علي عبدالأمير عجام يوقع "قتل الملاك في بابل" بغاليري الاندى بعمّان
وهو ايضا عرفان لكتاب ومثقفين عراقيين اطلقوا من اقصى المنفى صرخات غضب مثلما سكبوا دمعا نبيلا، وعرفان لنظرائهم داخل الوطن ممن قالوا في الراحل كلمة حق، وهم في كل ذلك انتموا الى انفسهم وثقافتهم الوطنية ودافعوا عن حريتها ونددوا بكل اشكال القمع التي ارادت وتريد ان تحجر عليهم مرة اخرى، ومن هنا نجد ان عددا ممن استذكروا قاسم وكتبوا عنه اغتيلوا بطريقة ليست بعيدة عن الطريقة التي اغتيل بها .
وهذا كتاب ثناء على سيرة عطرة وشخصية تحتذى ، ليس لأن صاحبها هو اخي وحسب ، بل لانها سيرة نقاء وسط اجواء آسنة ، سيرة محبة وسط اجواء متدفقة من الكراهية ، سيرة عطاء ونكران للذات في زمن شيوع قيم الانانية، سيرة حرية رغم جدران العبودية ،سيرة علم ومعرفة ، سيرة بناء في وقت منذور بالكامل للهدم، سيرة صبر ومجالدة ، سيرة من ظل ينتمي لافق فكري فسيح رغم عزلته المكانية والزمنية القسرية، سيرة من اجتمع الناس، وهم المتفرقون والمختلفون حد البلبلة، على محبته ونقائه وعفة لسانه ويده ، سيرة شخصية تكاد تختصر في نهايتها سيرة العراق في سعيه الى حريته.
وهو كتاب غضب واحتجاج على كل مؤسسة ونظام ومجموعة عملت وخططت وسعت ونفذت مشروع اغتيال العراق الحر الآمن عبر قتل عقله وضميره وفكره وحراس روحه، عبر اغتيال المفكرين والكتاب والصحافيين والعلماء والمهندسين والاطباء في حملة دونها كل اوصاف الظلام والهمجية، مثلما هو كتاب غضب على كل جهة مسؤولة في العراق ممن قصّرت وتوانت وغضت النظر لا عن قتلة قاسم وحسب ، بل عن عدم وقفها او عملها على وقف دولاب موت وقتل وحشي ما انفك يدور ويدور على مفكرين وعلماء وادباء واصحاب ضمير، حتى قارب ضحاياه الألف منذ العام 2003.
ولأن الراحل فكرة وسيرة تنتميان بقوة الى قيم الحياة المفتوحة على الامل، آثرت البدء به سيرة شخصية عبر"مذكرات اوشبه"، وفيها نتعرف على نبض حي ومتدفق، اردته ان يكون دالا على قاسم وعمله في اعلاء قيم الخير والجمال انطلاقا من تجاربه الشخصية التي ليس جزافا القول انها قاربت تطلعات العراق المعاصر وانكفاءاته ايضا.
وفي الفصل الثاني نتعرف على جوانب من النتاج النقدي والفكري لقاسم عبد الامير عجام عبر مقالات تظهر شيئا من تنوع معرفي ثر كان درج عليه الراحل وبرز فيه،وضمن ما بات يعرف اليوم "النقد الثقافي".
بينما كان نشاطه ناقدا أدبيا محور الفصل الثالث، على ان شيئا من حصيلته في "النقد السينمائي" كان محورا للفصل الرابع، فيما كانت هناك مختارات من عمله ناقدا للنتاج التلفزيوني ضمن الفصل الخامس.
وفي الفصل السادس نتعرف على شهادات ورثاءات واستذكارات استحضرت الراحل وتوقفت عند اثاره الفكرية والعلمية والانسانية وهي خضعت في اختيارها لدواع تحريرية محض، فيما الفصل السابع كان مخصصا لما كتبته انا عن الراحل وتأثيراته اكانت مباشرة ام غير مباشرة، فضلا عن رسائل من قاسم اليّ اثناء وجودي خارج العراق ، وفيه ايضا ثلاث صور شخصية توليت رسمها بحروف الوفاء والمحبة، الاولى لحيدر ابن قاسم الذي خرج من مجزرة اغتيال ابيه بجروح دامية في الجسد والروح سترافقه الى آخر العمر، وثانية للراحل الوسيم المهندس الانيق في كل شيء، باسل نادر الذي لطالما عرفته مقترنا بحوادث انسانية طيبة، عرفانا له ولبقائه صديقا ورفيق طريق لقاسم حتى الموت، وثمة رسالة هي لقاسم الصغير:ابن ربيع ابن قاسم الذي آثر ان يبقي اسم ابيه حيا في البيت والأرجاء مثلما هو حي وحاضر في الروح والعقل والإرث الفكري العراقي المعاصر.
هذا الكتاب "الإستذكاري" سأواصله لاحقا في مجموعة من الكتب توثق "الاعمال الكاملة" لابن العراق الجميل: قاسم عبد الأميرعجام.
ختاما يشرفني ان اقدم الروائية المبدعة لطفية الدليمي وهي تستذكر بعضا مما جمعها مع الراحل عجام من مواقف و رؤى وتطلعات.
قاسم عبد الأمير عجام: نعدك اننا لن نهادن قوى الظلمات التي امتدت اليك
لطفية الدليمي
الراحلون من طراز الصديق قاسم عبد الامير عجام هم اشد بهاءً وتألقاً في حياتنا من بعض الاحياء والضاجين بزيف مبرمج في الوسط الثقافي وسواه ..
الراحلون واولهم اخي وصديقي المثف النبيل قاسم والذي لفرط انسانيته وتهذيبه ، ولفرط احلامه الكبيرة كان معتكفاً في عزلته بعيدا عن الاوساط الهشة والصفقات وزيف ادعاء الكثيرين من المحسوبين على الثقافة منذ عقود ..
الروائية لطفية الدليمي: كان عجام مبشرا بثقافة انسانية جريئة
هو المثقف والباحث العلمي والمبشر بثقافة انسانية جريئة والمهتم بالبيئة ، والمتذوق عالي الرهافة للسينما والمسرح والدراما عموماً ، كان يستمد قوة ادائه النقدي والثقافي من صفاء روحه النقية التي قل نظيرها ، ومن ايمانه بالانسان وحلمه بحياة تقوم على الحرية والعدالة والمساواة ، وكان سلوكه مثالاً وانموذجاً لانسان عصري جرىء الفكر وجريء الكلمة ، مثالا للحالم الكبير ، والأخلاقي المبهر ، كنا نتهاتف ، ونتحاور ونادراً ما نلتقي ، في ندوات ومناسبات ثقافية ، كان يشرق علينا برؤاه النقدية الصافية ، ويفصح لي : انت تقدمين فهماً ثقافياً حقيقياً لمكانة المرأة وقوتها وجدارتها ، بأعتبار العمل الثقافي الرصين قوة دافعة للحفاظ على مكانة متقدمة للمرأة ..
تصدى في نقده لمعظم انواع الابداع من سينما وشعر وروايات وقصص ، وكتب قراءة رائعة عن مجموعتي القصصية "ما لم يقله الرواة" وخص بالاهتمام قصتي "جياد في الليل" وما زالت دراسته بخط يده محفوظة في مكتبتي ببغداد ..
بجرأته التي عرف بها قدم مشروعاً ورؤية ثقافية متقدمة حين تسلم دائرة الشؤون الثقافية ونشرها في الصحف وكان محمياً فيما سبق من زمن بعزلته ونأيه بنفسه عن الوسط ( الثقافي وفوضاه ) وصانت عزلته نمط علاقاته بالادباء وجعلته محبوباً ومقدراً من قبل الجميع ..
اتفقت معه قبل اسبوع من رحيله الفاجع على المشاركة في ندوة "مركز شبعاد لدراسات حرية المرأة" الذي كنت اديره ، ندوة على المنجز الثقافي للمرأة العراقية خلال القرن العشرين وابلغني انه أعد دراسة مستفيضة وخص بالاهتمام تجربة الرائدة الراحلة حياة شرارة .. وابلغني قبل ليلة من غيابه انه سيكون معنا صباح يوم الاثنين 17 آيار 2004 قبل ان يتوجه الى مكتبه في دائرة الشؤون الثقافية لينجز اعماله ومواعيده ، انهى المحاضرون تقديم اوراقهم وانظارنا ترنو الى بوابة المبنى ، وليس من أمل بوصوله ، اتصلنا هاتفياً بالبيت فأخبرتنا السيدة ام ربيع انه خرج مبكراً وقال انه سيقدم ورقته ثم يذهب الى العمل ..
ما كان امامنا سوى ان نعتذر عن غيابه فقامت الصديقة المشتركة لنا الدكتورة نادية العزاوي بقراءة ورقته واخبرت الحضور أن غياب الأعزاء عنا يجعلهم اكثر حضوراً ونحن نقدر غيابه القسري ، وقرأت دراسته وعدنا الى بيوتنا وواصلنا الاتصالات بحثاً عن ابي ربيع ، انا ونادية والأخ الصديق مؤيد الحيدري ، حتى اذا حل المساء اتصل بي مؤيد مرتين ولم يجرؤ على اخباري بالفاجعة لكنه في المكالمة الثالثة سألني : هل سمعت خبراًعن قاسم ؟ وكما قلت له انني لا اعرف اي شيء ، قال : فجعنا باغتياله يا عزيزتي ، راح قاسم ، اغتالوه .
كانت اللحظة الحرجة في قبول فكرة غياب الاعزاء ، كان مساءً كارثياً ادركنا معه ان ثمة بداية مرحلة سوداء تستهدف المثقفين والعلماء والصحفيين والاكاديميين لافراغ العراق من عقوله النيرة وتمرير حركة الارتداد الى عصور الظلمات ، وكان استشهاد قاسم نكسة حقيقية لنا جميعاً نحن اصدقاؤه ومحبوه لتكتمل فاجعة الثقافة باغتيال الصديق العزيز كامل شياع بمسدس كاتم للصوت ، وكنا ندرك أن الثقافة الحرة التي ترفض الغيتوهات الطائفية والتشدد والعودة بالبلاد الى عصر الكهوف ، هي التي ستقدم الأضحيات وان ممثليها والمدافعين عنها ، وهم العزل الا من ايمانهم بالانسان والحرية والفكر المتقدم سيتقدمون صفوف الشهداء دون ان يتوقف نزيف الدم العراقي .
الصديق العزيز ابا ربيع انك مقيم في قلوبنا وان حضورك الانساني والثقافي سيبقى ساطعاً يشع من نبلك ودفئك الروحي ودماثتك الغزيرة ، نعدك ايها الاخ اننا لن نهادن قوى الظلمات التي امتدت اليك وسنمضي في طريق الابداع من اجل احلامك واحلامنا التي تبرر بقاءنا على طريق الكلمة .
* نص كلمتين القيتا في حفل توقيع كتاب "قتل الملاك في بابل" الذي نظم في غاليري الاندى بعمّان وجاء تزامنا مع الذكرى السادسة لاغتيال المفكر والناقد قاسم عبد الامير عجام.
وكان حدث توقيع الكتاب شهد تغطيات ومتابعات صحفية عدة .. ادناه روابط توصل اليها