علي عبد الأمير عمّان- أكدت أوركسترا عمّان السيمفوني أنها باتت علامة ثقافية أردنية رفيعة، قادرة على الاتصال بأبرز التظاهرات الثقافية العالمية. وإذا كان العام الحالي، هو عام دولي للاحتفاء بالمئوية الثانية للمؤلف البولندي فريدريك شوبان، فإن عمّان المجبولة على ثقافة الانفتاح والاتصال الحر مع العالم، ومن خلال أوركسترا عمان السيمفوني التي يشرف عليها إداريا وفنيا المعهد الوطني للموسيقى (مؤسسة الملك الحسين) وعبر أمسية الأوركسترا 19-10-2010 بمركز الحسين الثقافي، وضعت لمستها أيضا على العام الدولي لشوبان. وذلك حين استضافت في فقرتها الاحتفائية بالمؤلف البولندي فردريك شوبان (1810 – 1849) مواطنه عازف البيانو المنفرد فالتشيك في أداء لواحد من أعمال شوبان المهمة "كونشرتو البيانو رقم 2". لكن الأوركسترا التي يقودها المايسترو محمد عثمان بدأت حفلها مع "افتتاحية الملك أيس "للمؤلف الفرنسي ادوارد لالو (1823- 1892) الذي هو جزء من عمل أوبرالي بارز كتبه المؤلف والعازف الفرنسي، وظل فيه يواجه صعوبات جمة حتى تم قبوله من مؤلفين منافسين كبار عاصروه، وحين قدمت تلك الاوبرا كان لالو بلغ الخامسة والستين لتنفتح على إثرها الكثير من أبواب المجد له اعترافا ببراعته مؤلفا من طراز خاص. ومع عزف هذا العمل بدت الأوركسترا لمن كان عرفها يوم كان اسمها "أوركسترا المعهد الوطني للموسيقى"، بدت أرشق وأعمق وأنضج، وهي بحسن إدارة المايسترو صديق، أصبحت قادرة على التعاطي وفق أسس الأداء المحترف مع أعمال تتميز بعناصر تركيبية عميقة، كالتي جاء عليها عمل الفرنسي لالو الأقرب إلى التأمل بالذات الإنسانية، وصولا إلى الجانب الأسطوري الذي عني المؤلف بتصويره.
اوركسترا عمّان السيمفوني: احتفاء خاص بموسيقى شوبان(كاميرا علي عبد الأمير)
وجاءت فقرة الاحتفاء الخاصة بمئوية المؤلف شوبان الثانية، لتعرف جمهور عمان المحب للموسيقى الرفيعة إلى أفضل عازف للبيانو من الممكن أن يؤدي عمل شوبان "كونشرتو البيانو رقم 2"، فكان مواطنه فالتشيك، معبرا عن تكنيك عال وروحية طافحة لطالما ميزت أعمال شوبان للبيانو حيث مسحة من الرومانسية، والرقة أو الكآبة أحيانا، وقوة نغمية كانت السبب في تجديد أسلوب العزف بالبيانو، سواءً من حيث الإيقاع أو من حيث الناحية الجمالية. فضلا عن براعة العازف الضيف كانت الأوركسترا بعامة على مستوى الاحتفاء الراقي بشوبان، مثلما كان المايسترو صديق قادرا على ضبط تقديم العمل بتنسيق مميز بين الآلة المنفردة: البيانو وعموم آلات الأوركستر، وبما جعل الاحتفاء الأردني بشوبان مميزا وحافلا برفعة يستحقها. وإلى جانب الاحتفاء بشوبان، داعبت الأوركسترا النغم اللاتيني المعاصر المكتوب للأوركسترا عبر عزف عملين تدفقا موسيقى مشرقة في القاعة الرئيسة بمركز الحسين الثقافي التي احتشدت بجمهور نوعي، فجاء عمل المؤلف الموسيقي المكسيكي المعاصر ارتورو ماكيز (المولود العام 1950) الذي يحمل عنوان "رقصة 2" وفيه يمكن التعرف على نبض موسيقي لاتيني متدفق، حاول المؤلف ماركيز تقديمه وفق شكل الاوركسترا السيمفوني. في العمل الذي كتبه المؤلف الحائز على عدد كبير من الجوائز والأوسمة البارزة منها وسام قدمه إليه الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون العام الماضي، يمكن التعرف على روحية نغمية آسرة فيها تعبير عن البيئة الثقافية والاجتماعية لمنطقة البحر الكاريبي وعموم أميركا اللاتينية ولكن هذه المرة ليس وفق الشكل التقليدي الموروث وإنما وفق شكل يبدو مكتملا في عناصره النغمية الرفيعة: أي أن يكون عملا مكتوبا للاوركسترا السيمفوني، والذي يعتبر أحد أكثر الأعمال الموسيقية المكسيكية الكلاسيكية المعاصرة شعبية وأهمية واداء من قبل الأوركسترات في العالم. وجاء أداء أوركسترا عمان السيمفوني لهذا العمل بما لا يقل عن أداء أوركسترات ضخمة وبتجربة تفوق نظيرتها الأردنية، التي بكثير من الحب والتعاون تمكنت أن تضع لمستها الحيوية الخاصة على عمل يتضمن بالأصل روحية عالية وتنوعا ايقاعيا مدهشا. وفي إطار النغم اللاتيني ذاته اختتمت الاوركسترا أمسيتها بعزف عمل "تيكو تيكو" التي كتبها البرازيلي زيغنيا دي ابريو، وتصور رقصة "طائر الدوري الاحمر". وكانت بحسب أداء الاوركسترا طيرانا حرا في فضاء الموسيقى اللاتينية المتدفقة ايقاعا وروحية. وحيال ذلك التدفق الجميل كان من الطبيعي أن يستجيب المايسترو صديق لحفاوة الجمهور، فأعاد تقديم المقطوعة وسط جو من الحبور والنشوة، اشترك به الجمهور وأعضاء الأوركسترا معا.
*نشرت في المقالة في صحيفة "الغد" الاردنية وحسب الرابط التالي
|