نقد أدبي  



ليس للروائي والقاص غازي العبادي من يكسر عزلته !

تاريخ النشر       23/04/2010 06:00 AM


علي عبد الأمير*
 
الموتى لا يتزاورون , ولا يوجد قبر يميل ويحنو على قبر فكل مشغول بموته , وبين الادباء من أحالهم الحصار الى نسخ ونماذج أو مقدمات لعالم الموتى : كل مشغول بالاّ يموت جوعاَ .. كل يحافظ على حياته بمعناها البيولوجي الغريزي , ويحسد الدواب لان اكلها مختلف ومتوفر , وهو الذي هاجسه ان يسمو بالانسان ويحلق به بعيداَ عن الحيوان , قريباَ من الله . 
انه كشف يقدمه الكاتب العراقي حاتم حسن عن حالة الاديب العراقي وعزلته تحت وطأة الحصار والصمت المضروب حوله بجدران سميكة . وكأنه بذلك ينظر الى استجابات داخلية وتفاعلات ضربت في عمق البنية النفسية للفرد العراقي . والكاتب حسن يوجه كلامه هذا حين يجد روائياَ وقاصاَ عراقياَ معروفاَ مثل غازي العبادي – أحد جيل الستينات – وهو يواجه مصيره وحيداَ , مشلولاَ – تعرض الى سكتة دماغية ربيع العام الماضي في عمّان وهو ينتظر فرصة ما للخروج , على الارجح كانت جهتها ليبيا , لكنه عاد مشلولاَ فاقد الذاكرة الى بغداد - .
ويعتبر حاتم حسن ان العبادي بأشد الحاجة للمسة حنان ووفاء من ( أصدقائه ) من الكّتاب , يقولون له : لا بأس عليك أو اذا هزم المرض جسدك , فلن يهزم روحك , ولكنه يستغرب من ان لا أحد فعل ذلك ! وقال حسن في مقالته التي حملت عنوان " نحن مشلولون " :" حسناَ .. لا نشعر بالذنب لاننا مقصرون بحق الاديب والكاتب والمثقف غازي العبادي , ولكننا ساخطون على انفسنا , وساخطون على مدى ضراوة الانسان وعلى هذا التعلق الشديد بالحياة , وعلى شهوة السيطرة التي تبلغ هذه البشاعة وعلى ضعف الاديب إزاء الحياة بحيث تضمر وتتلاشى الرسالة والخلود والكبرياء وقد يرتمي تحت اقدامها متوسلاَ الاستمرار بشروط لم تعرضها الطبيعة على الحيوان " ! ونتيجة لتفاعلات شديدة الوحشة كهذه , بدا من الطبيعي ان لا يؤدي اديب واجب الصداقة وضرورات الوفاء لصاحب " ما يتركه الاحفاد للاجداد " و " ضجة في الزقاق ".
 

الراحل غازي العبادي الاول من اليمين في جلسة تضمه الى الشاعر حسب الشيخ جعفر، الراحل عبد الوهاب البياتي والكاتب علي السوداني ..مقهى الفينيق -عمّان 1996
 
ويعتقد حاتم حسن ان عزلة كهذه قد تبدو الهدف النهائي للحصار : " انه في جعل الانسان وحيداَ وطارئاَ وبلا عمق ولا إمتداد ولا وزن ". بل يعتبر مشهد عزلة كما التي عليها العبادي – من يقول ان غيره من كّتاب وادباء عراقيين , بعيد عنها ؟ - دحضاَ لفكرة الفاعلية الانسانية : " ان كل شيء يفقد معناه , فلا قيم , ولا مبادىء , ولا خلود , وتغدو البطولة خصلة مضحكة , ولا جدوى من بناء الشخصية ومن مخاطبة التاريخ " . 
لقد كثف الشلل الذي أصاب غازي العبادي عن مشهد ضرب عميقاَ بنية الحياة الاجتماعية العراقية لا حياة اديب أو كاتب حسب , أو الحياة الثقافية لوحدها , حيث الفرد " لا يتردد عن الغاء الأخرين تماماَ ومحقهم بلا رحمة والتغذي على حيواتهم . وستتضخم هذه الصورة وتتضاعف اذا كان هذا الانسان أديباَ " كما خلص حاتم حسن الذي يهجو ذاته والادباء العراقيين والحياة التي ( توجت ) بالحصار ويقول : " غازي العبادي مقعد , مشلول , ويعيش على راتبه التقاعدي , الا انه مهجور لاننا مشلولون ومقعدون ومحاصرون .. وربما هناك من يغبط العبادي لان بوسعه ان يأنس بكتبه " !!
*نشرت في صحيفة "الشرق الاوسط" 1997 يوم كنت مراسلها للشؤون العراقية من عمّان.


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM