عمّان – علي عبد الأمير
"كان المسؤول الأمني في المنطقة التي أسكن فيها يستدعيني مرة أو اكثر كل شهرين طالباً مني تزويده بالجديد من اخبار زوجي, ويسأل اذا كان يتصل بنا وهل يحوِّل لنا المال, ويأمرني بالتوقيع على تعهد بتزويد السلطات بكل معلومات مستجدة تتعلق بزوجي", تقول أم سرمد, إحدى المهاجرات العراقيات اللواتي وصلن الى العاصمة الأردنية منذ سنة أو اكثر, بسبب الإضطهاد الذي يعانين منه والتحقيقات الأمنية التي كنَّ يتعرضن اليها, وهذا ما لا يكشفه تقرير "الإتحاد العام لنساء العراق", عن المرأة العراقية المهاجرة الذي يُظهر أن هجرتهن سببها تدني مستوى المعيشة العام ما هو غير متطابق مع صورة عشرات العراقيات اللواتي يطرقن كل شهر أبواب "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين" في عمّان على أمل الحصول على "البطاقة الزرقاء" التي تعني تمتع حاملها بحقوق "تسمية اللاجيء" بعد جولات مطولة من التحقيقات والإنتظار قد تستمر نحو سنة أو اكثر.
الموظفة السابقة في ديوان وزارة المال, اوضحت انها استخدمت وسيلة باتت ملاذاً لمئات النساء المتزوجات لكي تستطيع مغادرة البلاد, طالما ان القانون يمنع على العراقية المتزوجة من السفر من دون مرافقة زوجها, فالمرأة تتقدم الى المحاكم بطلب طلاق تحت ذريعة ان الزوج تركها وحيدة من دون أن تعرف مصيره, وبعد حصولها على الطلاق في شكل يسير (عبر تقديم الرشاوى) تحصل على حق رعاية الأولاد, وبالتالي فهي تضمن حق مصاحبتهم لها في السفر الذي سيكون متاحاً مع محرم (الأب او الأخ). وتعزو المنظمة النسوية العراقية قضية الهجرة الواسعة التي شغلت المجتمع العراقي على نحو واسع منذ عام 1979, الى حملة "تطهيرية" طاولت شيوعيين وإسلاميين الى جانب أكراد تشك بغداد في أنهم من أصول إيرانية "الأكراد الفيليون" إذ هاجر او دُفع الى الهجرة مئات الآلاف من العراقيين. لكن, وعلى رغم الإعتراف بأن "الهجرة مثلها مثل أي ظاهرة إنسانية, تنشأ في سياق اقتصادي وسياسي وضمن ظروف تاريخية محددة, وأن أهم عوامل الهجرة تركزت في المعاملة التمييزية ضد فئات من السكان, إلا ان هذا لا ينطبق على الهجرة العراقية, بل ينطبق أكثر على الهجرة في المجتمعات العربية الأخرى, وتحديداً في مجتمعات بلاد الشام, وشكلت المرأة جزءاً من العائلة العربية المهاجرة". ويؤكد التقرير ان "الإتحاد النسوي" يعمل على إبقاء الصلات مع النساء العراقيات في الخارج, بسبب عدم إنشاء مؤسسات تهتم بقضايا المغتربين, إذ ان العراق يتميز عن غيره من بلدان المشرق العربي بالضآلة النسبية لحركة الهجرة في بداية القرن العشرين حين بدأت طلائع الهجرة من سورية ولبنان. وذلك يعود الى أن التشكيلة السكانية للعراق لم تكن تشكو من تمييز في المعاملة, بحسب ما جاء في التقرير. وتتساءل منى عبد الحميد المدرِّسة السابقة في إحدى ثانويات بغداد للبنات والمقيمة حالياً في عمّان عن الظهور المفاجيء لحرص الإتحاد على ربط قضية المرأة بالوطن, "خصوصاً ان النشاط المهني للإتحاد تحول الى نشاط أمني عبر مراقبة احاديث النساء العراقيات وتأويلها سياسياً". وتضيف "تعرضت الى تحقيقات كانت على وشك ان تودي بحياتي عندما تساءلت في غرفة المدرسات, قبل نحو عامين, عن معنى دعوة الحكومة الى منح الطبيبات والمهندسات قروضاً مالية ميسرة في حال تركهن الوظيفة؟". وأكدت "لولا الموقع الحزبي الكبير لزوج شقيقتي, لكان التقرير الذي كتبته عني زميلتي "العضوة الناشطة" في إتحاد النساء كفيلاً بخراب بيتي". وأضافت ان تقرير اتحاد النساء أورد ان "العدوان الإيراني على العراق (...) والذي استمر نحو سنوات لم يؤد الى دفع المواطنين للهجرة خارج العراق وإنما ساهمت الحرب الدفاعية في تحصين الوحدة الوطنية", متغاضياً في هذا الجانب عن حقيقة بسيطة كانت بموجبها الهجرة مستحيلة, فالسفر كان ممنوعاً في العراق خلال الحرب, ولذلك سجّلت الهجرة معدلاتها العالية, ما إن أُعلن عن حق العراقيين في السفر الى الخارج وبعد نهاية حرب الخليج الثانية في العام 1991. وقد نزع العراق عن مواطنيه المهاجرين منذ العام 1979 حقوقهم في الجنسية وجواز السفر, لذا كان من الطبيعي ان ينفي التقرير وجود هجرة, مثلما كان من الطبيعي ان يتشبث بالنتائج التي تركتها العقوبات, كسبب وحيد للهجرة, وان العراقيين هاجروا طلباً للرزق. التقرير الذي حملته منى عبد الحميد الى "الحياة" بعد اطلاعها عليه في احد المواقع المهتمة بقضايا المرأة العربية على شبكة الإنترنت يحوي معلومات متناقضة, إذ أنه وعلى رغم تأكيده على الطابع الإقتصادي للهجرة, يلمح الى خطة ترغيب العائلات بالهجرة لتفريغ العراق من الطاقات العلمية. والضمانة التي يقدمها التقرير لربط العراقيين بوطنهم تكمن في تقديم كل التسهيلات لهم بالسفر والمعاملات, وتم إستصدار قوانيين عدة تسهل عودة من غادروا العراق بطرق غير مشروعة والعفو عنهم من دون مساءلة قانونية. وفي حين تؤكد عبد الحميد أن أوضاع النساء تزداد صعوبة في العراق لجهة نتائج الحصار وتأثير القرارات الرسمية التي بدأت تتراجع عن نهج مساواة المرأة بالرجل, من خلال تشجيع النساء العاملات على ترك الوظيفة, وإعلاء قيمة وجود المرأة داخل بيتها, واعتبار ضرب الرجل لزوجته سبباً غير موجب لطلب الطلاق, فإن التقرير يبشر بعودة مؤكدة للعائلات العراقية "الدوافع التي دفعت العائلات العراقية للهجرة خارج البلاد والناجمة عن الحصار والعدوان ستزول بصمود شعب العراق, وستعود العائلات العراقية المهاجرة الى الوطن الملجأ الآمن". وترى أم سامر, المهندسة السابقة في "مشروع الدجيل الزراعي" ان التقرير يقدم نظرة غير موضوعية الى قضية الهجرة ودور النساء العراقيات "وليس الخبز وحده, دافع العراقي الى الهجرة, انما حاجته الى العيش الآمن الكريم, وهو ما كان مفتقداً قبل الحصار وبعده".
*تقرير نشر في "الحياة" 14 كانون الأول 2002 |