نقد أدبي  



نهاد التكرلي بوصفه (رائد النقد الأدبي في العراق)

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       04/06/2010 06:00 AM


 لا يتوقف الشاعر سامي مهدي عن إثارة السجال في المشهد الثقافي العراقي داخل البلاد وخارجها, فهو صاحب التجربة الشعرية التي ظلّت نائية عن نشيد المديح المتهافت لقيادة صدام وحروبه على رغم تبوئه المراكز الأساسية في مؤسسات ثقافية وصحافية عراقية, مثلما هو صاحب مراجعات نقدية مثيرة للسجال (كتابه عن مجلة "شعر" اللبنانية ومشروعها التحديثي الأدبي العراقي الذي ينتمي اليه). كذلك ظلّت ترجماته مختارات من الشعر الفرنسي تثير النقاش لجهة مدى رصانة الترجمة ودقتها, الشاعر مهدي يصر على ان دراسة الفرنسية سنوات ثلاث كافية لمعرفة كنهها وبالتالي ترجمة روائعها الشعرية.
     وجديد سامي مهدي ما تضمنه كتابه "نهاد التكرلي ... رائد النقد الأدبي الحديث في العراق" الصادر حديثاً عن "دار الشؤون الثقافية العامة" في بغداد, فهو ينسف فكرة شبه مؤكدة عن "ريادة" الدكتور علي جواد الطاهر للنقد الأدبي الحديث في العراق, من دون أن يورد أسباباً وأسانيد مقنعة تجعله يضع نهاد التكرلي "رائداً" للنقد الأدبي الحديث في العراق, فهو يكتفي بالقول: "الرجل كان رائداً من رواد الثقافة الحديثة في العراق" وأنه ظل كذلك حتى في كهولته وشيخوخته, هذا على رغم قلة ما أنتجه خلال نصف قرن من عمره الثقافي, فهو رائد في التعريف بالفلسفة الوجودية والأدب الوجودي, وهو رائد في إدخال قيم ومفاهيم جديدة في نقد القصة والشعر, وهو رائد في التعريف بالمذاهب النقدية الجديدة (...)
     كتاب سامي مهدي الذي جاء في فصلين: الأول: "سيرة وتحول", وتضمن "سيرة التكرلي", "التكرلي وجودياً", "التكرلي مترجماً" و "التكرلي مبشّراً". والثاني "ناقد ومفاهيم", مع ملحقين بأعمال التكرلي المترجمة واالدراسات والمقالات المكتوبة, يحاول تثبيت ان نهاد التكرلي ناقد أدبي قبل كل شيء دافعاً عنه صفة المترجم التي عُرف بها ومؤكداً "كان التكرلي ناقداً وكان النقد حقله الأساس وكان تحديث القصة والشعر والنقد في الأدب العربي هاجسه الأول, أو صار هاجسه بعد ان اجتذبته الفلسفة الوجودية الى حقل الأدب, ولم تكن الترجمة ولم يكن التبشير إلا وسيلتين من وسائل تحقيق هذا الهدف".
     وفي حقل النقد الذي كان التكرلي "رائداً" له بحسب مهدي كان الجهد منصبّاً على "تحليل بعض الأعمال الروائية العالمية, وعرض مفاهيمه الأدبية وتقديمها ومعاييره الجمالية الجديدة (مفاهيم ومعايير وجودية سارترية خالصة), ونقد بعض الأعمال وتطبيق مفاهيمه ومعاييره عليها".
     التبشير بالوجودية وأدبها ولاحقاً مفهوم "الإلتزام" السارتري كما نشط في ذلك نهاد التكرلي اعتبره سامي مهدي سبباً وجيهاً لجعل التكرلي "رائداً" مشيراً الى دعوة الأخير الأدباء العرب الى تبني "الإلتزام" قبل أن تظهر مجلة "اآداب" الى الوجود وتدعو اليه (...).
     وإذا كان مهدي هو صاحب الدعوة الى "حجب الريادة" عن بدر شاكر السيّاب "ثقافته محدودة", فليس غريباً ان يبادر في دعوته التي تضمنها كتابه الجديد, الى حجب الريادة عن الناقد الراحل علي جواد الطاهر القادم في عام 1954 من "السوربون" في باريس والذي وضع ملامح النقد الأدبي الحديث في العراق, ويورد مهدي في كتابه عن مكانة التكرلي بين النقّاد العراقيين, ان النقد العراقي حتى أواخر الخمسينات "لم نجد فيه غير النقد التقليدي بأنماطه التاريخية واللغوية والبلاغية والذوقية والإيديولوجية".
     وضمن الاتجاه ذاته يرى سامي مهدي ان نهاد التكرلي صاحب مكانة لافتة عربياً "إنصرف طه حسين وعباس محمود العقّاد الى عالم الدراسات الدينية والفكرية والتاريخية وأصبح النقد الأدبي بالنسبة الى كليهما نشاطاً ثانوياً بل هامشياً, وقد صمت كل من أحمد أمين وابراهيم المازني وزكي مبارك إما بسبب الموت أو الشيخوخة, وأما الجيل الجديد من النقاد ونعني لويس عوض, وسيد قطب ومحمد مندور, فمنهم من انسحب انسحاباً مؤقتاً ومنهم من انسحب انسحاباً نهائياً".
     ويصاعد مهدي من مكانة التكرلي بين النقاد العرب المجايلين له (أنور المعداوي ومحمو أمين العالم) أو من جاؤوا بعده (إحسان عباس وجبرا ابراهيم جبرا) لافتاً "لو قارنّا كتابات التكرلي بكتابات هؤلاء النقاد لوجدناها اما أكثر حداثة من كتاباتهم أو هي سابقة عليها في حداثتها".

*متابعة نشرت في صحيفة "الحياة" 31 آب 2001



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM