نقد أدبي  



أطلس الخط وتاريخ الكتابة

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       17/01/2010 06:00 AM


في "المورد" العراقية* :
أطلس الخط وتاريخ الكتابة ... من نقوش مدائن صالح الى المدرسة الكوفية

 لئن كانت الكتابة "أهم إنجاز حضاري وإنساني حققته البشرية عبر تاريخها" فالعدد الجديد من فصلية "المورد" العراقية التراثية خُصص للكتابة وما شكلته من مفترق حاسم في مسار التطور البشري، وصولا الى فنون الكتابة والخط العربي من خلال موروث الأدب وخزائن الكتب.
تحت عنوان "فجر التدوين المعرفي" يكتب الباحث العراقي يعقوب افرام منصور ان ولادة الحرف الصوتي أفضت الى استنباط نظام كتابي متقن قبل نحو خمسة آلاف عام، وهو ما تؤكده آلاف ألواح الكتابات المسمارية التي وثقت المعرفة الأولى في ميادين العلم والأدب والفن، وليبدأ معها "فجر التدوين المعرفي"، لافتا الى الى أن أول مكتبة في العالم هي مكتبة الملك الآشوري آشور بانيبال، وفيها ما يؤكد اولى اشراقات الحضارة والمعرفة.
وفي بحثه "كتابة الصورة" يثبت استاذ قسم الآثار في جامعة بغداد الدكتور حنا بقاعين ان الكتابة الصورية هي اولى مراحل الكتابة، وإن اشارات موثقة تؤكد وجود علامات كتابية عبر الصورة تعود الى أكثر من عشرة آلاف عام في كهوف توزعت بين مناطق في أوروبا والشرق. وعن "الكتابة الصورية" بوصفها اقدم المراحل في تأريخ الكتابة يقول بقاعين إن آثارا عُثر عليها في مدينة الوركاء جنوب العراق وفي كيش شمال شرقي بابل، تظهر استخدام الكتابة الصورية قبل ان تنتقل الكتابة المسمارية الى المرحلة الثانية وهي "الكتابة الرمزية"، لافتا الى أن "الكاتب العراقي اهتدى الى ابتكار الرموز لتدوين الأفكار،  فالقدم التي كانت في مرحلة الكتابة الصورية، مجرد صورة أصبحت في الكتابة الرمزية تعج بالمعاني الجديدة المستمدة من معناها الأصلي مثل: وقف مشى، قام، ذهب وأتى، وصارت صورة الشمس تعبر أيضا عن المعاني المشتقة منها: الضوء، الحرارة والنهار".


وعن "التعليم في العراق القديم" يقول احمد مالك الفتيان انه في معابد بلاد وادي الرافدين أعدت مدارس كبيرة لتخريج الطلبة الذين سيكونوا مؤهلين لأن يصبحوا كتبة يتعرفون الى جميع انواع الفنون الكتابية، موضحا انه ما إن حلّ منتصف الألف الثالث قبل الميلاد حتى ظهرت جملة من المدارس في معظم مدن سومر وهذا يعني ان الكتابة أصبحت تدرّس تدريسا منتظما، ويشير في هذا الصدد الى أن عدد النسّاخ في المدارس، وبعد تزايد الألواح وصل الى نحو بضعة آلاف ناسخ.
ويرى الفتيان ان "فلسفة التعليم في العراق القديم تهدف أساسا الى تأسيس مدرسة تعنى بالتخصص والتدريب المهني أي انها بالمعنى الواسع أسست لغرض تدريب الطلبة الذين تحتاجهم الدولة لسد متطلباتها وكذلك سد حاجات المعبد والقصر"، منوها أن "طلبة العلم كانوا يتزودون بجميع فروع المعرفة العلمية كاللاهوت والمعارف الخاصة والرياضيات وعلم الفلك والتنجيم ودراسة علم النبات والحيوان وأنواع المعادن ومعالجتها وعلوم الجغرافية واللغة والأدب، إضافة الى ميزة خاصة امتازت بها المدرسة العراقية ألا وهي كونها مركزا مهما لما يسمى بالتأليف الإبداعي فكانت المؤلفات الأدبية تقرأ وتدرّس وتستنسخ وفيها أيضا كانت توضع المؤلفات الأدبية الجديدة".
وفي حين قدّم بحث الفتيان صورة عن التعليم في العراق القديم "الرافديني" فإن مروان عبد الملك محمد بحث "صور التعليم والحياة العلمية في الحضارة العربية والإسلامية" متوقفا عند "صور اماكن العلم والدرس في الجوامع والمساجد" و "صورة الإجازة العلمية" و "صور المجالس والندوات العلمية" و "صور مجالس العلماء".
وبحسب ما ورد من إشارات عن الكتابة في القرآن الكريم يخلص رئيس تحرير  "المورد" محمد عبد المطلب البكّاء الى معرفة العرب للكتابة قبل الإسلام، موضحا أن هناك 36 لفظة وردت في كتاب الله العزيز تدل على الكتابة، وعن الموضوع ذاته "الكتابة في عصر ما قبل الإسلام" يكتب محمود عبد الله الجادر بحثا يؤكد فيه معرفة العرب للكتابة من خلال الموروث الشعري مشيرا الى أن "النقوش والرقم المكتشفة في طور سيناء ووادي قران ومدائن صالح وأم الجمال والنمارة وحرّان تثبت ان الكتابة قديمة في الحياة العربية وأن رسمها كان يتدرج من الخط النبطي الى الخط العربي الموروث من المراحل الإسلامية الأولى".
 ويعترف الباحث ان "الكتابة كانت متداولة بين عرب ما قبل الإسلام ولكنها في الوقت نفسه لا تغري بالقول إنها كانت شائعة بينهم شيوعها في مجتمعات عصور الإزدهار الحضاري بعد الإسلام".
ويضع أستاذ الأدب في جامعة بغداد عناد غزوان "المعجم الوجيز في مصطلحات الكتابة" في محاولة يعتبرها "الأولى لتحديد مصطلحات الكتابة في اللغتين العربية والإنكليزية منذ نشأتها الأولى الى أن استوت رمزا مهما للحضارة الإنسانية ومنها الحضارة العربية والإسلامية".
ويقرأ الاستاذ في "كلية التربية للبنات" بجامعة بغداد احمد اسماعيل النعيمي "كتب القبائل وبواعث تدوينها حتى نهاية القرن الرابع للهجرة"، لافتا الى أن دواوين القبائل "في جوهرها مجموعة شعرية تضم في تضاعيفها قصائد كاملة أو شبه كاملة أو مقطعات وأبياتا مفردة لشعراء، بل ربما ضمت جميع شعر الشاعر منهم، وديوانه كاملا، معززة هذه الأشعار بالأخبار والقصص والأيام والأمثال فضلا عن كونها سجلا للهجاتها، ومعرضا لمفاخرها ومناقبها وأحسابها".
وعرض عبد القادر التحافي في بحث شائق "ما كتب على السيوف"، فأوضح جملا وكلمات وأسماء تتوزع على آيات قرآنية وأدعية نورانية وحكم مشهورة وتوجيهات مأثورة وعبارات معنوية تستثير العزائم وتستنهض الهمم وتطمئن الإنسان الى ما في القوة العادلة من نعمة وأمان. وتذكر جملاً تظهر ما في القوة الغاشمة من نقمة وتعسف وامتهان، فضلاً عن كشف نصوص لمعلومات شخصية عن ارباب السيوف طُبعت بمجموعها مكتوبة أو منقوشة.
وكتب الباحث اسامة ناصر النقشبندي "تطور الخط العربي في العراق" ورأى أن مدرسة الخط العراقية أثرت على نظيراتها في مصر والشام، واتصل نسب الخطاطين فيها الى سلسلة عبد الله الصيرفي، وياقوت المستعصمي، وابن البواب، كما أثرت المدرسة العراقية على الخطاطين الأتراك فقلدوا طريقة ياقوت ومن أبرزهم حمد الله بن الشيخ الأماسي الذي أبدع في تقليد أوراق ياقوت وقلّده في كتابة المصاحف الكريمة. ويقال ان مصطفى كمال الدفتري الذي كان في بغداد في القرن العاشر الهجري تمكن من اخذ نماذج من الخطوط من بغداد ونقلها الى تركيا.
وعن الكتب والرسائل المكتوبة باللغتين الشرقيتين الكبريين والتي عنت بالخط العربي كتب حسين علي محفوظ مقالة عرّف فيها بستة من الكتب هي "مداد الخطوط" للخواجة مير علي الهروي، الملقب "أستاذ الأساتيذ" وكتاب "سراط السطور" لسلطان علي المشهدي و "آداب المشق" لأستاذ الخطاطين مير عماد الحسني و "أطلس الخط" الذي هو تحقيق في الخطوط الإسلامية من تأليف حبيب الله الفضائلي وتصنيفه و "ميزان الخط" الذي حرره مصطفى حلمي حكاك زادة عام 1266 للهجرة.
وعرّفت الأستاذة في كلية الآداب في جامعة بغداد نسيبة محمد الهاشمي بالخط الكوفي ذي الشرفات، بينما جال عبر دراسة إحصائية الباحث ناجي محفوظ في "صناعة الحبر عند العرب".
وحقق يوسف ذنون شرح قصيدة ابن البواب في علم صناعة الكتاب ( قصيدته الرائية التي صارت الشغل الشاغل للكثيرين ممن كتبوا عن الخط العربي ). وشرح القصيدة هو لمحمد بن موسى بن علي الشافعي المعروف بابن البصيص.
وفي جهد لافت وضع حسن عريبي الخالدي "ببلوغرافيا الخط العربي وما يتصل به". متوقفا عند 238 كتاباً، اختتم فيها ما ورد في حرف الخاء، على أمل إكمال جهده في عدد آخر من "المورد" الفصلية التي بدأت مع عددها هذا الخاص بالكتابة والخط عامها التاسع والعشرين.

 



 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM