وزيارتها الاردن ومحاضراتها ( اضافة الى المجلس ، حاضرت الفقير في الجامعة الهاشمية وفي جامعة مؤتة و في المدرسة الوطنية الارثوذكسية ) تمت برفقة ثلاث من طالباتها في بريطانيا للتعرف عن قرب الى مادة دراستهن ( الاردن والشرق العربي وبنيته الاجتماعية والثقافية )، وتهدف الى تقديم محاضرات في دراسات المرأة والادب الانجليزي . يذكر ان الفقير كانت نالت الدكتوراه في الكتابة الابداعية والنقدية من جامعة " إيست انجيليا" والماجستير في الكتابة الابداعية من جامعة " لانكستر" البريطانيتين . وفضلاَ عن كتابتها بالانجليزية فصولاَ في كتب عن أدب المرأة العربية، فأنها قامت بترجمة خمس روايات لكاتبات عربيات ضمن مشروع يهدف التعريف بقضايا المرأة العربية من خلال الادب، فكانت هناك ترجمة لروايات "حبات النفتالين" للعراقية عالية ممدوح و "عين المرأة " للفلسطينية ليانه بدر و "الوطن في العينين" للسورية حميدة نعنع و "العربة الذهبية لا تصعد الى السماء" للمصرية سلوى بكر و "حجر الضحك" لللبنانية هدى بركات .
*نشرت في صحيفة "الرأي" الاردنية العام 2000
|