عمّان – علي عبد الأمير
أعلنت مصادر عراقية وثيقة الصلة بالوضع في بغداد أن الرئيس العراقي صدام حسين لا يترك مشروعاً إلا ويزرع نفسه فيه ويحمّله أسمه, فهناك جامع صدام الكبير الذي يقام على أرض مطار بغداد القديم (المثنى), وجسر القائد ذو الطابقين على نهر دجلة, وصدامية الكرخ وهي حي أُقيم على ضفة دجلة من جهة الكرخ, كان الرئيس العراقي أقام فيه, وقالت تلك المصادر لـ"الشرق الأوسط" إن الرئيس العراقي يولي جامع صدام الكبير اهتمامه اليومي تقريباً, وجمع عدة تعديلات طالباً إدخالها عليه, وأكد على إقامة الجامع فوق بحيرة من الماء, وقدر مكتب هندسي مختص تكاليفه بـ 500 مليون دولار, ويُنفذ خلال ثلاث سنوات. فعلى أرض مطار بغداد القديم, الذي كان المطار المدني الوحيد في المدينة حتى نهاية الستينات, وتحول لاحقاً الى مطار للخطوط الداخلية من بغداد الى كل من البصرة والموصل في السبعينات, ليُغلق في وجه حركة الطيران المدني تماماً, ويُصبح مطاراً عسكرياً لأغراض الشحن وبعض المهمات المتعلقة بالتعبئة أثناء الحرب مع ايران, وحمل اسم "مطار المثنى", على هذه الأرض بدأت الإستعدادات لإقامة "جامع صدام الكبير". وبدأت السلطات العراقية الحديث عن مشروع لإقامة أكبر جامع في العالم العربي منذ عام 1995, وأعلنت أنها بصدد تنظيم مسابقة للتصميمات التي ستأخذ في اعتبارها سعة المكان لتكون كيلومتراً عرضاً وخمسة كيلومترات طولاً, وناشدت الجهة المسؤولة عن المشروع, وهي الدائرة الهندسية في ديوان الرئاسة, المصممين أن يأخذوا في اعتبارهم وجود بحيرة ضخمة من الماء سيقام فوقها مبنى الجامع وملحقاته لتدخل بحيرة الماء ضمن كتلته المعمارية, وأضافت تلك المصادر انه رغم وصول عدة تصاميم للمشروع, إلا ان الإعلان عن فوز أحدها لم يتم بعد, وأعلن رسمياً عن بدء الإستعدادات لتنفيذ المشروع, عندما ظهر الرئيس صدام حسين وهو يناقش مع مجموعة من الوزراء والعاملين بالدائرة الهندسية في ديوانه الرئاسي, تصميمات للمشروع الذي سينفذ على أرض مطار المثنى وسيحمل أسم "جامع صدام الكبير", كذلك ناقش تصميمات مشروع آخر يحمل اسم "جامع الرحمن" ويقع في منطقة المنصور ببغداد, ويقام على أنقاض مبنى كان يشكل ظاهرة اجتماعية سابقاً هو "ميدان سباق الخيل". وسيتم بناء المشروعين وفق "خطة التدبير العراقي" كما قالت السلطات الحكومية, ووفق هذه الخطة كانت عدة وزارات عراقية قد اقامت جسراً ضخماً على نهر دجلة عُرف بإسم "جسر القائد ذو الطابقين", وانتهت من بناء حي تكوّن من ثلاثة أشكال من البيوت على ضفة دجلة من جهة الكرخ وحمل الحي أسم "صدامية الكرخ" وأُقيم على أنقاض حي بغدادي قديم هو سوق حمادة, الذي يقال إن الرئيس صدام أقام فيه فترة خلال صباه, وإنتهي من المشروعين خلال عامي 1993و1994 وقبلهما كانت الحكومة العراقية بدأت حملة واسعة لإعادة بناء ما دمرته الحرب عام 1991 وشملت الجسور, والمصانع, وشبكة الإتصالات الهاتفية والكهرباء, ومجمع القصور الوزارية في منطقة الحارثية والقصور الرئاسية ومباني المخابرات وقوات الأمن الخاص, ومبنى القيادة القومية للحزب الحاكم, في الوقت الذي أخليت فيه الدور والمباني التي تشكلت منها مديرية الأمن العامة بعد تدميرها في الحرب وانتقلت تلك الجهة المؤثرة في حياة العراقيين الى مبنى جديد كانت تشغله وزارة النفط. ويقول المهندس محمد صالح الجبوري الذي شارك في تنفيذ جامع رئاسي أقيم في مسقط رأس الرئيس صدام في "العوجة" القريبة من تكريت, ان تدخّل الرئيس في تعديل مشروع الجامع الجديد يعني أنه يوليه اهتماماً استثنائياً, ويريده نادراً وخاصاً, مثلما كان يفعل عشرات المرات حين كان يزور موقع الجامع الذي نُفذ في 1987, بل إنه لم ينس الإشارة بتغيير الإفريز الداخلي الذي كان يحمل آيات قرآنية كريمة كُتبت بالخط الفارسي ووجّه أوامره بكتابتها بالخط الكوفي. وكان الرئيس العراقي أدخل عدة تعديلات على تصميمَي الجامعين "صدام الكبير" و"الرحمن" إذ غيّر ارتفاع القبة الرئيسية والقباب الأربع المجاورة ليغدو هناك تناسقاً في الكتلة المعمارية في الثاني وألغى الساحة في الأول وحدد شكلاً لبحيرة الماء التي ستمر تحت مبناه, وقال صدام: "يجب ان تكون على شكل خريطة الوطن العربي". وتبحث وزارة الري عن وسائل تمكّنها من جلب المياه الى البحيرة, لا سيما ان موقع الجامع يبعد أكثر من كيلومتر عن أقرب نقطة يمر فيها نهر دجلة, وتشغل المسافة بنايات حكومية تضم المجلس الوطني, ووزارة الإسكان والتعمير, ومحطة خطوط السكك الحديدية الرئيسية, وواحداً من الأحياء السكنية الكبيرة الذي يضم مبنى وزارة الإعلام أيضاً, إضافة الى مجمع ضخم لإنطلاق الحافلات الى المحافظات وبعض الأحياء من ضواحي بغداد البعيدة.
* نشر في صحيفة "الشرق الأوسط" شباط 1998 |