موسيقي عراقي- اميركي لم ير بلاده الاولى فيكتشفها عبر موروثها النغمي

تاريخ النشر       13/08/2011 06:00 AM


عمّان - علي عبد الأمير
نشأ  أمير الصفار في ضواحي شيكاغو الاميركية، فيما بدأت علاقته بالموسيقى عبر الانغام التي كانت تشيعها اسطوانات والده (العراقي) وتضم مختارات من موسيقى الجاز كما  عند لويس ارمسترونغ وايلا فيتزجيرالد، فضلا عن موسيقى البلوز، بينما حصل على أول تدريب موسيقي في جوقة لكنيسة لوثرية لتواصل والدته (الاميركية) تعليمه اداء الأغاني الشعبية الأميركية والعزف على الغيتار عندما كان في التاسعة ليجد نفسه اخيرا عازفا على البوق ثم  يحصل على درجة البكالوريوس في العزف على هذه الالة من جامعة دي بول ، ليبرع الصفار لاحقا في اداء موسيقى الجاز والبلوز والريذم والبلوز على امتداد منطقة شيكاغو ثم يصبح عضوا في أوركسترا شيكاغو السيمفوني لنحو عامين وعمل فيها مع قادة بارزين مثل  بيار بوليه، دانيال بارنبويم، ومستيسلاف روستروبوفيتش.

امير الصفار مع البوق في لحظة تأمل
ورغم كل هذه السيرة اللافتة للصفار الذي واصل نجاحاته بعد انتقاله الى نيويورك في العام 2000، الا ان شيئا ما ظل يفتقد اليه لجهة سؤال الهوية الثقافية وبخاصة حين وجد نفسه قريبا من موسيقيين يعملون على دمج الموسيقى مع خلفياتهم الثقافية في سياق موسيقى الجاز. ومن هنا كان السؤال الذي واجه الموسيقي الذي لم يكن عرف بلاده الاولى من قبل: اي موسيقى يمكن ان تكون ممثلة للثقافة العراقية؟
وكي يجد جوابا لسؤال كهذا، وبعد وقت قصير من فوزه بمسابقة دولية لموسيقى الجاز العام 2002، استخدم الصفار قيمة الجائزة المالية  للقيام برحلة ستشكل نقطة افتراق جوهرية في سيرته الموسيقية، فذهب الى ارض اسلافه، ليجد هناك في المقام العراقي، نبعا يستحق البحث عن اساطين هذا النغم الشفوي والتتلمذ على اياديهم،  فكان هناك قراء المقام العراقي وفنانوه امثال: حامد السعدي، فريدة محمد علي، باهرالرجب، وسام أيوب وحسين الاعظمي.
وعلى الرغم من مفارقة رحيله عن بلاده الاولى (العراق) خوفا من تبعات غزوها من قبل بلاده  الثانية (اميركا) العام 2003، وانقطاعه عن مواصلة بحثه الموسيقي في بغداد الا ان الصفّار سرعان ما أصبح ضليعا في المقام العراقي، فتعلم  العزف على الة السنطور، واجاد الغناء بحسب اصول الاداء الصارمة، ليشكل فرقة خاصة في الولايات المتحدة تتولى أداء المقام العراقي في شكله التقليدي.


الصفار مع آلة السنطور التي اكتشف معها هويته الثقافية
 
بعد تمكنه من ايجاد النغم الدال على جذوره الثقافية، توفر الصفار على عدة روحية تمكنه من الانضمام الى موجة من الموسيقيين الذين يدمجون الأنماط الموسيقية التقليدية الاتية من خلفياتهم الثقافية مع الحساسيات النغمية الحديثة، فهو سواء عزف على البوق في سياق موسيقى الجاز، أم في العزف على الة السنطور في بيئة المقام العراقي، كان يجد تاثيرا عاطفيا مستمدا من أصالة موسيقاه الذي كانت تحاور الموسيقيين والجمهور على حد سواء.
انطلاقا من هذا الوعي لنقطة التقاء الموروث النغمي بالحساسية المعاصرة جاءت اسطوانة امير الصفار "نهران" التي استدعى فيها الرافدين (دجلة والفرات)، كوثيقتين على تاريخ من اتجاهات العمران والخلق فضلا عن الدمار والرعب في آن، مثلما استدعى فيهما  صورة الجنود والدبابات وهي تضرب على ارض العالم القديم لتتصاعد الفوضى فوق بقعة كانت لفرط ما عرفت من معارف واديان اشبه بالارض المقدسة، مثلما كان النهران هنا نوعين من الموسيقى: الجاز والمقام العراقي.
وبقدر ما بدت موسيقى الجاز ممثلة للانفتاح النغمي والثقافي حتى على مسارات انسانية تتسم بالفوضى، فان المرادف لها اي المقام العراقي كان محاولة روحية من الصفار لاستدعاء النظام والانسجام، عبر استدعاء الاثر الروحي للبلاد الاولى وهي على وشك ان تتبدد لفرط ما احتشدت فيها من جحافل الفوضى والخراب.
والى جانب الآت: الساكسفون، الطبول، الباص غيتار، البزق، الكمان والعود امكن الوصول الى انسجام في الأساليب وتدفق سلس للانغام في  تلاقح ثقافي بين نبرات الشرق القديم  والغرب الحديث، وقبل كل هذا فان الصفار عبر اسطوانته وجد نفسه مثلما وجد الجواب على السؤال الذي واجهه العام 2000: اي موروث موسيقي يمثل ثقافتي الاصلية؟
ان اسطوانة "نهران" لامير الصفار الذي زار عمّان مؤخرا وعزف رفقة قارىء المقام   العراقي حامد السعدي جاءت ثناء عاطفيا رقيقا وصادقا على العراق في تجلياته الانسانية، وحنوا عليه حتى في مصائر مأسوية ما انفكت توسم راهنه.
ومثلما اشرقت شمس المقام العراقي في الاسطوانة لجهة الشعاع الروحي والطبيعي الذي تحمله الانغام المكونة لاحد اكثر الموروثات النغمية قدرة على البقاء والتاثير المعاصر، اشرقت شمس عمادها انغام البوق وهو يلمع بين يدي الصفار.
 


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM