من سواحل المتوسط الشمالية..كاميرا:علي عبد الامير 2009
الخميس 10 / 8 / 1995
سان لورنزو .. ضاحية ريفية وأثر دارس .. قريباَ من مشهده الصامت ثمة أضواء وجمهور توزع المكان .. قصائد ثم موسيقى ترتجل في اطار تكويني أقرب للجاز، ثم ضربات على دف عربي وقراءات من الوجد الصوفي للمسرحي العراقي المهاجر قاسم البياتلي وحركات من رقص تعبيري ترافقه. قراءات للمسرحي عزيز خيون لمجموعة مختارة من قصائد السياب والبياتي الذي لم يحضر تقديم قصائده . فأنسل قبل ذلك من المكان بهدوء ورشاقة يحسده عليها الشباب منا ليقابل بعض وجهاء المدينة ونوابها ليعود الينا ضجراَ فالوقت مر حسبما افادنا في احاديث تافهة وتثير الملل . وسط هذا كله بدا لي واضحاَ إنهماك الناس في نقاشات دائبة وحوارات، همسات وعناق وأسراف أسراف في الكلام .. ثم انهم كانوا يحيطونا كضيوف بعناية وعناية مميزة . أخذنا الى بيته، السيد فيفر بيرلنغويريو، أحد موسوري المدينة وشخصية محبة للفن والادب . وتفرقنا كمجموعات في ارجاء منزله الرحب، ثم جمعتنا شاشة التلفاز معاَ كي نراقب اصداء هروب حسين كامل الى الاردن وتطورات الحدث وعبر الفضائيات العربية .
الجمعة 11 / 8 / 1995
التقيت نهار اليوم بالشاعر اليوناني تيتوس باتيركيوس وتحدثنا بالانكليزية، عن قضايا تتمحور حول فكرة الشاعر، والاتصال المعاصر بالنص الشعري .. غمرني إحساس تام بالهدوء والعمق وأنا استمع الى ملاحظات هذا الشاعر الذي يأتي كتراتب جيلي بعد اليوناني ريتسوس والذي أرتبط معه بصداقة مطولة، أبتعد عنها لاحقاَ بحثاَ عن صياغات شخصية لفكرته عن الشعر .. يحدثني عن المؤثرات في نصه: الاسطوري، الفكر الشخصي، ثم محمولات الواقع، الواقع الذي ينتقل عند الشاعر من كونه وجوداَ خارجياَ الى أفكار محورة داخل الشعر.
الشعر في اليونان دائماَ دليل حيوية روحية، وحين يختفي الشعر تبدو الحياة وكأنها نائمة .. يتحدث بأطمئنان بالغ عن الشعر وتأثيره . انه يعتبره الحارس الاخير على اختلاف الكائن البشري وروحيته في ظل اتجاهات تقود هذا الكائن الى علاقات متشابهة .. انه يحيي الإختلاف ويذكي طاقة التعبير في اللغة الوطنية . وبعد رحلة كتابة طويلة تمتد لعشرة كتب شعرية وكتابين في النثر ومثلهما في البحث الاجتماعي وانشغال في الترجمة من والى الايطالية، الفرنسية والانكليزية . يتحدث عن مستقبل الشعر في اليونان بمحبة . يكفي حسبه ان ينشغل في الشعر العديد من الاجيال الجديدة والتي تكتب نصوصاَ ممتازة فيه .
السبت 12 / 8 / 1995
نخترق باري المدينة الكبيرة في جنوب ايطاليا، صوب أخرى صغيرة هي مولفيتا .. ميناء صغير يكتظ بأشرعة سفن، وزوارق من كل حجم وصناديق ضخمة على الارصفة . كافتيريا صغيرة تجمعنا انا والبياتي الأنيس ورفيق السفر الذي فاجئني هنا بحيويته وفرط رقته . كان الجانب الأخر من الكافتيريا، مشغولاَ بالبحر وهو يرسل الينا تحيته الصاخبة . أمواج لا تنقطع من ضرب الساحل الصخري، فيما أرسل الينا صاحب الكافتيريا اشارة لموعد الاغلاق عند الظهيرة . مولفيتا الصغيرة تقفر ويذهب الوقت الى قيلولة في البيوت . عصراَ تنهض الحياة في باري لتلمس لطف نسيم البحر بعد ظهيرة ساخنة .. تكتظ الأرصفة هنا فيما أرى باري وهي تحاول ان تبدو متوازنة بدقة، قديمها على مهل يترك للجديد بعض المساحة كي يتشكل . فيما يبدو عابساَ مبنى الاوبرا القديم 1786 الذي احترق قبل فترة قريبة، وهو يرى انشغال الناس عنه . على الجانب الاَخر من المدينة يشهق عالياَ ستاد المدينة الضخم الذي شهد مباريات التصفية النهائية لمباريات كأس العالم 1990 .
الاحد 13 / 8 / 1995
الحقائب تنتظم عبر مقابضها في الايدي، الحقائب صديقة الرحيل وتشتت الإقامة . في طائرة ايطالية نرتفع فوق باري ونطوف على سماء بحرية مطلقة . مطار روما ثانية .. أبحث عن جريدة "الحياة" في محل الصحف والمجلات، اتلقف متابعات الحدث العراقي المضطرب . هكذا يدخلني مؤشر التوتر والقلق .. اقترب من عمّان وها انا اعود الى تفتيت وقتي بين شحنات إنتظار ولحظات دأب وتوق بدت نادرة .. مرحباَ عمان ..