مهرجان الموسيقى العربية 2001:أصوات تتقلب بين التجديد الحذر وتكرار القديم

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       04/06/2010 06:00 AM


القاهرة – علي عبد الأمير
حشد من المطربين والمطربات شارك في حفلات مهرجان الموسيقى العربية العاشر الذي نظمته دار الأوبرا المصرية في الفترة بين الأول والعاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري, وحضرت "علامات" الغناء العربي الرصين كما حضرت الأصوات التي حاولت التجديد ضمن إطار لا يخرج عن القوالب المتوارثة, حضر الأداء المستغرق في تقليد كان جل اهتمامه استعادة أمينة لأصول أم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهما, مثلما حضر الاداء الغنائي المفعم بروحية شخصية, وإن كان معتمداً على الأثر الغنائي لجيل الرواد.
     المطربة الشابة آمال ماهر أكدت نقاء خامتها الصوتية في حفل إمتد حتى منتصف الليل, وإنها من نوع الأصوات النادرة. فهي تحلّق مع ألحان اغنيات أم كلثوم وتستعيد صورتها, وإن كان ذلك ليس بالتماهي كلياً مع النموذج الأصلي, ففرادة الصوت وعبقريته ليستا كافيتين طالما ان السؤال يظل مبرراً: أي اغنية خاصة ستقدمها ماهر وهي المستغرقة في ملامح "كوكب الشرق"؟ وهل سيتولى مكتشف آمال ماهر, الملحن والمؤلف الموسيقي عمار الشريعي صوغ الحان رفيعة تليق برخامة هذا الصوت وسعته, وبما يبعد المطربة الشابة عن الصورة القوية لأم كلثوم؟.
     وحين أطلت المطربة عفاف راضي على جمهور جاء خصيصاً لسماع صوتها, فهي لم تقدم غير ظل شاحب لذلك الصوت الذي قدّمه الملحن الراحل بليغ حمدي أوائل السبعينات على أمل إحداث تغيير في مشهد الغناء السائد تلك الأيام, ففي الوقت الذي كانت فيه الأصوات النسائية من نوع الأصوات العريضة والقوية, جاء صوت راضي, ناعماً الى حد الخفوت على أمل ان يكون لمصر صوت "فيروزي".
     المطرب الحاضر دائماً في حفلات مهرجان الموسيقى العربية صباح فخري لم يحتج الى كثير من الوقت مع بدء ظهوره في اليوم الثاني للمهرجان ليؤكد أنه صاحب الطرق الأدائية السلسة في أكثر القوالب صعوبة وتركيباً, صوته القوي تقابله روحية اداء نادرة وبراعته في الغناء ليست أقل إحكاماً من براعة صوغ الألحان في قالبي "القصيدة المغناة" و "الموشح".
     الأداء الحي القائم على إخفاء ملامح شخصية في غناء عربي أصيل, مثّله صوت المطربة المصرية الشابة مي فاروق, فهي بعد فوزها العام الماضي بمسابقة "القصيدة المغناة" المقامة على هامش المهرجان, أكدت انها جديرة بالوقوف على مسرح دار الأوبرا وتقديم ما يناسب في صوتها من حلاوة في الأداء وتمكن في الفن, فغنت "خاف الله" للراحلة فايزة أحمد محتفظة بلمسة شخصية, وإن كانت صورة المطربة اللبنانية حاضرة في أدائها.
     ومثل هذا الملمح كان حاضراً في اداء المطربة الشابة ريهام عبد الحكيم وهي تغني من ألحان الراحل بليغ حمدي في حفل إحتفى بأعمال صاحب "موعود" وعشرات الألحان لعبد الحليم حافظ وأم كلثوم وشادية وغيرهم, وهي عبر مشاركاتها في حفلات مهرجان الموسيقى العربية إكتسبت أكبر قدر من الخبرة والمران والطواعية في الصوت, والخروج الى الألوان الحديثة في الغناء لاحقاً وقد تخضبت روحيتها بما يمكنها من أداء سلس وعفوي يبعد الأغنية الحديثة من شكل أقرب ما يكون الى التهريج.
     مطربان سعيدان تماماً بصورتهما المتطابقة كلياً مع الأصل, وراضيان بأداء يتماهى مع عبد الوهاب ومحمد عبد المطلب, فالمطرب السوري صفوان بهلوان مستغرق كلياً في صورة محمد عبد الوهاب ولا يأمل في إخفاء ملمح شخصي على أداء صاحب "الجندول" وهو حين يغني لا يسعى الى غير الحفاظ على نبرات الصوت الأصلي والإستغراق حتى في اطلالة عبد الوهاب على المسرح ومثل هذا الحال, تسعد أيضاً المطرب المغربي فؤاد زبادي الذي تخصص في غناء المطرب محمد عبد المطلب الى حد أنه لا يفكر بطريقة ما تخرجه من الإطار القديم وإن كان يتمتع بطاقة صوتية تطرب السامع حتى أعماقه وتهف اليها النفس وترتاح.
     ومن لبنان جاء صوتان "شابّان" أحدهما استعاد بذكاء صورة المطرب وديع الصافي, والثاني وقع في خطأ قاتل, فتوقع ان يكون ظهوره في المطاعم والمنتديات الليلية مناسباً لظهوره في مكان عُرف بصرامته في شكل الأداء ورصانته مثل "مسرح دار الأوبرا".
     المطرب معين شرف تجاوز غياب التوافق بينه وبين الأوركسترا اعتماداً على مهارة صوتية تجمع أعلى درجات (الجواب) وأدنى درجات (القرار) ولكن ليس من طريق التماهي الكلي مع أثر وديع الصافي, بينما جاء أداء المطرب وائل جسّار "خفيفاً" وبما يقارب الإسفاف حين راح يمزج ايقاعات الألحان الراقصة التي غنّاها بحركات إستجداء التصفيق من الجمهور وإرسال القبلات الهوائية وهو ما يعد "خروجاً" على الثوابت التي رسخها مهرجان الموسيقى العربية في العرض الغنائي, وبذلك خسر جسّار فرصة لا تتوافر للكثير من مطربي ومطربات هذه الأيام.
     أحمد السنباطي الجاف الصوت والمرتبك الأداء لم يعن بصورة والده, ولم يوفق في الإبقاء على صورة صاحب الألحان القوية السبك والعميقة الصياغة الشرقية حين اشترك في حفل خُصص لإحياء ذكرى رياض السنباطي, بينما جاء غناء المغربية حياة الإدريسي طيباً وبما يتوافق مع الطبيعة النغمية المستغرقة في طرب عميق لألحان صاحب "الأطلال".
     وقصد مهرجان الموسيقى العربية العاشر من إجراء مسابقة الغناء في قالب "الدور" إحياء القوالب التراثية بعد أن اصبح الغناء خلطاً بين القوالب, ومن أجل تمرين الأذن على السلطنة وتمرين الصوت على طرق النغمات الصعبة والتصرف في المقامات العربية فضلاً عن الكشف في المواهب الدفينة من بين طلبة المعاهد الموسيقية في العالم العربي.
     وانتظم في المسابقة هذا العام 21 متسابقاً, إجتاز عشرة منهم التصفية الأولى امام لجنة التحكيم التي ترأسها الملحن حلمي بكر.
     وبينما حجبت لجنة التحكيم الجائزة الأولى وقيمتها 5000 جنيه مصري, مُنحت الجائزة الثانية وقيمتها 4000 جنيه مناصفة بين المصريتين ولاء ابراهيم رميح ومروة ناجي, كما مُنحت الجائزة الثالثة وقيمتها 3000 جنيه بين كل من المصريتين هويدا صلاح ومنى عبد الرحيم.
     الفنان حلمي بكر قال إن اختيار الفائزين جاء في حيادية تامة وموضوعية شديدة, منوهاً بأن الأصوات الفائزة حظيت بظهور لافت مؤازرة لها حين غنت بمصاحبة "الفرقة القومية العربية للموسيقى" بقيادة المايسترو سليم سحاب في اختتام المهرجان, وأكد ان من بين الأصوات الجديدة من يجيد أداء القوالب الغنائية الأصيلة, وهذا ما سيؤهلها الى أداء ما ترغب من الأشكال الغنائية الجديدة بتمكن وإجادة.

*متابعة نشرت في صحيفة "الحياة" 13 تشرين الثاني 2001



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM