مقالات  



رحيل الكاتب المسرحي الكردي العراقي محي الدين زنكنه: ظل مأخوذا بالحرية الى آخر المدى

تاريخ النشر       22/08/2010 06:00 AM


علي عبد الأميرعجام
توفي السبت 21-8-2010، في مدينة السليمانية، الروائي والكاتب المسرحي الكردي العراقي المعروف محي الدين زنكنه، أثر نوبة قلبية حادة ألمت به، ووضعت حدا لسيرة من المجالدة والصبر والالم بدأت منذ مقاربته الكتابة بسن مبكرة في مدينته كركوك التي ولد فيها العام 1940، واغتنت بعد نيله الشهادة الجامعية في آداب اللغة العربية من كلية الآداب بجامعة بغداد العام 1962، وقبلها كان عرف اولى تجاربه السياسية والاعتقال مما حفر فيه منحى فكريا انتصر فيه عبر عدد من النصوص المسرحية والروائية للانسان ومصيره الفجائعي في رحلة البحث عن الحرية، فـ"المؤلف الكردي الأصل   ينحاز في اعماله الى قيم الدفاع عن الحرية ومحاربة الظلم والطغيان والاستغلال وقيم الزيف والضلال و منوها بدور المثقف في المجتمع ، ضمن معطيات فنية لم يضح بها لصالح  نواياه الإيجابية"  كما يلفت الى ذلك الباحث والناقد المسرحي صباح الانباري في كتابه عن صاحب مسرحية "السؤال" .
واذا كان محـي الديـن زنكـنه كتب نصا ينعـى فيه القاص والروائي والكاتب المسرحي وابن مدينته جليـل القيسـي (احد اسماء "جماعة كركوك" التي شكلت ملمحا على حدة في الحداثة الادبية العراقية) ، قال فيه: بقلب يفطره الاسى، وبعيون تنز دما، وبروح يفتتها الوجع، انعى الى مبدعي العراق ومبدعي العالم في كل مكان،  المبدع الالمعي سيد القصة والمسرح في العراق (جليل القيسي)،  لقد غدر به الموت – الغادر دائما"، فانه كان ينعى "إنسانا نادر المثال لايجود الدهر الشحيح بأمثاله إلا بعد أحقاب وأحقاب وبعد مخاضات عسيرة وأليمة" مثلما كان هو في سيرته الشخصية التي نأت عن تملق اي سلطة أو حكم، حتى وان كانت اعماله قاربت تيارات فكرية وسياسية تحريضية بعضها وصل السلطة كرديا وعربيا، او في تجربته الابداعية التي من النادر ان تتكرر في ملامحها العراقية وحتى العربية انطلاقا من نصوصه التي قدمت في غير مسرح عربي ، كما في عروض امتدت الى  تونس، مصر،المغرب، لبنان، سورية ودول الخليج.
حيث لاقت تلك العروض نجاحات عدة بدءا من مسرحية "السر" العام 1968، التي قاربت "الحس التحريضي والتغييري"  الذي كان يمسك بالعالم كله حينذاك، ثم مسرحيته " الجراد" العام 1970 برمزها  في "قدوم الجراد السلطوي المستبد القامع" ، وصولا الى النص المسرحي الأكثر شهرة، و استلهم فيها حكاية ( صفوان والخياط اليهودي ) من حكايات "الف ليلة وليلة" ليسقطها على مظاهر الجور السياسي ، وكشف الممارسات الاضطهادية والتعسفية وعبرها يعالج القضية الفلسطينية عبر ما تعرضت اليه من  قهر والاغتصاب والسلب. وكانت مسرحية زنكنه هذه، رائدة لجهة تيار استلهام التراث او الموروث الشعبي في صياغة نصوص ادبية ومسرحية معاصرة.

محي الدين زنكنه: ريادة لافتة في الكتابة المسرحية عراقيا وعربيا
 
وعلى منوال الانغماس بقضية الحرية وتجلياتها جاءت مسرحيـة "الإجازة"، فيما كتب مسرحية " في الخمس الخامس من القرن العشرين يحدث هذا"  في وقت شديد الاضطراب في العراق ففي العام 1979 الذي كتب فيه محي الدين زنكنه، مسرحيته  كان الوضع السياسي في العراق يمضي نحو تسمية صدام حسين ديكتاتورا لا منازع له. لاحقا كتب مسرحيـــة "اليمامة " 1980 و مسرحية "مساء السعادة ايها الزنوج البيض" 1981 التي عنت بالاضطهاد العرقي في سجال حول مفاهيم الحرية واثبات الحضور الانساني، بينما حمل العام 1982 مسرحية "العلبة الحجرية" التي اعتبرها النقاد من اهم الاعمال المسرحية التجريبة للمؤلف الراحل وفتحها مبكرا ملف المنفى ورحيل ابناء الوطن مكرهين.
 وكان عقد الثمانينات على الرغم  من ايقاعه القيل على العراق لجهة دموية حربه مع ايران، وحروبه الصغيرة على مواطنيه، تميز بكثافة انتاج زنكنه الذي كتب مسرحية "لمن الزهور" العام 1983 التي اخرجها عزيز خيون، ومسرحية "صراخ الصمت الأخرس" التي أخرجها الراحل  عوني كرومي العام 1984، و مسرحية "حكاية صديقين" 1986 ومسرحية "الأشواك" التي فتحت ملف  الاسئلة التي يواجهها المثقف وحيرته احيانا في التزام الصمت حيال اجوبتها، وفي العام ذاته كتب مسرحية "الحارس" وفي العام 1990 صدرت له مختارات من مسرحياته ضمت مسرحية " القطط "، "موت فنان"،  "رؤيا الملك" و"أردية الموت".
فضلا عن ارثه المسرحي الزاخر فللراحل محي الدين زكنه عمل لافت في الرواية والقصة القصيرة، فثمة رواية  "ئاسوس" التي ترسم ملامح كردي عراقي هُجر عن ارضه ومسكنه ووطنه إلى بقعة لا يجيد فيها الحياة، فيما كان رمز الاسم (ئاسوس) دالا بقوة فهو طير يموت عندما يفتقد بيئته، وتذكر للكاتب هنا عربيته في الكتابة، رغم جو روايته الكردي، وهو ما بات دالا على نص محي الدين زنكنة في  المسرح ، فهو لا يكتب مسرحياته بالدارجة كما اعتاد كتاب مسرح كثيرون، وعربيته الفصيحة الجميلة ظلت  تلازمه من خلال تجربته استاذا لها في مدارس غير مدينة عراقية.
التزام محيي الدين زنكنه بقيم العدل والخير والجمال موقفا فكريا ونتاجا ادبيا،  تحول اثمانا باهظة فسجن مرات ولوحق اكثر، وعاش عقد الحصار في تسعينيات القرن الماضي في مدينة ديالى منعزلا نائيا بنفسه عن اغراءات السلطة التي كانت اشارت اليه بقدرتها على علاج عينيه وانقاذه من العمى ان هو كتب متوسلا للرئيس، وهو ما لم يحدث من صاحب نص ظل مأخوذا بالحرية الى آخر المدى.



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM