العراق 2001 : خمسون مليون مسدس ورشاش وحروب طويلة تنتج قيم عنف تهز المجتمع

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       07/06/2010 06:00 AM


بدأ "أشبال صدام" الأسبوع الماضي في بغداد والمحافظات العراقية دورات تدريبية على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة فضلاً عن أدوات تثقيفية في فكر حزب البعث الحاكم ودراسة حياة الرئيس صدام حسين ضمن معسكرات مغلقة يُحجز خلالها التلاميذ بين 12 و 17 سنة لستة أسابيع, ويسمح للعوائل بزيارة الأولاد مرة في الأسبوع (كل يوم جمعة).
 وكانت السلطات العراقية قررت منذ نحو عامين تنظيم "أشبال صدام" معتبرة دخول التلاميذ الذي يجتازون المرحلة الإبتدائية (الأساس) وطلاب المرحلتين المتوسطة والإعدادية (الثانوية) في الدورات العسكرية شرطاً لمنحهم شهادة نجاح في المرحلة الدراسية.ومع دورات "أشبال صدام" والمتطوعين في "فدائيي صدام" وجنود "الخدمة الإلزامية" في الجيش وجنود "خدمة الإحتياط" ونحو ستة ملايين تطوعوا بحسب المصادر الرسمية العراقية في "جيش القدس" إضافة الى مئات الآلاف من المتطوعين في تشكيلات "الحرس الجمهوري" و "الحرس الجمهوري الخاص" و "الأمن الخاص" ومنتسبي اجهزة "الأمن الداخلي" وأعضاء ميليشيا الحزب الحاكم, يكون معظم الرجال العراقيين ما بين 12 – 40 عاماً في دائرة الإستنفار العسكري والأمن, يعيشون هاجس السلاح والعنف والموت, ما إنعكس على التركيبة الإجتماعية وخلق حالة من عدم الإستقرار بدا فيها اللجوء الى السلاح في فض النزاعات الشخصية والعائلية "عادياً" مثلما انتشرت ظواهر السطو المسلح وقطّاع الطرق.


 

     وفي مقابل الإنتشار المسلح للأجهزة الحكومية العراقية ضمن ما سمّاه باحثون عراقيون "عسكرة المجتمع" تصاعد "عنف مسلح مضاد" فأصبح من النادر ان يمر يوم على مدن الجنوب في العراق من دون ان تتعرّض فيه الرموز الحكومية الى عمليات مسلحة, والرد المقابل على هذه العمليات بأخرى عقابية غالباً ما تؤدي الى القتل.
     يقدِّر ضباط عراقيون سابقون ومسؤولون في الأجهزة الأمنية والحزب الحاكم اتصلت بهم "الحياة" في دول مجاورة للعراق وفي أوروبا, عدد قطع السلاح بنحو خمسين مليون قطعة سلاح شخصي (مسدس وبنادق ورشاشات خفيفة ومتوسطة). أي ان هناك قطعتي سلاح شخصي لكل مواطن عراقي, الأمر الذي جعل السلاح ولغته وعلاقاته حاضراً في المجتمع العراقي وبين قطاع الشباب خصوصاً, فهم الأكثر تعاطياً معه بحكم القائمة الطويلة من الأجهزة العسكرية والحزبية والأمنية التي يتوجب عليهم قضاء سنوات طويلة من حياتهم فيها.
     وساهمت المعاناة الإقتصادية للشباب العراقي في دفع نسبة كبيرة منهم للعمل في الأجهزة العسكرية والأمنية, فالحكومة تدفع رواتب جيدة قياساً بمعدل الأجور الشهرية في قطاعات العمل الأخرى, ويقدَّر راتب المتطوع في ميليشيا "فدائيو صدام" بنحو 40 ألف دينار وهو ما يزيد خمس مرات على معدل الراتب الشهري للموظف, ومنحت الحكومة المتطوع في "جيش القدس" سبعين ألف دينار أجراً شهرياً ما لبث ان إنخفض الى خمسة وعشرين ألفاً بعد "الأعداد الضخمة" من المتطوعين حين عمد الرجال في العائلة الواحدة الى التطوع على أمل الحصول على مصدر مالي جيد يغنيهم عن البحث عن أعمال شاقة لا تدر عليهم "ربحاً" كالذي يدره "التطوع" في "جيش القدس". "أشبال صدام" يُمنحون 20 ألف دينار عن فترة التدريب في المعسكرات تسلم الى عوائلهم لقطع الطريق على اسباب تجعل أولياء الأمور يمتنعون عن إرسال اولادهم الى المعسكرات.
سرقة السيارات
     أحد ضحايا عصابات السطو المسلح في العراق (صاحب سيارة تاكسي سُرقت منه تحت تهديد ركّاب مسلحين) يقول إن حوادث كالتي تعرّض لها لم تكن معروفة إطلاقاً في العراق قبل عشرين عاماً, وانها إزدادت مع ازدياد السلاح ووصوله الى قطاعات المجتمع, لافتاً الى ان حوادث يومية يستخدم فيها السلاح لحل خلافات أو في عمليات سطو على بيوت و سيارات ومحال تجارية باتت "ظاهرة طبيعية" من ظواهر المجتمع العراقي ومن دون ان تشكل عاملاً مفاجئاً لأحد.
     ومع تصاعد حوادث سرقة السيارات لم يعد العراقي يترك سيارته قريباً من مكان عمله أو مسكنه بل في ساحات تتولى شركات حماية شخصية حراستها في مقابل ثمن بعد أن أصبحت الأجهزة الحكومية عاجزة عن ايقاف ظاهرة سرقة السيارات, واستخدمت الأسلحة في البيوت لرد حوادث السطو المسلح عليها.
     انهيار النظام الاجتماعي العراقي يراه باحثون في مؤسسات حكومية عائداً الى العقوبات التي أثقلت كاهل المجتمع وان انتشار السلاح واتساع التنظيمات العسكرية "جزء من التعبئة لمواجهة الأخطار الخارجية" غاضّين النظر عن تحول اجتماعي نوعي, من التآلف الى الصراع المسلح لحل قضايا تبدو هامشية لا تستدعي عنفاً كالذي يطاول فئات كثيرة أبرزها الطبقة المتوسطة التي لم يعرف عنها ولعها بالسلاح كونه جزءاً أساسياً من مكونات العائلة و "حارسها" في احيان كثيرة.
     اكاديميون عراقيون في عمّان اكدوا لـ"الحياة" ان المنعطفات الحاسمة التي عاشتها القضية العراقية خلال العشرين عاماً الماضية, لجهة الإنهيارات الاجتماعية والاقتصادية, لا يمكن ان تكون "مقياساً اجتماعياً ثابتاً" وان نتائج "عسكرة المجتمع" يمكن ان يخف تأثيرها مع عودة الوضع الاقتصادي في البلاد الى مستويات طيبة من النمو, لافتين الى قاعدة تقول ان المجتمعات التي تعيش حال حروب طويلة تعاني تدهوراً اجتماعياً, وان رفقة طويلة مع السلاح تنتج مستويات متوقعة من قيم العنف, لكنهم حذروا من ان استمرار الإستنفار وتردّي الأوضاع الإقتصادية وتصاعد السلاح "قيمة عليا" تؤدي الى "اختلال في البنى الإجتماعية".
     وفي هذا الصدد يشير الأكاديميون الى جرائم "سطو مسلح" ارتكبها قاصرون (أقل من 18 عاماً) وهي حوادث لم تكن تسجل في العراق إلا نادراً قبل عام 1990, وتصاعد نسبة الجرائم التي ترتكبها النساء (بعضها منظم وفق عصابات) وتصاعد عمليات القتل من أجل المال (بعضها يطاول أقارب من الدرجة الأولى, كالآباء والأمهات والأخوة).
     عودة المجتمع العراقي الى حاله الآمنة والمستقرة والخروج من دائرة العنف, تراها الباحثة ليلى السعدي ممكنة, فرفع العقوبات عن البلاد يدفع بالعجلة الإقتصادية الى الدوران فتنهمك قطاعات المجتمع الأكثر نشاطاً (الشباب) في العمل, ما يخلق نوعاً من الثقة بالمستقبل وتستقر الإندفاعات الاجتماعية وتهدأ النفوس التي يورقها سؤال الغد وينسحب السلوك العنيف شيئاً فشيئاً لكن من دون ان تختفي ملامحه تماماً.
*تقرير نشر في صحيفة "الحياة" 3 تموز 2001


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM