العراق 2001: عشرات الالاف من الاسرى عادوا شيوخا تثقلهم سنوات الالم وقسوة الحاضر

تاريخ النشر       26/06/2010 06:00 AM


عمّان- علي عبد الأمير
الصورة المثالية للأسير التي رسمها الرئيس العراقي صدام حسين في روايته الثانية القلعة الحصينة الصادرة الأسبوع الماضي في بغداد, حين جعله بطلاً يواجه المحققين الايرانيين ويعود ليواصل نضاله ويلقي رعاية الدولة تقديراً لمواقفه المبدئية ليصبح محافظاً لإحدى المدن العراقية. هذه الصورة ليست صورة الأسير التي ترسمها الصحف العراقية اليومية والأسبوعية وهي تنقل بأسى معاناة عشرات الآلاف ممن أفنوا سنوات شبابهم من الأسرى العراقيين في انتظار الحرية والعودة الى الوطن.
     مجلة الرافدين الأسبوعية الصادرة في بغداد قبل أيام تقول عن معاناة الأسرى, أنهم عادوا مكبلين بعبرات الزمن, غابت عنهم اشراقات الوجوه, متسائلة: كيف لنا أن نعيد بناء هذا الإنسان (الأسير)؟

أسرى عراقيون يودعهم سجّانهم الايراني:سنوات القهر والضيم

     أسرى شبان أخذتهم الحرب وعادوا, لا هم عرفوا أبنائهم ولا هؤلاء عرفوهم, أخذتهم الحرب وهم يعرفون للبلاد ملامح وضعها الإقتصادي والإجتماعي المستقر, ليعودوا وهي تعاني تراجعاً حتى في تأمين القوت اليومي للمواطن, الأسير العائد مجيد محمد الشمري يقول: أسرت للفترة 1982-1998 وكنت تزوجت قبل الأسر ولدي طفل واحد, عدت وقد صار ولدي جندياً, مشيراً الى أن الأسير العائد يعاني تخلفاً من النواحي الإقتصادية والإجتماعية والمعنوية, موجهاً نداءاته الى الجهات المعنية من أجل انتشال الأسرى من واقعهم المتردي.
     الأسير العائد عادل عبد الهادي الذي قضى في المعتقلات الايرانية نحو تسع سنوات يشير الى أن مؤسسته الحكومية عاملته موظفاً عادياً من دون الأخذ بالاعتبار تضحياته, كما ان ما يعلن عن الرعاية الخاصة للأسرى لم يجد منها شيئاً فهو لم يُمنح حتى قطعة الأرض التي يأمل ببناء دار عليها, ويتساءل أسير عائد آخر كيف لمؤسسة حكومية ان تعاملني بحسب شهادة دراسية أدنى من التي كنت على وشك الإنتهاء من الحصول عليها أثناء إستدعائي للخدمة ووقوعي في الأسر في إشارة الى انه كان طالباً في كلية الهندسة حين وقع في الأسر, وحين عاد تم تعيينه بحسب شهادة الإعدادية (الثانوية), من دون ان يتمكن من إكمال دراسته الجامعية التي إنقطع عنها نحو تسع سنوات عجاف.
     مؤسسات حكومية أخرى أوقفت التدرج الوظيفي لمنتسبيها من الأسرى وهو ما ينوّه إليه الأسير العائد حسين طارش الذي يقول: انه حين أعيد الى الخدمة, كان زملاؤه في الوظيفة سبقوه الى درجات كان يفترض ان يستحقها فيما لو لم يقع أسيراً.
     أسرى آخرون كان حظهم عاثراً أكثر ممن وجدوا وظائفهم الحكومية, فهم ظلوا يتنقلون من عمل الى آخر بعد عودتهم, مكررين محنتهم في الأسر حين تنقلوا من معتقل الى آخر, بحسب ما يشير الأسير مدحت بهجت علي, جبت خمسة عشر معتقلاً أثناء أسري, وحين عدت لم أعرف أمي ولا هي عرفتني. عملت في الشورجة (السوق الشعبي الأكبر في العاصمة العراقية) ولم يكن العمل مستقراً, قصدت مؤسسات الدولة ولم أحصل على حقوقي كأسير.
     ومن الأسرى عدد كان أصيب بأمراض مزمنة بتأثير المحنة وطول الانتظار والتعذيب الذي لم يكن هيناً, فالأسير العائد صكبان جواد يقول: أسرت وأنا في مقتبل العمر, وتعرضت للضرب هناك حتى أصابني مرض القلب, واليوم أقيم أنا وعائلتي في غرفة واحدة.
     ومن أجل تأهيل الأسرى العائدين نفسياً واجتماعياً وعلمياً كانت مؤسسة رعاية الأسرى وضحايا الحرب التابعة لوزارة الدفاع العراقية بدأت تقديم خدماتها, غير أنها ظلت محصورة في تسهيل حصول الأسير على قطعة أرض ومكافأة أسر تبلغ 500 ألف دينار (250 دولار).
     وعن التأهيل النفسي والاجتماعي لعشرات الآلاف من الشبان العراقيين الذين انقلبوا شيوخاً بعد عودتهم من الأسر تقول اختصاصية الحرب النفسية في جامعة بغداد حميدة سميسم: مشكلة الأسرى تمثل بعداً نفسياً اجتماعياً بعد عودتهم الى الوطن وذلك لأسباب عدة منها, أن الأسير يبقى فترة طويلة خارج وطنه تتسم بالعذابات الكثيرة, اضافة الى الضغط النفسي وحالات من الضغط الجسماني ... كل هذا يولّد لدى بعض الأسرى حالات نفسية تحتاج الى دراسات ومعاملة خاصة كي يتمكن الأسير من العودة كفرد فاعل في المجتمع.
     وتلفت الباحثة في الحرب النفسية الى هموم أثقلت الأسير بعد عودته: بعضهم عاد وكبُر أولاده وترعرعوا من دونه, وحصلت تحولات اجتماعية خلال فترة أسره, فالحصار جاء بمفردات دخلت على المجتمع العراقي لم تكن موجودة سابقاً ولم يألفها الأسير عندما حارب في جبهات القتال, وهذا يولّد له شعوراً بالإنكسار, وإحباطاً, ومن يقدّم الكثير يريد الكثير أيضاً.
*تقرير نشر في "الحياة" 18-12-2001


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM