الموسيقى العراقية في نهايات القرن العشرين 6

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       07/06/2010 06:00 AM


الملحن محمد أموري يرثي الأغنية العراقية
ويهجو "الجهلة" الذين يسيطرون على الساحة

عمّان – علي عبد الأمير
     يطلق الملحن العراقي المعروف محمد جواد أموري, النار على "مؤسسة الإذاعة والتلفزيون" التي تخلّت عن دورها, كما يقول في تصريحات صحافية في بغداد واصفاً حال الأغنية العراقية اليوم بأنها اصبحت نهباً لـ"الجهلة" من دون أن يستثني أحداً من الأسماء الجديدة سوى إبنه نؤاس!!
     واذا كان أموري الذي صاغ ألحان أبرز أغنيات المطربين المعروفين عراقياً في عقد السبعينات الماضي: ياس خضر, حسين نعمة, حميد منصور, أمل خضير وغيرهم انشغل خلال العامين الماضيين في ملاحقة أصوات عربية "سطت" على ألحانه فإنه لم يكف في الوقت ذاته عن إعادة تقديم ألحانه بصوته على رغم جفافه وخشونته معتبراً ذلك رغبة في أن "أوصل الحاني بصدق وأن يعرف الجمهور انها لي".
     ونفى أموري بحسب ما نشرته صحيفة "الاعلام" العراقية الأسبوعية ان يكون المطرب ياس خضر ارتبط بالملحن طالب القره غولي (لحّن له – البنفسج و روحي) مؤكداً انه هو الذي لحن لياس خضر أكثر من عشرين لحناً (كانت ابتدأت مع أغنية – على شاطي الفرات).
     ووصف صاحب لحن أغنية "يا حريمة" التي غناها المطرب حسين نعمة تجربة إلهام المدفعي بـ"الجهل", لافتاً الى ان الأخير "سمح لنفسه بأن يعبث بالأغاني الشعبية العراقية التي هي ليست من ألحانه" ومن ضمنها بعض ألحاني (في اشارة الى أغنية – مالي شغل بالسوق – التي يغنيها المدفعي في عروضه ويقدمها في اسطوانته بوصفها "من التراث العراقي"), غير ان أموري وهو يؤكد ان المدفعي "جاهل موسيقياً" بدا متعسفاً حين جعل الأمر ملزماً بين إجادة الموسيقى والأنغام وبين دراستها, فأكبر مغنِّي الأوبرا في عصرنا وهو لوتشيانو بافاروتي لا يقرأ النوتة ولم يكن درس الموسيقى في معهد أو أكاديمية, واعتماداً على "قانون أموري" فمن الممكن القول "بافاروتي جاهل موسيقياً"!!
 


 
     وفات أموري أيضاً ان الفنان الهام المدفعي بدأ تجربته في تقديم الموروث الغنائي العراقي والعربي احياناً, ضمن رؤية موسيقية جديدة قبل نحو ثلاثين عاماً. وبدت آلات الغيتار والأورغ والدرامز في فرقته وهي تؤدي ألحاناً بغدادية شعبية, تعكس توقاً عند جيل من العراقيين كان يسعى الى الإتصال مع العصر من دون التخلي عن ملامحه وموروثه. ولعل العرض الموسيقي الذي يقدمه الهام المدفعي اليوم يتضمن انسجاماً بين آلات من ثقافات متعددة, فلا تبدو ايقاعات "الكونغا" متنافرة مع "الطبلة" ولا "الغيتار" الكلاسيكي أو الإسباني متنافراً مع "القانون". صحيح ان المدفعي ليس صاحب صوت لافت إلا انه استطاع ان يكون صاحب "جو غنائي" فريد أثبت ان الكلام عن "قالب معاصر" للموروث الغنائي ممكن أن يتحول حقيقة قائمة.
     وعن سبب انقطاع الأغنية العراقية عن مواصلة نتاجها المميز كالذي كانت عليه في السبعينات, يرى أموري ان "مؤسسة الإذاعة والتلفزيون" التي كانت تدير الإنتاج الموسيقي وتشرف عليه "حادت عن خطها" وانها باتت تتعمد التقليل من بث اغنيات شكلت علامة بارزة في الأغنية, و "تخلت عن واجبها".
     وعن تردده في التعامل مع شباب الأغنية العراقية علّه يكتشف صوتاً جديداً يقول أموري: "لدي الرغبة في التعامل مع الشباب ولكن هناك الكثير من المعوقات تقف حائلاً دون ذلك, منها ارتفاع كلفة تسجيل الأغنية. فأي مطرب شاب يستطيع أن ينفق نصف مليون دينار بين تحضير استديو للتسجيل وموسيقيين وأجور ملحن وشاعر؟".
     وعن الذين أعادوا تقديم الأغنيات العراقية الناجحة وبينها اغنيات وضع ألحانها محمد جواد أموري يقول صاحب لحن "يا حريمة" انها "ظاهرة غير صحيحة, فالمطربون الجدد أولى بهم ان يقدموا اغنيات جديدة بمستوى ما سبق, ألم يكن أفضل؟ عطفاً على إساءتهم الى تلك الأغنيات حين عجزوا ان يصلوا الى الأحاسيس ذاتها وصدق المشاعر. حتى إبني نؤاس حين غنى اغنياتي في بداياته لم يستطع ان يصل الى احاسيسي وروحيتي لكنه استطاع ان يقدمها بصورة مناسبة بعد حين".
     ومحمد جواد أموري المولود في احدى أعرق مناطق الغناء الريفي في العراق (قضاء الهندية) كان تعلم فنون العزف على الكمان وعزف الآلة في "الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية" ومن هنا جاءت ألحانه مزيجاً نادراً من روحية الغناء الريفي والمعاصرة, وكأنها حاولت ان تكون مرآة زمن ساد فيه العراق في عقدي الستينات والسبعينات الماضيين مع تراجع ملامح المدينة العراقية وثقافتها وغنائها وموسيقاها تحت تأثير هجرة أهل الريف الواسعة إليها. فبعد ألوان غنائية مدينية صرفة (المقام العراقي والأغنية الشعبية) كانت تمتاز بها بغداد والموصل والبصرة وكركوك والحلة, واغنيات ريفية لها ملمحها البيئي الخاص, جاءت اغنيات (منها ما لحنها أموري), خليطاً من روحية الغناء الريفي في الكلام وخامة الصوت ونبراته وتوزيع موسيقي مبتكر ومعاصر. فلا أهل الريف ظلوا يعرفون ألوانهم ولا أهل المدينة حافظوا على أغنية تميزهم كالتي يمثلها بامتياز الراحل ناظم الغزالي. ومن هنا ليس غريباً ان تجد الغزالي خياراً مستغرقاً بنوستالجيا (حنين) عند أهل بغداد اليوم.
     في هذا الشأن تحقق أغنيات الغزالي رواجاً لدى أهل بغداد حتى من لدى شبّان ولدوا بعد سنوات طويلة من رحيله, وأن متجراً لبيع الاسطوانات المضغوطة في بغداد, وإن كانت مقرصنة, يحقق ارباحاً جيدة من مبيعات أغنيات الغزالي لمستمعين شبّان. ومن مؤشرات حضور صاحب "طالعة من بيت أبوها" و "ريحة الورد" و "تصبح على خير" ان فرقة موسيقية – غنائية عراقية جديدة تشكلت بإسمه, واضعة نصب اهتمامها إحياء موروثه الغنائي الذي صار ايجازاً لرائحة بغداد وموسيقى أمكنتها ومشاعر أهلها لسنوات.

*نشرت في "الحياة" 11  تموز 2001



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM