الرسم بالالحان: موسيقي جاز أميركي يصور ملامح سبعة تشكيليين كبار

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       04/09/2010 06:00 AM


واشنطن- علي عبد الأمير

ان يكتب موسيقيون ألحانا تحاكي أعمالا تشكيلية أو تتماهى معها، لا يبدو أمرا جديدا، اما ان يصوغ مؤلف موسيقي ملامح تشكيليين شكلوا ثروة تعبيرية انسانية، عبر الحان الجاز فهذا امر لافت تمكن منه المؤلف الموسيقي وعازف الساكسفون الاميركي تيد ناش عبر اسطوانته الصادرة حديثا "بورتريت إن سافن شيدز" او "بورتريت في سبعة ظلال".
الاسطوانة الجديدة نفذّها المؤلف ناش مع أوركسترا الجاز في "لينكولن سنتر" بقيادة الموهوب دائما وينتون مارساليس، وهي مقاربة غنية الالحان والافكار للوحات وملامح حياة واساليب: مونيه، دالي، ماتيس، بيكاسو، فان كوخ، شاغال، وبولوك.

ناش: مغامرة الرسم بالالحان

وبقدر ما تمكن المؤلف وعازف البوق المولود في لوس انجلوس من صوغ الحان مشعة بحيوية الجاز وتدفقه، تمكن ايضا من ايجاد "المعادل الموسيقي" لاعمال اولئك التشكيليين الكبار، فلم تكن مقطوعة "ماتيس" الا دالة عليه، لجهة الرشاقة والايقاع الراقص بينما كانت مقطوعة "بولوك" تشبه فنانها تماما في لوحاته النافرة الالوان وضربات ريشته الحادة، فجاءت الانغام ضربات قصيرة لا تخلو من حدة على البيانو، ونداءات مجروحة من الساكسفون.
وما بدا صعبا على ناش هو ان الصلة التي حاول اقامتها بين سبعة فنانين معروفين وسبع مقطوعات موسيقية تستحضرهم نغميا، تتصل باسماء قوية التأثير بين جمهور المتلقين للاعمال الفنية الرفيعة، وان من سيستمع الى اللحن سيستدعي على الفور التأثير البصري لعمل بيكاسو مثلا او شاغال. وعلى الرغم من صعوبة هذا التحدي الا ان المؤلف تمكن من ان يقرأ الفنانين واساليبهم عبر استنطاق روحيتهم في عمل نغمي زاده غنى ورهافة اداء يقارب المتعة الغامرة لاوركسترا جاز كالتي يقودها مارساليس.

انك كمستمع على معرفة ما بالاساليب والملامح التي تكون روح عمل على "مونيه" مثلا، ستشعر حين تسمع المقطوعة التي حملت اسمه بنسيم الهواء منبعث وبحركة امواج تتدفق من خلال الانغام التي ترسلها آلة الترومبون، مثلما ستحيلك الانغام الحادة الطويلة الزاعقة احيانا في مقطوعة "دالي" الى ساعات سلفادور دالي المتدلية، بينما اختار المؤلف تيد ناش الغناء فضلا عن الميلودي المشبع بالشجن للتعبير عن روح اعمال الرسام الهولندي التعيس فان كوخ.
 


المؤلف الموسيقى والعازف الاميركي تيد ناش يحاكي فان كوخ
 
 
وفي مقطوعته"بيكاسو"، كتب ناش لحنا طروب في ايقاع لا يخلو من انكسارات حادة مستحضرا بتمكن روح"التكعيبية"، فيما كانت انغام الاكورديون التي تشجيها انكسارات الكمان لعازفين مشردين لكنهم موهوبون دالة بما يكفي على روحية لوحات مارك شاغال.

وكانت فكرة الاسطوانة الجميلة هذه، بدأت قبل نحو عامين، حين طلب المدير الفني لموسيقى الجاز في مركز لينكولن بنيويورك وينتون مارساليس، من المؤلف تيد ناش أن يؤلف قطعة طويلة لتنفيذها في وقت ما مستقبلا وتقديمها رفقة اوركسترا موسيقى الجاز في المركز، مانحا للؤلف حق اختيار الموضوع والفكرة، وهو ما لم يأخذ من ناش وقتا طويلا فمشاهداته ومتابعاته وجولاته الدائمة في متاحف الفنون المعاصرة الهمته ان يكتب ساعة من الموسيقى الجديدة : كل حركة فيها تقارب رساما اغنى روح الفن في العالم.
وكان من بين أكبر التحديات التي واجهت المؤلف هو اختيار سبعة فقط من الرسامين، فاختار اولئك الذين عاشوا في فترة تقارب المئة عام من نهاية الانطباعية وبدء التعبيرية حتى ستينيات القرن الماضي، ولم يكن ذلك اختيارا عشوائيا بل انه مقاربة زمنية للالحان، ذلك ان عمر موسيقى الجاز هو المئة عام ذاتها، فهي بدأت كشكل فني في العقد الاول من القرن العشرين.

وما يؤكد الغني الفكري لمؤلف الاسطوانة، هو فهمه العميق لعناصر الاتصال بين موسيقى الجاز والاساليب التشكيلية، فالمؤلف ناش ينظر الى بيكاسو بوصفه نوعا من مايلز ديفيس في موسيقى الجاز، ففي حين كان الاول مسؤولا عن تطويرحركات فنية مختلفة (التكعيبية) مثلا، فان مايلز كان انتج مسارات لحنية في موسيقى الجاز ( بيبوب، وفيوشن)مثلا. واذا كان هناك في الرسم انطباعية فثمة معادلها بحسب تيد ناش موسيقى "البوب"، واذا كانت هناك تجريدية فثمة موسيقى " البلوز" مقابلا لها.

ناش يقيم "المعادل الموسيقي" لبيكاسو
مع "بورتريه في سبعة ظلال"، يمكننا سماع سبع قصص عن هؤلاء الرسامين الكبار، ليس من خلال الكلمات، كما هي الحال في وصف اعمالهم وقد توسطت المتاحف ولكن من خلال الموسيقى. والاختلاف في أنماط الرسامين، انعكس غنى تعبيريا في كل الحركات السبع للاسطوانة التي اقامت حقا "المعادل الموسيقي" للوحات الفنانين، وبما يجعل اعمالهم وقد اكتسبت روحا جديدة والوانا نضرة وتاثيرا اكثر رشاقة ورقة.
* المقالة نشرت في "الحياة" بحسب الرابط التالي:
 


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM