نقد أدبي  



نظرات الى الفكر التربوي و النفسي عند الغزالي

ِعلي عبد الامير

تاريخ النشر       17/01/2010 06:00 AM



الكتاب: "الفكر التربوي والنفسي عند الغزالي"
الكاتب: الدكتور كفاح يحيى صالح العسكري
الناشر: دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد 2000

يشير الكاتب كفاح العسكري إلى ان المكانة العلمية للغزالي تمثلت في انه كان فيلسوفاً وفقيهاً أصولياً وعالماً جليلاً، صوفي النزعة، سلك طريق الشافعي في الفقه، وأكمل ما بدأه الأشعري في مذهبه الكلامي، وكانت له شخصية متميزة بين الفلاسفة والفقهاء وعلماء الأصول والصوفية والمتكلمين.
 ويؤكد ان "أهمية الغزالي" من ربطه الدين بالعلم، وبين التصوف والشريعة، والعلم والعمل، والبحث عن الحقيقة فضلاً عن كونه "فيلسوفاً دينياً".
ومن أجل التعرف الى منهج الغزالي ومواقفه من الفلسفة والعلوم، وتتبع فلسفته التربوية وعرض فلسفته في الوجود والطبيعة الإنسانية والمعرفة، قسّم الباحث كتابه الى خمسة فصول، تضمن الأول تعريفاً بحياة الغزالي من خلال شخصيته ونشأته ومكانته العلمية وعصره.
وتضمن الثاني نظريات الغزالي في الوجود والمعرفة والطبيعة الإنسانية، وحدد الباحث في الفصل الثالث "الأهداف العامة المنبثقة من نظريته (الغزالي) في الوجود والمعرفة"، والرابع هدف الى إيضاح "نظرية الغزالي النفسية والتربوية من خلال مفهوم النفس ووظائفها عند الغزالي ومفهوم السلوك والفروق الفردية" ليتوصل من خلالها الى النظر الى "النظرية النفسية والتربوية عند الغزالي".

الغزالي: صوفي النزعة، سلك طريق الشافعي في الفقه
 
وفي الفصل الخامس حاول الباحث رسم عمل تربوي مخطط مُقام وفق منهج الغزالي.
وبعد أن يعدد الباحث مؤلفات الغزالي: "الأدب في الدين"، "إحياء علوم الدين"، "أيها الولد"، "بداية الهداية وتهذيب النفوس"، "جواهر القرآن ودرره"، "الرسالة الدينية"، "الرسالة الوعظية"، "فاتحة العلوم"، "مشكاة الأنوار"، "منهاج العابدين"، "ميزان العمل"،  "معراج السالكين"،  "الاقتصاد في الاعتقاد"،  "إلجام العوام"،  "القسطاط المستقيم"، "فيصل التفرقة"، "كيمياء السعادة"، "المضنون به على غير أهله"، "تهافت الفلاسفة"، "رسالة الطير"، "معارج القدس في مدارج معرفة النفس"، "معيار العلم"، "مقاصد الفلسفة"، "المنقذ من الضلال"، "المعارف العقلية"،  "مقامات العلماء بين يدي الخلفاء والأمراء"، "سر العالمين"، يعرض لأهم مؤلفات الغزالي والمتضمنة فكره التربوي والنفسي ومنها "احياء علوم الدين" الذي يراه أوسع كتب الإمام الغزالي وأدلّها على اتجاهه العلمي في الحياة وعلى سلوكه الصوفي في العبادة والتفكير والمعاشرة، في ما بعد أعظم كتبه "في الأخلاق والتصوف".
 وخلص الى ان الغزالي على خلاف الفلاسفة لا يرى في الأقيسة العقلية اداة صالحة لمعرفة الحق، بل الأداة الصالحة عنده فضلاً عن العلم، الذوق الباطني، لذلك أخذ بنظرة المتصوفة دون الجماعات الثلاث الأخرى (المتكلمون والباطنية والفلاسفة) ويصل الغزالي الى الحقيقة عن طريق التصوف.
 ويدفع الباحث الدكتور كفاح يحيى صالح العسكري بـ "نظرية الوجود" الى الصدارة من نظريات الغزالي متناولاً بالتفصيل: الوجود في الأذهان، الوجود الحسي، الوجود الخيالي، الوجود الشهي، الوجود في اللسان، الوجود في الكتابة، ويتوقف عند "الوجود والسببية" مؤكداً ان السببية عند الغزالي ترجع الى مسألتين، الأولى "انه اذا اجتمع امران معاً، فليس فيه دليل قاطع على ان الأول علّة الثاني"، والمسألة الثانية: إذا فرضنا صحة فعل بعض الظروف (تعلق أمر بأمر) بناء على قانون طبيعي، فليس ينتج من ذلك ان الأثر يكون بذاته في طريق متماثلة.
 ولخص الباحث نظرية الإمام الغزالي في الوجود: الله أسبب الأسباب، التغير، الاتصال،  التكامل،  الخلود، الترقي، وفي الترقي يرى الباحث ان الغزالي شدد على أن "الوجود الإنساني مُقام على أساس قابليته للترقي من مرتبة أدنى الى مرتبة أعلى،  إذ ترقى النفس من مرتبة العالم الحسي الى مرتبة العالَم الغيبي، كذلك يتم الترقي في الحياة الدنيا الى الحياة الآخرة، وفيها تتم السعادة الحقيقية، وفي الفكر يبدأ الترقي بالحس، ثم يرتقي الى التفكير، ثم الى مرتبة الكشف حيث العلم والحكمة على أيدي الأنبياء والأولياء".
 وفي تناول الباحث لـ "نظرية المعرفة عند الغزالي" أشار الى أنها "إدراك الأشياء" وقسّمها الغزالي الى: "معرفة النفس ومعرفة الأشياء، معرفة الدنيا والآخرة". وميّز الغزالي بين أربعة مستويات للمعرفة: الشك والظن والإعتقاد واليقين ملخصاً نظرية المعرفة عند الغزالي بأنها "إكتساب الفرد للمعرفة" وتحصل في طريقتين، الأولى: طريقة التعلم المعهود وعناصرها الثلاثة: المعلِّم والعلم والفعل، إذ وضعها الغزالي كالآتي: "فالعلم بالإفادة كالزارع والمتعلم بالإستفادة كالأرض، والعلم الذي هو بالقوة كالبذرة، والذي بالفعل كالنبات". والثانية: طريقة التعلم الرباني ومنه الإشتغال بالتفكر، وإلقاء الإلهام.
وفي حين عرض الدكتور العسكري لـ "نظرية الوجود عند الغزالي" التي أكدت وحدة الوجود كلها "كل شيء في هذا الوجود آية تنطق بقدرة الله وحكمته ورحمته،  وعلى الإنسان ان يدرك هذه الآيات ليدرك حكمة الخالق" توقف عند "الأهداف المستبطنة" من هذه النظرية بما يعزز فكراً تربوياً ونفسياً فيقول ان "الغزالي يجعل من الوجود إرادة وحرية مطلقة، فينتج من ثم ان يكون كل شيء شفافاً، بل هي التقاء بين إرادتين يفصل بينهما اللامتناهي والمتناهي ومن ثم الأهداف الأخرى، التوحيد، الترقي، أهمية المعرفة والإدراك، والإتصال".
وفي أساسيات الأثر التربوي للغزالي يذهب الباحث العسكري الى ان الغزالي أكد عالم الشهادة المادي "عالم العقل والخيال والشعور" وشدد على عالم الغيب "الإلهي" وتأكيد الاتصال بين هذين العالمين: "كلما كانت تربية الإنسان على الصفات الجيدة والحسنة أصبح قلبه أكثر صفاء لتقبل الحكمة، فكل ما هو جوهري يمت الى عالم الغيب. والإنسان في عالم الخلق غريب كالمسافر الذي يزور بلداً أجنبياً بقصد التجارة ولا  يكاد ينتهي من تجارته حتى يعود الى وطنه ومسقط رأسه، مركبه البدن وزاده العلم والأسباب التي توصله الى الزاد وتمكنه من التزود منه، هو العمل الصالح وليس يمكن العبد ان يصل الى الله سبحانه ما لم يسكن البدن، وما لم يجاوز الدنيا، فإن المنزل الأدنى لا بد من قطعه".

* نشرت في صفحة "تراث" بجريدة"الحياة" في 30-12-2000


 

 

 

Copyright ©  Ali Abdul Ameer All Rights Reserved.

Powered and Designed by ENANA.COM