العراق 1997: قصور الرئيس وإستراحاته تمتد من البصرة الى الحدود مع تركيا

تاريخ النشر       14/06/2010 06:00 AM


عمّان – علي عبد الأمير
تتركز المواجهة السياسية القائمة الآن بين الحكومة العراقية وكل من اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة والمكلفة إزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية والولايات المتحدة على قصور الرئيس صدام حسين والتي تسعى اللجنة وواشنطن الى شمولها بعمليات التفتيش عن الأسلحة المحظورة, بينما ترفض بغداد ذلك معتبرة ان هذه القصور هي رموز للسيادة والكرامة الوطنيتين.
ويشك المسؤولون الأميركيون خصوصاً في ان هذه القصور التي وصفها أحدهم بأن مساحتها تزيد على مساحة العاصمة الأميركية, تحتوي على كمبات مخبأة من أسلحة الدمار الشامل ووثائق تتعلق بها ومعامل ومختبرات لإنتاجها.
 ويسعى هذا التقرير الى إستقصاء عدد ومواقع واحجام هذه القصور التي قد تؤدي الأزمة الحالية الناشبة بسببها, الى إندلاع مواجهة عسكرية جديدة في العراق.
حتى أوائل الثمانينات كان بإمكان البغداديين وضيوفهم قضاء أوقات النزهة على امتداد شارع أبي نؤاس المحاذي لنهر دجلة, والذي يقابله القصر الجمهوري في الضفة الأخرى, غير ان هذه النزهات صارت مستحيلة بعد أن بُني سياج حديدي يزيد ارتفاعه ثلاثة أمتار يفصل ما بين شاطيء النهر والمتنزهين في الشارع خشية ان ترتفع أنظارهم وتصل الى الجانب الآخر من النهر وتتعرف على بعض التفاصيل عما يجري في القصر الجمهوري ومبنى المجلس الوطني القديم الذي كان يستخدمه الرئيس صدام حسين لمقابلة المواطنين وبعض الشخصيات الحكومية والحزبية.
 ورغم الحرب مع ايران وارتفاع الإنفاق العسكري وزيادة أعداد الضحايا من العسكريين والمدنيين إزدادت قصور ومقرات الرئاسة في بغداد والمحافظات العراقية, فتوسعت مساحة القصر الجمهوري, ليصبح مجمعاً كبيراً, أشرفت على تنفيذه دائرة هندسية خاصة بديوان الرئاسة, يتم إختيار كوادرها بعناية بالغة ممن لا يُشك بولائهم للرئيس وسلطته, وأصبح مجرد التوقف على الطريق السريع المؤدي الى مطار بغداد الدولي (مطار صدام لاحقاً) حتى لعارض يلحق بالسيارة, سبباً للإعتقال والمساءلة في أجهزة الأمن الرئاسي الخاص, تحسباً من أن يكون ذلك التوقف نوعاً من التلصص على قصر الرئيس صدام الذي يمتد سياجه بمحاذاة الطريق لمسافة 20 كيلومتراً.
 وفي نفس الفترة بُنيت قصور أخرى, منها واحد في قرية العوجة بمحافظة تكريت مسقط رأس الرئيس صدام, وكان قصر الرئاسة على ضفة بحيرة الحبانية قد إكتمل على شكل يخت ضخم وقد رسى على الساحل, وفي الموصل (شمال العراق) بُني قصر ضخم, في منطقة الغابات السياحية الشهيرة, بينما كان قصر الرئاسة في الكوفة قد أقيم على بقايا قصر الملك المطل على ضفة نهر الفرات وسط غابة كثيفة من النخيل.
     ونشطت حركة بناء قصور الرئيس واستراحاته بعد توقف الحرب العراقية – الايرانية عام 1988, فعلى قمة عالية في مصيف سره رش القريب من مصيف صلاح الدين في محافظة اربيل الكردية, بُني قصر على أنقاض استراحة صغيرة كانت مخصصة لنوري السعيد – أشهر سياسي عراقي في العهد الملكي – وراحت القصور تكثر في غير منطقة من مناطق الشمال التي يقطنها الأكراد مثل سولاف وسرسنك الواقعتين في محافظة دهوك قرب الحدود مع تركيا.
