نقد أدبي  



جون ابدايك...ناقداً

تاريخ النشر       03/07/2010 06:00 AM



علي عبد الأمير

     "منذ طفولتي الأولى كنت مأخوذاً بأشياء تتعلق بحرفتي", هكذا يبدأ الروائي "جون ابدايك" في كتابه الأخير غير الروائي, "مأخوذاً بقلم الرصاص, الأوراق ولاحقاً الآلة الطابعة وكل وسائل وأدوات الطباعة.
     "إن تكثيف الذاكرة لشخص ما, وخيالاته وإكتشافاته, عنت لي دائماً, إستنطاق العلامات المُعتمة على الورق وكنت أراها دائماً قابلة لإعادة إنتاج أشياء كثيرة, وبعد 30 عاماً من العلاقة مع الكتابة وإنتاجه ظهر لي ان الأمر بمثابة فعل كالسحر وعملية تقنية مُبهجة وسارّة.
     "لتبويت النفس وتوزيعها, تبدو عملية أشبه بنثر أوراق ملونة على الناس في كرنفال, لكنها أي هذه القصاصات ستسقط على رؤوس وأكتاف الناس عند متاجر الكتب, وصفحات المجلات انها بحق إمتياز كبير وتحد للقوانين العادية والمبتذلة وعن طريقها يمكن لبني البشر أن يتعرفوا على بعضهم الآخر".
     إن البهجة والسرور في سحر الكتابة, تختبيء في قلب هذه المختارات من المقالات والعروض النقدية وقدرتها التعبيرية التي قدمها "جون ابدايك" في كتابه الجديد.
     الكتاب يمثل جهد "جون ابدايك" في السنوات الثمان الأخيرة والذي تمثل في كتاباته غير الروائية, والتي تشهد لطاقته الإستثنائية وموهبته السخية ككاتب مقالة وناقد.
     ومثل كتبه النقدية السابقة: "نثر متجانس", "قطع مستعادة" و "التشبث بالشاطيء", يأتي كتابه "أعمال مبعثرة", كنوع من الحقائب الواسعة الممتلئة بالأفكار, المشاهدات والوصفيات التي لم يدخلها "ابدايك" ذات مرة في رواياته.

ابدايك.. الروائي في وقفات نقدية
 
     هناك فُتات من التجربة – رحلته الى فنلندا – زيارة للسينما, ظهور في التلفزيون, رحلة في قطار محلي, كل هذه الموضوعات حولها, أي مقالات طرازية مشغولة بعناية كي يقرب موادها التي تبدو وكأنها عشوائية, فهي تأخذ من العمارة وتصميمها تتحدث عن جسد المرأة وعن أيام محددة من التاريخ مثل الرابع من تموز.
     ان حجم "أعمال مبعثرة", مكرس ليس للخبرات الشخصية وإستذكارها, بل للعروض النقدية والمقالات النقدية, "معرفة شخصية مدهشة بالأدب, جسده التكويني وفروعه الحِرفية الفاعلة".
     حيث تصل لنهاية الكتاب, أنت أيها القاريء له, تكون قد تعرفت الى نظريات "ابدايك" وأفكاره عن فن القص والرواية, انه يحترم الرواية التي "تعطينا من خلال وعي الشخصيات, مكانها الجغرافي المضخم بخلفية تاريخية, قطعة مكتنزة من كوكبنا", إنه يعتقد ان الخيال الإبداعي "يتطفل دائماً على العالم الحقيقي", وإن "الرغبة في تحقيق العدالة في العالم الحقيقي تُخضع اللغة الى تلك الطبقات شبه الشفافة التي تصنع الاسلوب".
     في حالة "ابدايك" الشخصية فإن الإسلوب الشعري, الذي يرسم الصور والمحمّل بإستعارات دقيقة دون زيادة أو نقصان هو ما يميزه ومن خلال ثلاثة عقود من حياته كروائي, في ذات الوقت ستجد إمتيازات الإسلوب مجدداً في كتابه النقدي وفصوله.

* مقالة نشرت في جريدة "القادسية" 20-12-1991



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM