إستعادات بغداد الموسيقية.. عن مايلز ديفيز وحرية الجاز المطلقة
تاريخ النشر
24/07/2010 06:00 AM
علي عبدالأمير*
في الولايات المتحدة صدرت السيرة الذاتية لأحد أكبر موسيقيي العصر، مايلز ديفيز، وكانت نشيداً مفعماً بالألوان والحركة أحياناً وبالمرارة اللاذعة أحياناً اخرى. الكتاب يقع في 430 صفحة ويغطي نصف قرن من تاريخ الجاز وشخصياته الأسطورية مثل شارلي بارك، ديزي غيلسبي جون كولترين وغيرهم.
وكتاب "مايلز" [ولادة 1926 في ولاية إلينوي الأميركية] يبدأ بكلمة "إسمع" ويظل القاريء "مستمعاً" الى نشيد الخلق والإبداع، والى قصص هذا الموسيقي الجريئة أحياناً عن شبابه، علاقاته مع النساء والمخدرات والعنصرية. وعازف الترومبيت الأسود إلتحق في الثامنة عشرة بمدرسة "جوليارد" للموسيقى بنيويورك، وهناك فاجأ أحد أساتذته الذي قال: السود يعشقون موسيقى البلوز لأنهم فقراء، فرد عليه "مايلز": أعزف الجاز ولست فقيراً! – عائلته تنتمي الى البرجوازية المتوسطة ووالده طبيب أسنان –.
عمل لفترة على الموسيقى الكلاسيكية وإنكب على أعمال "بيرغ" و "بروكوفيف" و "سترافنسكي", كما تلقّى دروساً مع أعضاء فرقة نيويورك الفيلهارمونية، لكنه لم يمكث في "جوليارد" طويلاً, محاولاً ان يكوِّن له موسيقى خاصة. حين إستمع الى موسيقى فرقة "بيلي اكستين" تملكت جسده ووجدها ما كان يريد الإستماع اليه حقاً، وعبر الصفحات تصادف اسماء الموسيقيين: أساتذة وزملاء ورفاق عمل. وشهدت الخمسينات فترة إبداع كثيف وعطاء غزير بالنسبة لمايلز، فهناك ثورة موسيقى الـ (بي بوب) في نادي هارلم الليلي، ثورة الأسلوب (كول) أو موسيقى الجاز الحالمة، وضمن الفترة ذاتها بدأت الجولات الموسيقية، ففي باريس وقع ديفيز في غرام المغنية والممثلة الفرنسية "جولييت غريكو". يقول ببساطة: إنني أحب النساء.
مايلزديفيز: نشيد ملون حافل بالمرارة ايضا
بعد ذلك سجّل مايلز الإسطوانات: "مايلز أهيد"، "بورغي آند بيس"، "سكيتش اوف سباين" وشهدت حياته تناوب فترات جيدة وأخرى رديئة حيث المخدرات والمشكلات الشخصية ونقص في الإلهام حياناً، لكنه أدهش معجبيه عام 1969 بعمله "بيتشر برو" حيث إبتكر موسيقى تغرق في الجاز والروك معاً.
شهدت السنوات التالية انسحابه التام من الساحة الموسيقية – إمتد ذلك لست سنوات كاملة – ويبرر ذلك بقوله: "لم يعد لدي شيء أقوله موسيقياً"، لكنه يعود عام 1981 وإن كانت نوعية فرقته الموسيقية قد تدنّت إلا ان نقاء عزفه ظل على ما هو.
"سيرته الذاتية" قوبلت من الأوساط الصحافية بالنقد: "شهادة محزنة من كثرة الإدعاء والرضى الكبير عن الذات وعدم النضوج" كما أوردت مقالة في صحيفة "واشنطن بوست" وتابعت عن الكتاب بكونه "فاحشاً وداعراً بصورة عدوانية ومجرد من أي هدف فني وكُتب فقط ليصدم"، بينما صحيفة "نيويورك تايمز" قالت:"الكتاب كما شخصيته بعيد عن الكمال وفيه نقص واضح حيث لا يحلل مايلز موسيقاه بصورة كافية"، إلا ان أياً من النقّاد لم يشكك في الحيوية الإبداعية لدى مايلز تلك (الظاهرة الوطنية)، منوهة "لا يمكن لأحد القول ان "مايلز" إستراح يوماً على أمجاده أو توقف عن إعادة النظر في موسيقاه بغية الإكتشاف الدائم لأشكال موسيقية جديدة، ولهذا فهو يقول: لم أكن أريد العمل في ناد موسيقي وأعزف الموسيقى ذاتها ليلة بعد ليلة، ومن الأسباب التي تجعلني أحب اليوم أن أعزف مع موسيقيين شبّان، انني أرى العديد من موسيقيي الجاز القدامى كسولين. "موسيقى الجاز والحرية تسيران يداً بيد"، هكذا يقول عنها "ثيلونيوس مونك" ولأن "مايلز" أسم مرموق في هذا النوع من الموسيقى، نجده وقد عثر على إحساسه بالحرية وحاول صياغة ذلك عبر موسيقاه.
* نشرت في صحيفة "القادسية" البغدادية الثلاثاء 31-10-1989