     كما استخدم الرئيس العراقي قصره الضخم المطل على شط العرب في البصرة مقراً شتوياً لأعماله الرسمية في الفترة التي أعقبت الحرب مع ايران, وقابل هناك ضيوفاً رسميين من عرب وأجانب, كان من بينهم وزير الخارجية السوفياتي – حينذاك – ادوارد شيفاردنادزه الذي زار البصرة في يناير (كانون الثاني) 1990 وبدا للعراقيين منظراً مختلفاً حين ظهر صدام مع عائلته وهم يستمتعون بالشمس الدافئة بينما تولى عدد من الزوارق حراسة الشاطيء.
     إلا ان الزيادة الأكبر في قصور الرئيس واستراحاته حدثت بعد انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991, فأصبحت للرئيس قصوره الضخمة في غالبية المدن العراقية رغم أنه لا يصلها, ففي منطقة قريبة من آثار بابل التاريخية أُكمل القصر الذي بدأ العمل فيه قبل الحرب, فوق تل ضخم وبُني بطريقة تاريخية تستلهم الشكل المُتخيل للجنائن المعلقة وإحدى عجائب الدنيا السبع, كذلك أقيم قصر قريب من سدة الهندية الواقعة في محافظة بابل أيضاً على أحد فرعَي نهر الفرات, وتوسعت قصور قريبة من شواطيء الفرات قرب مدينة الرمادي, وآخر في منطقة الراشدية المعروفة ببساتينها في بغداد, وظل القصر الأكثر تداولاً للحديث هو قصر "السجود" الضخم الذي بُني في مجمع القصور على امتداد شارع "أم العظام" المؤدي الى القصر الجمهوري القديم في العاصمة, ويقال ان الرئيس صدام حسين أهدى هذا القصر لزوجته ساجدة خير الله طلفاح.
     وبدأت عام 1992 حركة ضخمة في بناء قصرين مرة واحدة على الضفة الشرقية لنهر دجلة في بغداد عند منطقة الأعظمية المعروفة, وتحديداً في كورنيشها الذي يؤمّه البغداديون ويُعتبر منطقة نزهة شعبية لهم. ورافقت بناء القصرين عملية أخرى تمثلت بإجبار المواطنين أصحاب العقارات من بيوت وشقق قريبة من موقع القصرين على بيع مساكنهم لديوان الرئاسة بمبالغ كبيرة, كي يصبح المكان آمناً وبعيداً عن الإحتمالات.
     وكانت الدوائر الهندسية في ديوان الرئاسة ومنشآت وزارة الصناعة وهيئة التصنيع العسكري تتولى التنفيذ السريع والمتقن لتلك القصور, وبدأت عمليات تهريب ضخمة لكميات كبيرة من احجار المرمر والجرانيت والتجهيزات الإليكترونية التي تتطلبها عمليات الحماية والمراقبة, ونشطت حركة نزع المرمر من دوائر حكومية عراقية لحاجة ديوان الرئاسة اليها, فتعجب العراقيون من اختفاء قطع المرمر البرتقالي اللون الذي كان يزين جدران نفق ساحة التحرير التي رُشت بالأسمنت وطليت بالدهان الأبيض, وكذلك المرمر الذي كان يُغلف بناية هيئة التصنيع العسكري قرب قصر المؤتمرات لتطلى هي الأخرى بطوابقها الكثيرة بدهان رصاصي اللون, ونفس الحال حدثت للمرمر الذي غلّف بناية المجمع الحكومي في حي كرادة مريم ونشطت أسهم المرمر الأيطالي عبر الأردن, وتركيا للطلبات المتزايدو عليه من بغداد وبأسعار أعلى من السوق, وخلال الأزمات المتعاقبة التي أثارتها مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية أيام كانت سفيرة لبلادها في الأمم المتحدة, أشارت أكثر من مرة الى ان الرئيس العراقي يبني قصوراً ضخمة بعضها اكبر من البيت الأبيض في الوقت الذي يتحدث فيه عن الجوع والموت الذي تسببه العقوبات الدولية. محملة إياه مسؤولية تلك النتائج, ولم يتردد الرئيس صدام عن إبداء السخرية من أولبرايت وحديثها عن قصوره, فاعتبرها في حديث له في اجتماع لمجلس الوزراء الذي يرأسه ان قصوره هي قصور للشعب العراقي بناها بنفسه وان حديث أولبرايت يعود الى حقدها وحسدها!!

* تقرير نشرفي صحيفة "الشرق الأوسط" الإثنين 1/12/1997



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM