الشاعر الروسي "المعارض" للنظام الشيوعي جوزيف برودسكي
ويقول المترجم غازي مسعود عن اعتماده هذا الترتيب " لقد اتبعت لهذه القصائد، ترتيباَ زمنياَ تنازلياَ، يضع الجديد منها في البداية ثم يعود الى الوراء وذلك ظناَ مني ان القصائد الجديد قد تكون اكثر نضجاَ من القديمة، وبأمكان القارئ ان يجد تاريخ كتابة كل قصيدة في نهايتها " .
واختارغازي مسعود قصائد متنوعة في سيرة برودسكي الابداعية، وفيها ما تركته موضوعات مثل المنفى والسياسة والحب والرثاء والوصف .. وراعى ان تشمل اختياراته . تلك القصائد ( الطويلة ) و ( القصيرة ) معاَ، كما تجنب ترجمة بعض القصائد التي قصد الشاعر منها ان تكون على وزن بعض الشعر الروسي الكلاسيكي كما في القصيدة التي حملت عنوان " الى جيفكوف " .
وكتب الشاعر عبد الوهاب البياتي مقدمة بعنوان " ليس لدينا شاعر بهذا الاسم " وهذه الجملة يذكرها البياتي هنا – تهكماَ – من موقف اتحاد الكتاب السوفييت، الذي رد بها على دعوة وردت لبرودسكي لحضور مؤتمر ادبي عن طريقه . وهي لتكشف عن عن الحصار الذي عاشه الشاعر ومع مصيره هذا يقول البياتي : " لا نملك الا ان نتذكر مأساة باسترناك وعشرات الشعراء الذين ضاعوا في اضابير ومنافي الانظمة الشمولية ".
ونوه البياتي في مقدمته الى النظرة التي عادة ما تنتظم فيه تلك الانظمة وتعامل من خلالها المثقف او الشاعر وحتى المواطن العادي الذي لا يندرج في مؤسساتها فهي تعودت النظر اليهم، نظرة ضيقة من خلال بؤس الايديولوجيا والجوع الروحي والثقافي . وانطلاقا من تلك النظرة كانت جملة القاضي الكالحة والتي قالها لبرودسكي اثناء محاكمته : " انت متطفل اجتماعي ومن لا يعمل لا يأكل والشعر لا يعد مهنة الا اذا وظّف في عملية البناء الاجتماعي والاقتصادي ". ونوه البياتي بالنص الكامل لجلسات محاكمة برودسكي والتي نشرتها " القدس العربي "بترجمة عن الفرنسية تولاها الزميل شاكر نوري .
واحسن المترجم غازي مسعود صنعا حين اختار ترجمة المحاضرة التي القاها جوزيف برودسكي لمناسبة تسلمه جائزة نوبل ( 8 كانون الاول 1987 ) فهي تحفل بوجهات نظر للشاعر في موضوعات شتى، وتدخل في صلب ازمته شخصيا والازمة الشاملة : التعبير في الفن وبحرية، كما تظهر في قراءته عناصر التأثير الاولى في ثقافته ووعيه . كما انه يولي قضية التعبير في الادب واللغة اهتماما بالغا بل يراها مرادفا لوجود منتجها ازاء وجود سلطوي مرعب اسمه الدولة، فيقول برودسكي في هذا الصدد : ان " اللغة وافترض ان الادب ايضاَ شيء اكثر قدماَ وتعيناَ وديمومة من اي شكل اخر من اشكال التنظيم الاجتماعي . وليس الاشمئزاز من الدولة، والسخرية منها، واللامبالاة بها التي يعبر عنها الادب كثيراَ الا، جوهرياَ، رد فعل الدائم، او اللامتناهي، على المؤقت، وبأختصار، وطالما ان الدولة تسمح لنفسها التدخل بشؤون الادب، فمن حق الادب التدخل بشؤونها فأي نظام سياسي او اي شكل من اشكال التنظيم الاجتماعي، مثل اي نظام بعامة، هو بالتحديد صيغة من صيغ الفعل الماضي التي تطمح الى فرض نفسها على الحاضر ( وفي الاغلب على المستقبل بالمثل )، والرجل الذي يحترف اللغة هو اخر من يستطيع نسيان هذه الحقيقة" .
وعن علاقته باللغة، بفهمه لدور الشاعر، لعلاقته بالحياة وعن الاثر الذي سيتركه يقول برودسكي: " أود التكرار : ان الشاعر وسيلة وجود اللغة، او كما قال عزيزي اودن : انه الشخص الذي به نحيا، وانا، ذلك الذي يكتب هذي السطور، سأتوقف عن الوجود، وكذلك انت التي تقرأها، ولكن اللغة التي كتبت بها تلك السطور والتي بها تقرأها ستبقى، ليس لمجرد ان اللغة اكثر ديمومة من الانسان، بل لانها اكثر قدرة على التغير ( التحول ) " .
الكتاب الذي بذل فيه غازي مسعود جهداَ لافتا وقع في 184 صفحة من القطع المتوسط، وحمل في طياته الكثير مما يستحق التوقف عنده والتعلم منه فهو لشاعر عرف بعمق صرخته المدوية :
" لان الشعر الصارم يستدعي
الكلمات، ها انذا الكتيب
الاهم والسفير الاصلع لامة غير مهمة .
ألصق بها نعت القوة العظمى، أمل النجاة برأسي
فألبس ثيابي - بنفسي – واقصد
الشارع الرئيسي بحثا عن جريدة المساء " .
*نشرت في صحيفة"القدس العربي" اللندنية 1996