مقالات  



الأدباء العراقيون يغيبون في صمت عميق

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       20/04/2010 06:00 AM


علي عبد الأمير
يتعرض المثقفون العراقيون ( داخل البلاد )، الى نوع من المعاناة الاسطورية . فهم شأن شرائح المجتمع العراقي اليوم يعيشون عصر الشحة الذي توجته لهم " البطولات الفذة " وفي ضنك قل نظيره يحاولون الوصول الى صباحات أقل رعباَ . ويضاف الى لائحة الضنك والشحة المشتركة ماهو مميز لهم وينفردون به، فلا فسحة للكتابة، الصحف تتهراَ كخطاب وشكل، وتتقلص صفحاتها كما تتقلص حرية التعبير - أيعقل ان ماكنة ضخمة قادرة على اعادة بناء المنشآت المدمرة وقادرة على بناء (1056 ) بناية تضمنتها القصور الرئاسية، ولا تستطيع ان توفر ورقاَ لطباعة الصحف والمجلات ؟

     تنفى الدوريات الثقافية الى غياهب صمت وشبه شلل، فيما يغدو الظفر بفرصة طبع كتاب جديد ضرباَ من المستحيل . بينما تدور مطابع ( دار الشؤون الثقافية العامة ) لطبع موسوعة خطب واحاديث " القائد " وبالورق الملون الفاخر .

     تتهرأ المؤسسات أيضاَ وينتشر في اروقتها عسس جدد من عسس " التجمع الثقافي " الذي يقوده صاحب " قلادة الثقافة العراقية " عدي النجل الاكبر للرئيس صدام حسين .

    
شارع المتنبي: الكتب وحكايات المثقفين العراقيين في الهروب من اثر الطغيان
 تتهرأ الفرقة السيمفونية الوطنية، وينتشر على ابواب المعاهد الموسيقية الخاصة في العاصمة الاردنية عمّان، أبرز أعضاء تلك الفرقة التي كانت علامة على بعض حيوية ورفعة كانت تمثل سنوات تأسيسها في أواخر الاربعينيات، وهم يأملون بفرصة عمل تقيهم غائلة الجوع والألم . وتغدو مجلة العراق الادبية الاولى " الاقلام " مطبوعاَ مصاباَ بفقر الدم والعصاب الذهني القوي ! ففي الوقت الذي يموت فيه المثقف العراقي كمداَ ويصبح الحج الى الارصفة بقصد بيع المكتبات الشخصية مقابل بعض الخبز، ظاهرة جماعية للمثقفين العراقيين، نجد " الاقلام " تنشر نصوصاَ استعراضية بلغة مقعّرة تكتشف مرحلة " مابعد الحداثة " ! فيما تكون حاضرة وبقوة في منع اي نص قد يفسّر باتجاهِ يمس هيبة المؤسسة والنظام .

     التشكيليون الا بعض الاستثناءات تحولوا الى بائعي ( خردة ) تشكيلية في عمّان،  فيما ادارة الفنون التشكيلية تقيم مسابقاتها الموسمية لرسم جداريات القائد الضخمة وفي شتى ملامح بطولاته : وبالزي العسكري، العربي، رجل المرور، مهندس البناء، الحاني على الاطفال ، استاذ الجامعة وغير ذلك مما يخطر ببال مجموعة من الرسامين والنحاتين الذين اصبحوا ( مقاولين ) في تجسيد " ملامح القائد " !

     نظام " الترهيب والترغيب " يتكامل هذه الايام، فالترغيب عبر وسيلة إلقاء ( العظمة ) يفعل فعله في " مكارم " موسمية وأخرى بعيدة المدى، فثمة كتابة موسمية ( عن حدث يتعلق بالقائد ) وأخرى " مكرمة " تنقل حياة صاحبها الى طور حياتي لا علاقة لأهل الحصار به حين تكون كتابته عن ( انفرادات القائد بأعتباره هبة السماء للعراق ) وعن مدى حفاوته بالنظام الذي أوصل البلاد الى افاق " العز " و " الرفعة " بدليل تحول اكثر من اربعة ملايين عراقي الى مشردين في مشارق الارض ومغاربها .

     اما الترهيب فهو اقصاء الكاتب الى ما يجده مناسباَ من المنافي : منفى الصمت في بلاده ومنفى انتظار نكبات الجوع والمرض وفيض من الألم . وهي جميعاَ تعطل فيه فكرة الكتابة، فكرة الخروج من النوع الذي تكون الكاتب وانتظم فيه . وفي المنفى الداخلي لا كتاب جديد، لا اتصال مع فكرة مغايرة، لا انتظام في حوار أو سجال، لابحث، لا معرفة ولاحياة أصلاَ حتى بمستوياتها البدائية .
* مقالة نشرت في صحيفة "بغداد" الصادرة في لندن 1996     


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM