نقد أدبي  



سهى الملائكة ترسم ملامح انسانية لشقيقتها (رائدة الشعر الحر)

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       31/05/2010 06:00 AM


عمّان –علي عبد الأمير *
في الجانب الإنساني الشخصي من سيرة الشاعرة العراقية الرائدة نازك الملائكة ( 76 عاما) التي تغالب الموت في القاهرة منذ فترة ، ملامح لاتبدو الا متسقة مع وجدان الشاعرة وفكرها. وسهى الملائكة صغرى شقيقات صاحبة قصيدة " كوليرا" التي تعد البداية الحقيقية لحداثة الشعر العربي " الشعر الحر" كما ورد في غير دراسة تابعت الموضوع المثير للجدل، توضح ان شقيقتها   كانت قد افادت من دراستها الموسيقى وتذوقها لانغام رفيعة ابدعها اساطين الموسيقى الغربية والعربية في تكوين شخصيتها كشاعرة وانسانة على حد سواء ، ففي ما كانت "تختار الاقرب الى شخصيتها فتجالسهم " في اشارة الى عزلتها النسبية ، فهي كانت تجد في "في الغناء والعزف  على العود سعادتها الكبرى ".
تقول سهى الملائكة عن شقيقتها في حوار نشرته صحيفة " الرافدين " الإسبوعية الصادرة في بغداد الإسبوع الماضي  ان "نازك شاعرة مرهفة الحس، كريمة الخلق، محبة للناس، قليلة الكلام، ومع ذلك كانت مرحة دوما وعلى هذا الاساس كانت تختار صديقاتها. لم تكن تحب الشخصية الثرثارة باختصار انها كانت  نقية،  محبة متفانية ومضحية باستمرار ومع الاقارب كانت تختار الاقرب الى شخصيتها فتجالسهم  اما الذين لاتنسجم معهم  فلم يكن وقتها يسمح بلقائهم".
وكانت نازك تجد في الغناء والعزف سعادتها الكبرى، وتعويضا عن ندرة صديق ، بل كان ذلك ، كما تؤكد سهى الملائكة ،  جزءا من مهمة التعبير عن مرحلة  كانت الشاعرة المجددة  ترى انها  تتطلب وعيا مختلفا. الموسيقى والعزف ، من المصادر المهمة في التهذيب النغمي لشعر الملائكة : "كثيرا ما كانت تعزف على آلة العود في حديقة بيتنا الخلفية في شارع "ابو اقلام" بمنطقة الكرّادة ببغداد بين الشجر الكثيف فتغني ساعات، وكانت تملك صوتا شجيا وقدرة عجيبة على اداء الالحان، اما الغناء المفضل  لها فكان الذي ابدعه الموسيقار محمد عبد الوهاب ،اضافة الى  غناء ام كلثوم وليلى مراد".
 ولحساسية الشاعرة وللمكانة الخاصة التي استحقتها بموافقة الأب في منزل العائلة ( كي تتفرغ للشعر) اعلن عن تحررها من ربقة العمل المنزلي المقيت "لم تكن  تدخل المطبخ اطلاقا لانها كانت معفاة من الاعمال المنزلية اذ فضل ابي وامي ان تتفرغ للشعر بدلا من الاعباء المنزلية. كانت نازك اميرة في بيتنا ،وانا كوني صغرى اخواتها وحبيبة قلبها ،كما كانت تقول، كنت  احمل لها الطعام الى غرفتها شبه المعزولة فاجلس بجانبها نتحاور حتى تنهى طعامها".
في غرفة الملائكة  كانت " لاميا" تقطع الإيقاع الثقيل للصمت ، و"لاميا " هذه قطة كانت تحبها نازك ، ومنحتها اسم قصيدة الإنجليزي  جون الذي كانت نازك معجبة بشعره.


 
 
عزلة الملائكة ، لم تكن لتقطع صلتها بالحياة الموارة بالأحداث السريعة في العراق مابعد الحرب العالمية الثانية ، بل كانت تجد في السفر فرصة لتجديد الروح والعقل واكتساب المعرفة ايضا " كانت شفافة رقيقة المشاعر تحب الحياة وتكره التشاؤم ، تحب السفر كثيرا الى البلاد العربية :مصر ولبنان وسورية، كما سافرت الى الولايات المتحدة الاميركية للدراسة بين الأعوام 1950 - 1954 والى لندن عام 1953 والى ايطاليا وفرنسا ".
نازك الملائكة  رغم خارطة اسفارها الواسعة الا انها "وجدت في كردستان ( شمال العراق) اجمل بقعة في العالم " . وتقول شقيقتها سهى:" وصفت لي مرة شلاّل مياه "كَلي علي بيك" في رسالة مطولة كتبتها لي من هناك وصفا جميلا ورقيقا قالت فيه انه على الرغم من اسفارها العديدة واطلاعها على بقاع جميلة عديدة في العالم الا انها لم تر اطلاقا ماهو اجمل من كردستان العراق، خاصة منطقة (كَلي علي بيك) وشلالها المشهور".
وتعاند صاحبة " انشودة المجد" حزنها على وفاة والدتها في لندن بان تمضي عميقا مع " صداقة لاتخون" ، مع صداقة الموسيقى الرفيعة " نازك تحب الموسيقى الكلاسيكية وكانت تحتفظ بسمفونيات وكونشرتات    لتشايكوفسكي وبيتهوفن وشوبان وسيبليوس واخرين، وكثيرا ما كنا نجلس في غرفة مظلمة في دارنا انا وهي وشقيقاي احسان ونزار ننصت بانفعال الى احدى مؤلفات الموسيقيين فنهيم في عالم خاص بعيد عن عالمنا،واذكر انها اهدتني عندما بلغت الرابعة عشرة من عمري "السمفونية الناقصة" لشوبان حيث كتبت لي عليها "لحبيبتي سهى اهدي اغلى ما احب وتحب  ..السمفونية الناقصة لشوبان" .
مشوار نازك الملائكة مع الموسيقى لم يكن في حدود تذوق الموسيقى الغربية وحسب ، بل انها "كانت تحب العود وتجد في العزف عليه سعادتها الكبرى وكثيرا ما كانت تحاول ان تعلمني العزف عليه غير انها كانت تصطدم بكوني عسراء ، فتؤنبني على ذلك وتهددني بانني لن اتعلم العزف على العود مادمت استعمل يدي اليسرى في كل شيء"
 وتستدرك سهى الملائكة مستعيدة حكاية عن عمق علاقة نازك بالموسيقى "اذكر مرة في طفولتي ، انني كنت ابكي فآلمها بكائي وقد حاولت اسكاتي بشتى الطرق بدون جدوى فما كان منها الا ان احضرت العود وراحت تعزف عليه امامي بصمت. عند ذاك وجدت نفسي اتوقف عن البكاء امامها منصتة الى عزفها والدموع تملأ عيني بكل اعجاب ومحبة. لقد كانت معلمتي بحق في كل شيء".
واذا كانت نازك الملائكة من جيل التحديث في العراق ، فانها لم تكن بعيدة عن تأثير الأب الشرعي للموسيقى العراقية المعاصرة ، الشريف محي الدين ، فهي "درست الموسيقى في معهد الفنون الجميلة في العام 1942 على يد الشريف حيدر وكانت معجبة بعزفه ايما اعجاب".
تقول نازك في مقدمة ديوانها "يغير الوانه البحر": ان "للشريف محيي الدين حيدر، طريقة فريدة في العزف والتدريس .كان يغيّر ويعدّل في البشارف والسماعيات التي الفها كبار الموسيقيين فكانت هذه التعديلات تجمّل الاصل اروع تجميل وكنت انا اجلس في صف دراسة العود مسحورة وكان الشريف يكرر عليَّ ان لدي سمعا موسيقيا حساسا وموهبة ظاهرة ولكنه كان خائفا عليَّ ان يجرفني حبي للشعر ويبعدني عن الموسيقى".

* تقرير صحافي نشر في صحيفة "الحياة" العام 2001



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM