بغداد 2002: جرذان في صالات السينما ورجال غير رومانسيين

تاريخ النشر       25/06/2010 06:00 AM


عمّان – علي عبد الأمير
يعيش شباب العراق واقعاً شديد التجهم لجهة غياب وسائل التسلية فضلاً عن الضغط الذي يشكله ضعف الموارد المالية والرتابة التي تنتظم فيها وسائل الإعلام حيث برامج "التعبئة السياسية" و "الحملة الإيمانية" وأجواء المواجهة شبه الدائمة مع "اعداء جاهزين دائماً" كما يقول مهندس عراقي شاب وصل حديثاً الى عمّان للسفر الى دولة الإمارات بحثاً عن عمل.
     وظلت دور السينما والكازينوهات منافذ لـ "الهروب" من وقائع اجتماعية إزدادت انغلاقاً خلال السنوات العشر الأخيرة, غير أن هذه الأمكنة تراجعت هي الأخرى متحولة من نزهة الفكر والروح والمتعة البريئة الى أمكنة تتنفس فيها الرغبات المكبوتة وتباع اللذة.
     ومع عزوف العوائل العراقية عن ارتياد السينما بعد أن كانت مكانها المفضّل حتى منتصف ثمانينات القرن الفائت صارت دور السينما في بغداد تتسابق في جلب انظار المشاهدين من الرجال الشبّان عبر إعلانات تبالغ في الإفصاح عن محتواها من الإثارة الجنسية, وعن حال دور السينما وما توفره لجمهورها من "تسلية" تفيد صحيفة "الزمن" الأسبوعية الصادرة مؤخراً في بغداد ان: "آخر داريْ عرض سينمائي كانتا تستقطبان العوائل هما – النصر و سميراميس – وكلاهما من الدرجة الأولى, غير ان سينما النصر تحولت الى مسرح, فيما لا يتجاوز عدد من يزور سينما سميراميس عن 80 فرداً وودعت آخر العوائل الزائرة بعد عرض فيلم "هالو أميركا" بسبب الكلفة الباهظة لإستيراد الأفلام الجديدة والمردود الضعيف, مما حدا بها الى عرض افلام قديمة أو سبق عرضها مما ادى الى عزوف "الروّاد" عن عادة كانت تشكل عندهم واحدة من وسائل النزهة".
     امام واجهة اي من دور السينما في بغداد اليوم لقطات مختارة من الفيلم او الفيلمين المعروضين بثمن تذكرة واحدة, واللقطات في غالبيتها العظمى تحوي مشاهد فاضحة امتدت لها يد الرقيب لتعود لاحقاً في قاعة عرض الصور الفوتوغرافية الى مشاهد "مولاي كما خلقتني" من اجل اعادة الحيوية الى وجوه المتفرجين الذين سرعان ما يطلقون سراح نقودهم لتذهب الى علب ايراد الصالة السينمائية العامرة, وغالباً ما تكون اللقطات الملصقة على الواجهات غير موجودة في الفيلم المعروض وانما وضعت كوسيلة لاجتذاب اكبر قدر ممكن من متعطشي المتعة, وهذه الحال كثيرة التكرار في صالات "السعدون" و "النجوم" و "النجاح" و "السندباد" و "غرناطة" (الأخيرة كانت قبل ربع قرن لا تعرض إلا الأفلام الأجنبية الشهيرة) التي يبالغ اصحابها في عرض تلك الصور" حتى تظن انك ستشاهد فيلماً إباحياً, فيما تعمل ادارات دور السينما ("الخيام" و "أطلس" و "بابل") بكثير من الذمة والضمير الحي حيث أن جميع اللقطات الفاضحة المعروضة موجودة في الفيلم من دون نقص ومن دون تقفيص (سرقة) الزبون فلا تقتطع اللقطات الإباحية حتى في شهر رمضان".
     وترسم الصحيفة في تحقيقها صورة قاتمة عن حال آخر اماكن التسلية "ما إن تدخل صالة العرض وبعد استراحة بين الأفلام تمتد من 30 دقيقة الى الساعة يبدأ عرض الفيلم ولا تستغرب إن كان الفيلم لا يشدك بسبب الحالات التي تفرض نفسها في شكل اقوى على مسرح الأحداث مثل بدء الجرذان التي يقارب حجمها حجم قط وهو يتسكع بين قدميك بحثاً عن ما يمكن أن يقتات به وسيضطر آسفاً الى قضم الجزء المكشوف من ساقك إن لم تكن ترتدي حذاءاً قادراً على حماية قدمك من مصائب الدنيا وجوارب سورية الصنع ضد الرصاص, وبالتأكيد بأنك ستحظى باحترام مفرط من الجالس خلفك حين يحيط رأسك الكريم بساقيه في جلسة رومنطيقية ليتمتع بجو الفيلم وليتقي شر الجرذ (جازاه الله) على سيء طبعه واذا حاولت أن تعترض على هذه الجلسة التقديرية من الجالس خلفك فستكون ضحية فيلم هندي – تركي مشترك مأساوي الأحداث التي ستتوالى على رأسك خصوصاً اذا كان الجالس برفقة صحبه الكرام الذين لن يترددوا في أن يزيدوا فيلمك تراجيدية لتنتهي رحلتك السينمائية أكحل العينين أحمر الشفتين اما أذا سلمت بالأمر الواقع وأحنيت رأسك للعاصفة وأكدت لنفسك أن هذه حال زائلة بعد انتهاء الفيلم فإنك إن كنت قوي البصر فبالتأكيد ستشاهد بقية الطقوس الشاذة حيث من المعتاد ممارسة البعض للعادة السرية تحت جنح الظلام".
"الزوراء": للعشاق و ... للغجريات
     اذا كان متنزه "الزوراء" لفترة طويلة متنفساً وحيداً لعوائل بغداد وضيوفها وخصوصاً في أيام العطلة والأعياد طالما ان خيارات النزهة محدودة, بل محدودة جداً, كما تشير "الزمن" فإنه ليس على هذا المستوى من "البراءة" هذه الأيام مع تحول المكان الى خلوة للعشّاق الذين تضيق بهم اللهفة "ففي اول خطوة على باب متنزه الزوراء تجد نفسك وسط كراج, وأول ما يلفت انتباهك سيارات غالباً ما تكون احدى ابوابها الجانبية مفتوحة حيث يخرج السائق احدى ساقيه, واذا ما سولت لك نفسك الاقتراب من هذه السيارات فإنك ترى نفسك وجهاً لوجه امام فيلم رومانسي حقيقي يمثل بطولته السائق والفتاة المرافقة له, اما إذا كان اليوم حاراً والروّاد قلة فقد يتحول الى فيلم إباحي وهو ما يحدث بعد الساعة التاسعة مساءاً بحسب رأي اصحاب المحلات الموجودة هناك, حيث تتوقف السيارات لقضاء المبتغى وتغادر مسرعة, أما إذا ما شعر السائق الكريم أو عشيقته وهما في حماستهما الرومانسية انك نظرت اليهما وهما في الخلوة الحميمة, فإن الحماسة تتحول من الرومانسية الى نظرات مرعبة يطلقها السائق باتجاهك مقابل ارتباك وحركات مرتبكة لإقفال ازرار القميص ولم الشعر المشعث لإنقاذ ما يمكن انقاذه من قبل الفتاة المسكينة, ويكون من حسن حظك اذا كان السائق يكتفي بنظرات غاضبة كمن اقتحم احدهم غرفة نومه وانتهك حرمته! كأن الموقف ليس على قارعة شارع عام اما اذا كان الشاب الجالس في السيارة ولسوء حظك رياضياً فإنك لن تخرج بالتأكيد من هذه المضايقة من دون خسائر مادية أو معنوية في وجهك أو امعائك الدقيقة والغليظة".
     وفي مكان آخر في المتنزه (خلف المسرح الصيفي) حيث يلتقي العشّاق "المشاة" طوال السنة, تزدهر مبيعات الآيس كريم والحلويات, فالشاب الذي لا يريد أن يزعجه أحد سرعان ما يشتري مكرهاً أي شيء ولو بغالي الثمن لكي يتخلص من تطفل البائع الثقيل الظل الذي يداهمه في الوقت غير المناسب فيما هو الوقت الذهبي للبائع الخبيث الذي لا يضيع مثل هذه الفرصة, اما اذا كان الشاب مفلساً فلا يستبعد تطور الأمر الى الأسلوب العنيف لحمل البائع المزعج على ترك المكان الرومانسي.
     ويشهد المكان ذاته الذي كانت تقدم فيه فرق عراقية وأجنبية عروضها الموسيقية الراقية قبل نحو 30 عاماً (قدمت فيه فرقة ذي نيوز اللبنانية – البريطانية عروضها وكذلك المغني اليوناني الشهير في حينه ديميس روسيس) عرضاً للغجريات ذوات "الملابس السياحية" يستقطب عدداً كبيراً من الشباب "حيث ان سعر التذكرة مغرٍ وهو ما بين 750 – 1000 دينار مقابل مشاهدة أجمل الرقصات والتمتع بمفاتن الغجريات من خلال الأزياء وقد يسمح للشاب بالرقص معهن وكل شيء بحسابه".
* تقرير نشر في "الحياة" الثلاثاء 16 نيسان 200


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM