علي عبد الأمير
"ثامن أيام الأسبوع" هي المجموعة المسرحية البِكْر للمؤلف المسرحي العراقي علي الزيدي التي صدرت حديثاً عن "دار الشؤون الثقافية العامة" وتضم الى المسرحية التي حملت عنوان المجموعة, ثلاث مسرحيات أخرى هي: "العد التنازلي لمكبث" و "كوميديا الأيام السبعة" و "خروج بإتجاه الدخول". وتتناول النصوص بشجاعة لافتة وقائع ترتبط بالراهن العراقي عبر كشفها ثنائية القسوة / الخوف وتعرية الطغيان وإعلاء أساليب "المقاومة السلمية". والزيدي يواصل نشاطه في التأليف منذ سنوات عدة, إذ كتب عدداً من المسرحيات الجادة ذات المضامين الإنسانية معتمداً على التراث العربي ورموزه كمرجعية أساسية لنصوصه, ومستفيداً في الوقت نفسه من التراث المسرحي العالمي, خصوصاً في ما يتعلق بعمق الحوارات وانسيابيتها وقدرتها على التشظي الى دلالات متعددة تتيح للمتلقي قدرة الإستقبال والمساهمة بفاعلية تامة في تأسيس رؤية العرض. وفي مجموعته هذه تتجلى قدرته على صوغ نصوص مسرحية تخرج عن تأطيرات المكان والزمان ومحدودية ايحاءاتهما الى مكان وزمان متخيلين, من الممكن ان يكون لهما وجود واقعي في كل مرحلة تاريخية لكونه اتخذ من الإنسان بذاته قضيته الأساسية. أولى مسرحيات الكتاب "ثامن أيام الأسبوع" تراجيديا تصور مأزق إنسان يجد نفسه فجأة محكوماً عليه بالموت. وحين تبدأ رحلة صراعه من أجل البقاء يُجابه صعوبة في التغلب على عامل المقبرة "الدفّان" ولن ينتهي الصراع إلا بوضعه داخل قبره وإهالة التراب عليه. ترمز المسرحية بمجملها الى الصراع ما بين إرادة الموت التي تسعى الى ان تزيل الإنسان من الوجود ككينونة فاعلة مؤثرة به, وإرادة الحياة التي تريد بقاءه من أجل استمرارها وديمومتها. أما المسرحية الثانية "العد التنازلي لمكبث" فهي مستوحاة من النص الشهير "مكبث" لوليم شكسبير. وفي هذه المسرحية يصور المؤلف معاناة مكبث وما ينتابه من ظنون وهو يرى اقتراب نهايته وقد جسّد الرعب الذي هيمن عليه وهو يرى انفراط اللحظات الأخيرة من عمره, متجهاً نحو لحظة الصفر, خصوصاً انه اعتمد على الزمن كبنية أساسية لها حضورها القوي وأهميتها في تضخيم حال الرعب تلك, وكانت أعماق مكبث هي المكان الذي جرت فيه الأحداث فحضرت الشخصيات في خياله ولم تحضر على الخشبة من الشخصيات الأساسية في النص الأصلي غير "ليدي مكبث". لعل جهد الزيدي بدا واضحاً في مسألة "الإرتقاء" الى مستوى اللغة الشكسبيرية وكان يجب عليه ان يفعل ذلك في مغامرته هذه, إذ ان الإقتراب من أعمال هذا المؤلف الخالد يتطلب قدرة خاصة في محاكاة تلك اللغة ذات السبك المحكم والشعرية العالية. المسرحية الثالثة "كوميديا الأيام السبعة" تتجلى فيها ثنائية القسوة والخوف, تلك الثنائية الملازمة أبداً للوجود البشري, وهي كوميديا سوداء بطلها طاهٍ يتهم جَداً وحفيده بقتل كلبه. ولدى فرضه منطقه الخاص وانصياعهما له يصدر حكماً تعسفياً يتمثل بامتناع الإثنين عن تناول الطعام مدة أسبوع حداداً على كلبه. يفقد طرفا الصراع في هذه المسرحية انسانيتهما. الأول يفقدها بسبب دافع الشر المهيمن على تفكيره وسلوكه, والثاني بسبب الجُبْن المستولي على عزيمته, وأجاد المؤلف في اختياره شخصيات تنتمي الى أزمنة مختلفة لكنها متصلة, في إشارة منه الى الماضي (مثّله الجد) والحاضر (مثّله الطاهي) والمستقبل (مثّله الحفيد) دلالة على أزلية المأساة لكونها مرتبطة بطبيعة التكوين السيكولوجي للإنسان وتأصل هاتين الخصلتين فيه (القسوة والخوف). وبدت المسرحية غير بعيدة من راهن اللحظة العراقية على رغم محاولات الكاتب إضفاء الطابع الأزلي والوجودي عليها. المسرحية الأخيرة "خروج بإتجاه الدخول" تنقل تمرُّد مجموعة من الأبناء على سلطة أبيهم الذي يحاول بدافع عاطفي, إبقائهم في كنفه ومنعهم من الرحيل عنه, وهكذا تكون الهجرة في هذه الحال واحداً من أساليب "المقاومة السلمية". في هذه المسرحية يعطي المؤلف للمكان دور البطولة, إذ نجد ان الأحداث تدور داخل قبو مهمل عتيق وهو يرمز الى التقوقع والإنغلاق والمجانبة في حركة الزمن المتقدم بسرعة الى الأمام, وهذه صورة شديدة التكثيف عن حال عزلة يعيشها العراقيون الآن. الأبناء ينتصرون أخيراً فيخرج الجميع واحداً تلو الآخر من أجل مجابهة الحياة وتحدي ظروفها ومن ثم التحرك معها باتجاه المستقبل (خلال السنوات العشر الأخيرة خرج من العراق أكثر من 4 ملايين شخص والعدد الى تصاعد).
* نشرت في "الحياة" الثلاثاء 20 آب 2002
|