عمّان – علي عبد الأمير
بدا التطابق تاماً بين سيرة الرئيس العراقي صدام حسين وبطل الرواية الجديدة "رجال ومدينة" التي كتبها مؤلف "زبيبة والملك" و "القلعة الحصينة" والذي يشاع في بغداد انه صدام حسين ذاته. تقع الرواية في جزئها الأول في 313 صفحة وتضم في فصولها كشفاً لأدوار بطلها (صالح السيد حسين المجيد) ومعه استبدل صدام اسمه الأول بصالح, فيما جاء في المقدمة انها "رواية تفصح بثقة عن شخصية كاتبها كون أحداثها لم تكن نصباً من الماضي أو رمزاً تاريخياً مجرداً وانما هي سيرة ناطقة لحياة شعب من خلال حياة فارس تعفف منذ نعومة أظفاره عن التورط في اللامبالاة وترك الوطن يحترق" وانها تتحدث عن سيرة "فارس مغوار غير هيّاب, يلوح للمجد لكي يدنو منه". وفيما يطنب نقّاد وكتّاب عراقيون في الحديث عن "عبقرية" صاحب "رواية لكاتبها" وكيف انه روائي مبدع فذ وانه اضافة الى روايتيه السابقتين, أخذ الرواية العراقية الى مسارات جديدة حتى ليمكن دراسة الرواية في مستويين: ما قبل ظهور "رواية لكاتبها" وما بعده, إلا انه ظل في مدار فجاجة الكتابة وركاكتها كأن يقدم روايته الجديدة "رجال ومدينة" واصفاً إياها: "سيرة تنطق بإسم النضال بعد أن نقّب كاتبها عن منابعه الأصلية وتفيّأ بوهج الأمل, لتنفض عن كل خذول دواعي التقوقع (..) بعد ان تزود بمهاميز العثور على ذاته". ويقول القاص والروائي أمجد توفيق عن "رجال ومدينة" انها "تقدم, وهي تعالج موضوعها الصعب, قلادة مضفورة في وعي مبدع لخريطة الفعل والحدث والفكرة التي تحيل العمل الإبداعي ضوءاً كاشفاً للذات والموضوع والهدف مع التمسك الكامل بمتعة فنية نبيلة". ويلفت توفيق في مقالة نشرتها صحيفة "الثورة" الى ان "المشهد الروائي العراقي يعتز بالإضافات المبدعة التي قدّمها الكاتب الكريم عبر - زبيبة والملك - القلعة الحصينة - رجال ومدينة - ما يجعل الرواية في العراق تعيش عصر تألقها".
صدام راوئيا: إنحطاط الثقافة العراقية
الناقد باسم عبد الحميد حمودي رأى ان رواية "رجال ومدينة" تتناول التجربة السياسية والنضالية للعراق الأشم في مرحلة من أدق مراحل تاريخه, وهي مرحلة متعددة الأزمنة تبدأ منذ العام 1935 قبل ولادة بطل الرواية (صالح حسين المجيد) بسنتين وتمتد حتى أحداث عام 1941 متجاوزة ذلك الزمن النضالي حتى قيام ثورة مصر عام 1952 والثورة في العراق عام 1958 ومنتهية وقائعها يوم 8 تشرين الأول 1959 عندما غادر بطل هذه الملحمة وكر الشباب الذين تصدوا لسيارة عبد الكريم قاسم عصر 7 تشرين الأول (اكتوبر) 1959 ليضعوا حداً برصاصهم لدكتاتورية مثقلة بالدماء وبقتل المناضلين من البعثيين والقوميين ولكل من أعلن انتمائه الى مباديء الأمة العربية. ورواية "رجال ومدينة" تستعيد محطات من حياة صدام (صالح) حسين المجيد "صلى صالح وحيداً متوجهاً الى الباري تعالى وحده ذلك الفجر ليختار الطريق الذي لا رجعة عنه, طريق البعث العربي, ولم يتم ذلك فوراً في ذلك الصباح في "ثانوية الكرخ" فقد بدأ الحوار بينه وبين من دعاه قبل الدرس الأول وفي الفرصة الأولى والثانية, وقبل ان يبدأ الدرس الثالث قال لرفيقه مطمئناً: نعم, اقبل ان انتمي الى حزب البعث العربي الإشتراكي وسيكون انتمائي اليه بكل كياني وروحي ولن أحيد عن مبادئه لإعلاء شأن الأمة والشعب, وما حاد صالح بعد هذا منذ ان تسلم اول نشرة بعنوان "بماذا تتسم حركتنا" الى يومنا هذا, ما حاد وهو يقاتل الجُبْنْ والإنتهازية وما حاد وهو يتصدى لقاسم وسط شارع الرشيد ولم يحد وهو يقاتل العدوان على الأمة العربية وعلى العراق بكل صوره مستلهماً تاريخ امته وحياتها العريضة في عمق الحضارة الإنسانية. وهكذا تكوّن صالح فكرياً ونضالياً وتعملق قائداً عربياً كبيراً منذ الخروج من وكر الحزب بعد أن أجرى عملية إخراج الرصاصة من قدمه بيده ومن دون مخدر وبعد ان وجد ان المكوث وسط ظلام الوكر بانتظار الاعتقال عمل غير نضالي فاختار ان يخرج الى الدنيا من جديد, جريح القدم ولكنه غير جريح المباديء ولا القيم بل شجاع متعملق مشدود الى تجربة النضال الجديدة فارتحل الى دمشق عبر الصحراء ومنها الى القاهرة, وهما تجربتان لم تقلهما رواية "رجال ومدينة" بعد وربما قالتهما في جزئها الثاني, لكن المهم ان صالح السيد حسين المجيد خرج من الوكر تاركاً من اختار ان يبقى ليدخل امتحاناً جديداً واسعاً للمباديء والقيم التي نذر نفسه وحياته لها فكانت هجرة النفس الى الأعماق وهجرة الذات المثقلة بهموم الأمة الى داخل الأمة حيث عاش وانتصر". وسيرة صدام حسين تحولت رواية كان الشاعر الراحل عبد الأمير معلة كتبها في جزءين وحملت عنوان "الأيام الطويلة" لتتحول فيلماً سينمائياً للمخرج المصري توفيق صالح, أدى فيه دور صدام قريبه الشاب وصهره لاحقاً صدام كامل الذي قتِلَ لاحقاً بعد عودته الى بغداد في شباط (فبراير) 1996 "تائباً" إذ كان هرب وشقيقه حسين كامل الى الأردن وأعلنا من هناك برنامجاً لإسقاط الحكم في العراق.
*تقرير نشر في "الحياة" 16 /5 /2002
|