استعادات الحنين الموسيقية: درس من كارايان

تاريخ النشر       13/07/2010 06:00 AM


علي عبد الأمير

قبل فترة توفي "هربرت فون كارايان" أعظم فقهاء ومفسري الموسيقى ... تتميز قيادته للأوركسترا وتفسيره للأعمال الموسيقية والأوبرالية بكثير من الدقة والإحكام والإنضباط إضافة الى وضوح ظاهر وقوي لطابعه وأسلوبه الشخصي ...
هذا الموسيقي الأسطوري, وُلد عام 1908 في سالزبورغ بالنمسا, تعلّم العزف على البيانو في طفولته, ثم التحق بالأكاديمية وبدأ ممارسة قيادة الأوركسترا بمدينة "أولم" ثم في مدينة "إيخن" بألمانيا من عام 1927 حتى 1941, وحتى عام 1955 كان قد شغل منصب القائد والمدير لأوركسترا برلين الفيلهارمونية.
نقل نشاطه الموسيقي الى الولايات المتحدة وبريطانيا – قيادة اوركسترا لندن – والى ايطاليا – قيادة فرقة اوبرا لاسكالا – ثم أصبح قائداً لأوركسترا نيويورك الفيلهارمونية, اواخر الستينات وجد الفرصة لتلوين النشاط الموسيقي لأوركسترا باريس السيمفوني بطابه الخاص, وعاد عام 1977 لتولي إدارة اوبرا الدولة بفيينا.
 

كارايان: كثير من الدقة والإحكام والإنضباط وأسلوب شخصي عيمق في فهم الموسيقي
 
الناقد والمؤرخ الموسيقي البريطاني ريتشارد ازبورن، التقى كارايان وسجّل حواراً غنياً معه, هذه بعض مقاطعه:
نعرف من تاريخك, بدايتك في مسرح صغير, اوركسترا صغيرة وفرقة صغيرة من منشدي الأوبرا من الرجال والنساء, ما هي إنطباعاتك عن تلك الأيام؟
لقد أصابتني تلك التجارب بمرض نفسي ما زلت أعاني منه حتى الآن, وهو مرض يسمى {رهاب الإحتجاز} او الكلوسترو فوبيا وهو الخوف من الأماكن الضيقة فأنا لا أحب العمل إطلاقاً في المسارح الصغيرة ولا صالات الموسيقى الضيقة ... كما علمتني تلك الأيام الوقوف بكل قوتي ضد البيروقراطية والبيروقراطيين, أصبحت لا أطيق أحداً, هذا ما حدا بي الى إقامة مهرجاني الخاص كل ربيع في مدينة سالزبورغ.
حدثنا عن تأثرك بإعلام قادة الاوركسترا؟
التشيكي "فاتسلاف تاليش" كان أكثرهم تأثيراً, بإمكانه جعلك تحس ان جميع آلات الاوركسترا قد تحولت في يده الى آلة موسيقية واحدة يعزف عليها لوحده! آخرون كأنهم أنصاف آلهة, فلم أستطع الحديث مع "توسكانيني" إلا بعد أن أصبحت في الـ 45 من العمر, وحديثه كان منصبّاً على إنتقاد أسلوبي في قيادة اوبرا ديبوسي (بلياس ومليزاند) على مسرح اوبرا "لاسكالا".
"هربرت فون كارايان" تعرّض الى الملاحقة, وغاب عن الأنظار بعد سقوط النظام النازي عام 1945 غير أنه تخلّص من التأثير النفسي الذي قاده الى القنوط المرير – حيث خرج من برلين التي شهدت قاعاتها,امسياتها الموسيقية, وهي مدمرة ومدينة جديرة بأشباح, تمكن من التخلص من كل هذا العبء الثقيل, وعاد الى أضواء الصالة, عاد الى مهارته الأولى في تقديم الأعمال الموسيقية, وبمعاونة من البريطاني "ولتر ليج" الذي إستطاع التغلب على الكثير من المشاكل القانونية, إستطاع "كارايان" ان يسجل السيمفونية الثامنة لبيتهوفن عام 1946, ومن هذه الإشارة لظهوره الأول ما بعد الحرب, ننقل هذا المشهد:
المكان: فيينا
الزمان: شهر ايار 1977 ...
ازدحمت الجماهير على شبابيك التذاكر في دار الاوبرا, طوابير تتضخم طولاً وعدداً, بعض الناس أحضروا حقائب النوم التي تُستخدم في معسكرات الكشّافة وذلك حتى يحجزوا لأنفسهم مكاناً متقدماً قرب الشبابيك قبل أن تفتح في صباح اليوم التالي, أثمان التذاكر تضاعفت بشكل لم تصل اليه سابقاً.
 
 

 
وبيعت تذاكر الشرفات والمقصورات بأكثر من عشرين ضِعفاً, ما السر وراء هذا الإزدحام وتلك الطوابير؟ انه خبر مؤداه ان قائد الاوركسترا المايسترو كارايان سيعود الى قيادة فرقة فيينا الفيلهارمونية ثانية وببرنامج يتضمن أعمالاً من الموسيقى السيمفونية كما يتضمن أعمالاً من الغنائيات المسرحية والأوبرات, أوبرا تروفاتور, أوبرا فيجارو وأوبرا لابوهيم, وأخيراً أوبرا سالومي التي قامت أساساً على النص المسرحي الذي ألّفه "أوسكار وايل" وصاغها موسيقياً المؤلف الموسيقي الشهير "ريتشارد شتراوس".
 
*نشرت في صحيفة "القادسية " 16-11-1989


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM